البُعبُع

راشد فايد*

حشر “حزب الله” خصومه والحلفاء في زاوية المذهبية الضيقة، وتقاسم معهم نعمة فيئها: يهاجمونه بحجة تقوقعه المذهبي والطائفي، فيزيدون شعبيته وتماسك جمهوره حوله، ويحدثون الوقع نفسه، كرد فعل، لدى جمهورهم، ويظهرالقوى في فصام سياسي معلن، إذ تحمل على طائفية الحزب لتوقظ طائفييها، وتتحالف معه في دوائر، سراً وعلنا، لهدفين، واحد زيادة الحواصل الإنتخابية كحال “التيار الوطني الحر”، ولو على حساب الحزب، لكن برضاه والثاني تحقق سيطرة الأخير على ثلثي مجلس النواب، بتحالفات فوق الطاولة وتحتها، ليقولب الدستور والحياة العامة على مقاس الجمهورية الإسلامية التي يريد لبنان جزءاً منها.

يستفيد الحزب والآخرون من إثارة المخاوف الطائفية، والمذهبية، ويكملون توزيع الأدوار بالشعارات الإنتخابية المنسجمة مع فحواها، فها هو الحزب يختار شعار “باقون نحمي ونبني”، ليوهم جمهوره بـ”باقون” بأن الآخر يريد زواله، ويكمل الفكرة بـ”نحمي” ليشير إلى أن القوة متوافرة لديه، أما “نبني” فهي وعد باستدراك النتائج التدميرية لعروض القوة التي لا يكل يهدد بها.

في المقابل، يماشيه حليفه الاستراتيجي في حلف الأقليات، “التيّار الوطني الحر”، في نهج موازٍ، بشعار انتخابي هو “كنّا ورح نبقى”، فيما لا أحد يهدد الطائفة في وجودها، ولا أحد ينكر عليها تاريخها اللبناني المتجذر، ولا في بقائها، فيما الهجرة اللبنانية الراهنة تصيب أبناء كل الطوائف.

يتفق الطرفان، في ما يتفقان، على احتكارهما “النظافة”، فيما يريان في الآخرين، كل الآخرين ومن دون تسمية ولا تحديد، عملاء يقبضون من سفارات، و”أدوات” يستقوون بأميركا وبالمال السعودي، و”هذا دليل ضعف”، كما أبان بيان المجلس المركزي للحزب وهو ما لا ينطبق على المال الإيراني الذي يؤكد أمين عام الحزب أن منه تأتي “موازنته، ومعاشاته ومصاريفه وشربه وسلاحه وصواريخه… وكما تصلنا هذه يصلنا المال”.

كلام دقيق يفاخر به الحزب في كل مناسبة، ولا يرى فيه دليل ضعف، بل مؤشر يستجلب مدح إيران والثناء على دورها في لبنان، والتذكير بنياتها الطيبة كاستعدادها لبناء معامل كهرباء في لبنان بأسعار بخسة، متجاهلا أن حليفه “أمير الكهرباء” يمسك بتلابيب العتمة منذ زمن توماس اديسون، وأن لا أحد يذكر أن ملف التفاني الكهربائي الإيراني أدرج يوما على جدول أعمال مجلس الوزراء، فيما الحزب لم يتحمس يوما لمناقضة حليفه في تجميد الملف المذكور والـ 50 مليار دولار المبددة.

كان المرشحون للانتخابات، في الزمن الغابر، يتسابقون على تقديم التعهدات الخلابة إلى الناخبين، والوعود بالوظائف، إلى جانب الرشى. اليوم، ومع قضم الدويلة للدولة صار دعم الوعود يستلزم إختراع عدو يخيف الناخب على غده ومستقبله، وهل أنجع من إختراع عدو مبهم في هذا المجال، يريد اقتلاعك من جذورك، فلا يحميك منه غير سلاح اللاشرعية؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى