دور سوريا في غزو بوتين لأوكرانيا!

بحسب الرئاسة السورية، فإن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –المُدان في جميع أنحاء العالم– بالاعتراف بمقاطعتي “لوهانسك” و”دونيتسك” وغزو أوكرانيا نوقش مع دمشق “قبل شهرين” من التطوّرات الأخيرة.

الوزيران سيرغي لافروف وفيصل المقداد: إعترف الثاني باسم سوريا بجمهوريتي لوهانسك” و”دونيتسك”.

داني مكّي*

فيما تستمر روسيا في غزوها القاسي والمُدمّر لأوكرانيا، فإن دمشق أقدمت على فعلِ أكثر من مُجرّد اتّباع خط الكرملين – لقد أظهرت تضامنًا كاملًا مع راعيتها الكبرى.

كانت موسكو حريصة على ضمان دعم حليفتها في الفترة التي سبقت الهجوم، حيث زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو دمشق في 15 شباط (فبراير)، قبل أسبوعٍ فقط من اندلاع الحرب.

إلتقى شويغو بالرئيس السوري بشار الأسد لمناقشة “التعاون العسكري التقني كجزءٍ من الحرب المُشتَركة ضد الإرهاب”. وبحسب البيان الرسمي، فقد تفقّد الوزير الروسي أيضًا القاعدة الجوية في حميميم وكذلك ميناء طرطوس وأشرف على مناورات عسكرية.

في الوقت عينه، نشرت موسكو قاذفات طويلة المدى ذات قدرة نووية وطائرات مقاتلة تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في سوريا، ما مكّن روسيا من ردع التدخّل الغربي بشكلٍ أكثر فعالية في أوكرانيا، أو حتى تنفيذ هجماتٍ في حالة حدوث تصعيد.

في 21 شباط (فبراير)، قبل ثلاثة أيام فقط من الغزو الشامل لأوكرانيا، إلتقى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو. وخلال الاجتماع، أيّد المقداد قرار روسيا الاعتراف بجمهوريتي “لوهانسك” و”دونيتسك”، ووعد بالتعاون مع المناطق الانفصالية. واستنكر المقداد “حملة النفاق والكذب والخداع التي يشنها الغرب” ضد روسيا.

وبحسب الرئاسة السورية، فإن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –المُدان في جميع أنحاء العالم– بالاعتراف ب”لوهانسك” و”دونيتسك” وغزو أوكرانيا نوقش مع دمشق “قبل شهرين” من التطوّرات الأخيرة.

وقد أدلى النائب السوري خالد عبود بادعاءٍ مُذهل على قناة الإخبارية الحكومية بأن سوريا أعطت روسيا الضوء الأخضر لبدء الهجوم: “غدًا سيقول التاريخ أن وزير الدفاع الروسي كان في دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد. لم يأتِ ليتجوّل في دمشق أو لينقل إلى الأسد “تحيات بوتين” … لقد قال الأسد له “توكّلوا”، أي أُمضوا قُدُمًا في هجومكم. وردًّا على ذلك، نشر نشطاء المُعارَضة السورية صورًا لطيارين روس تم أسرهم مع كلامٍ توضيحي للصور يقول: “كيف انتهى الأمر بعد “توكّلوا””.

في 24 شباط (فبراير)، اليوم الأول للهجوم الروسي، سارع بوتين إلى الاتصال بالأسد، الذي قال لزعيم الكرملين إن “الدول الغربية تتحمّل مسؤولية الفوضى وإراقة الدماء”.

مما لا يثير الدهشة، أنه في اليوم نفسه بثّت محطة روسيا اليوم العربية بثًّا مباشرًا لمراسلَين، أحدهما في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والآخر في دمشق، أبلغا عن حماس وتشجبع وتأييد سوريا للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا.

كانت سوريا واحدة من خمس دول فقط صوّتت ضد مشروع قرار للأمم المتحدة يُدين الغزو الروسي لأوكرانيا – صوّتت 141 دولة لصالحه وامتنعت 35 عن التصويت.

في غضون ذلك، قامت غرفة الصناعة السورية ببناء لوحة ضخمة تُظهر فيها بوتين بالزيّ العسكري بجانب عبارة “النصر لروسيا” ووضعتها في إحدى الساحات الرئيسة في العاصمة السورية. في جبلة، معقل الأسد على ساحل البحر الأبيض المتوسط​​، قام المدنيون الداعمون لروسيا بتمييز منازلهم وسياراتهم بالحرف “Z” (اختصار لـ”Za pobedu”، “من أجل النصر”) في شريط أبيض. هذه الرسالة، التي يُصنِّفُ بها الجيش الروسي دروعه وعرباته لتجنّب الخلط بينه وبين المعدات الأوكرانية المُماثلة المظهر في ساحة المعركة، اعتبرها أنصار الكرملين رمزًا.

يُظهر التنسيق بين موسكو ودمشق أن سوريا لا تزال تُمثّل أولوية قصوى بالنسبة إلى روسيا. أكد أليكسي كليبنيكوف، خبير الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي، أن “اللحظة الحالية بالكاد يمكن أن تُغيّر النهج العام لروسيا تجاه سوريا. لقد كانت أولوية بالنسبة إلى روسيا منذ العام 2015. ومع ذلك، لا يمكن مقارنة أهمية أوكرانيا والجوار المباشر لروسيا بسوريا. نذكر القواعد العسكرية؛ إنها لمدة 49 عامًا [مدة الإيجار الروسي لميناء طرطوس]. وروسيا مستعدة للبقاء هناك”.

التداعيات من أوكرانيا ستكون وحشية

بغض النظر عن موقف الأسد، فإن عواقب الحرب الروسية في أوكرانيا ستؤثر بشدة وبحدّة في سوريا.

لمعالجة التداعيات الاقتصادية الفورية للحرب الأوكرانية، عقد الوزراء السوريون اجتماعاتٍ مع التجار لمناقشة تمديد فترة تصاريح الاستيراد للصناعيين.

في غضون ذلك، حظّرت الحكومة السورية تصدير المواد الغذائية الأساسية في ظل ما وصفته بـ “الواقع العالمي الراهن”. بينما تشير هذه “الحقيقة” بوضوح إلى الأزمة في أوكرانيا، فإن الوضع الاقتصادي العام في سوريا كان أصلًا يائسًا وفي وضع صعب منذ سنوات عدة.

إنخفض إنتاج القمح في البلاد بأكثر من 60٪ في العام 2021. وبسبب هذا الأمر وعوامل أخرى، يجد 12.4 مليون سوري (ما يقرب من 60٪ من السكان) أنفسهم حاليًا “يُعانون من انعدام الأمن الغذائي”. الآن وبعد أن قطع القتال في أوكرانيا ما يصل إلى 30٪ من صادرات القمح العالمية، من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية وستزداد معاناة السوريين سوءًا.

اضطرّت الدولة التي مزّقتها الحرب إلى تحمّل شتاءٍ كابوس حَمَلَ نقصًا وتخفيضات يتجاوزان مجرد المواد الغذائية الأساسية. في كانون الثاني (يناير)، أعلنت الحكومة عن عطلةٍ رسمية لمدة خمسة أيام بهدف “توفير أكبر قدر ممكن من الطاقة”. كما شهد الشتاء السوري القاسي تجميد الأطفال حتى الموت في مخيّمات النزوح في إدلب.

من ناحية أخرى، ارتفع سعر صرف الليرة السورية إلى حوالي 3,750 ليرة لكل دولار أميركي، وهي زيادة غير مسبوقة عن سعر ما قبل الحرب الأهلية البالغ 50 ليرة للدولار.

على الصعيد العسكري، التقارير التي تتحدّث عن قتال سوريين مع روسيا سابقة لأوانها. ومع ذلك، بالنظر إلى الخسائر المتزايدة لموسكو، فإن السوريين قد يُشكّلون مرتزقة جذابين لأنهم مُنخفِضو التكلفة في نظر روسيا.

في ذروة الحرب الأهلية السورية، دعمت روسيا الوحدات والميليشيات المساعدة، مثل لواء القدس وصقور الصحراء، التي قاتلت إلى جانب القوات المسلحة السورية. إذا لزم الأمر، يمكن لروسيا تجنيد أعضاء هذه الجماعات بسرعة للقتال في أوكرانيا. ونظرًا إلى بؤس الاقتصاد السوري، لن يكون هناك نقصٌ في الرجال المُتمرّسين في القتال ممن هم في سن الخدمة العسكرية والذين يرغبون في المخاطرة بحياتهم لتحقيق قدرٍ ضئيل من المكاسب المادية.

دروسٌ مُستفادة من العام 2015؟

كان قرار روسيا بالتدخّل عسكريًا في سوريا في 30 أيلول (سبتمبر) 2015، أول مشاركة كبيرة لموسكو في الشرق الأوسط منذ عقود.

إن الحرب في أوكرانيا لا تؤثّرُ في سوريا فحسب، بل إن الصراعين مُتشابكان. في الواقع، أصبحت سوريا نقطة مرجعية ثابتة لتحليل هجوم روسيا على أوكرانيا. قال ساشا غوش سيمينوف، المدير التنفيذي لـ”الشعب يطلب التغيير” (People Demand Change) أن التدخل في سوريا سهّل عدوانية الرئيس الروسي، مُضيفًا: “لقد شعر فلاديمير بوتين أن لديه الضوء الأخضر وقد تشجّع على استخدام استراتيجية أكثر خطورة – مثل بدء الحرب في منطقة دونباس – والتي لم يكن ليعتبرها ممكنة قبل الأزمة السورية”.

ويتابع: “لقد وفّر الصراع السوري ساحة تدريب ضارّة للروس لتجربة أنواعٍ مختلفة من الحرب (أنظمة أسلحة، معلومات مُضلّلة، مرتزقة، إلخ.) ضد السكان المدنيين مع الحد الأدنى من العواقب من أيّ نوع من المجتمع الدولي. وأعتقد أن الروس تعلّموا الكثير من وقتهم في سوريا من حيث مواجهة الحرب غير النظامية وخوضها واستخدام القوة السياسية والعسكرية على حدّ سواء لإخضاع واستمالة السكان المدنيين المحليين والأجهزة التي تسيطر عليها الدولة. كل هذه التجربة ستكون مفيدة لروسيا وهي تحاول إحتلال أوكرانيا”.

وفّرت سوريا لروسيا مسرحًا للعمليات واختبارات الأسلحة، بالإضافة إلى كونها قاعدة عسكرية لقواتها الجوية وقواتها البحرية في موقع استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط وفي قلب والشرق الأوسط.

المضي قدمًا، من المرجح أن تستمر سوريا في معاناتها الاقتصادية التي قد تزيد بسبب عواقب الحرب. على الرغم من المعاناة والمصاعب التي سيخلقها هذا الوضع بلا شك للسوريين في المستقبل المنظور، من المرجح أن تظل استراتيجية دمشق ملتصقة بموسكو قدر الإمكان.

  • داني مكي هو محلل سياسي يغطي الديناميكيات الداخلية للصراع في سوريا وباحث غير مقيم في برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهو متخصص في علاقات سوريا مع روسيا وإيران. الآراء الواردة في هذه القطعة هي آراؤه الخاصة. يمكن متابعته عبر تويتر على: @danny_makki

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى