حلولٌ جديدة لأَزمَةِ اللاجئين

مروان المعشّر*

وَصَلَت مُعاناة اللاجئين السوريين، خصوصًا في دولِ الجوار، أي الأردن ولبنان وتركيا، إلى مستوياتٍ غير مَسبوقة. يبلغُ عددُ هؤلاء اللاجئين قرابة 7.5 ملايين نسمة، منهم 3.5 ملايين في تركيا، و1.5 مليون في لبنان و1.4 مليون في الأردن بحسب إحصائيات تلك الدول. سأتناول هنا قضية اللاجئين السوريين في الأردن تحديدًا، وإن انطبقت حالتهم في أمورٍ عدّة على مثيلاتها في الدولِ الأخرى.

تتمثّلُ المعضلة الأولى في أنَّ حَجمَ المساعداتِ الدولية لهؤلاء اللاجئين انخفضت بشكلٍ كبير في السنواتِ الأخيرة، وذلك نتيجةَ تحويلِ الكثير من هذه المساعدات إلى أوكرانيا، إضافةً إلى ظاهرة “إرهاق المانح”، وهي ظاهرة معروفة في أوساط الدول المانحة، التي يخفُّ حماسُها لتقديمِ مثل هذه المساعدات مع مرورِ الزمن. وقد بلغ هذا الانخفاض حدودًا أصبح من الصعب معها حتى تقديم الغذاء للاجئين بعد فترةٍ وجيزة.

تَطلُبُ الدولُ المانحة من الأردن أن يوفِّرَ العجزَ الكبير في هذه المساعدات من موازنته، وهو أمرٌ صعبٌ للغاية، إن لم يكن مُستحيلًا. لقد قدّم الأردن فوق ما يستطيع في هذا المجال، واستضاف عددًا يقارب 15 في المئة من سكانه، وهذا عبءٌ كبيرٌ لا تستطيع حتى دولٌ غنية القيام به، فما بالك بدولةٍ كالأردن فاق الدين العام فيها مئة في المئة، وبلغ حجم البطالة فيها حوالى 23 في المئة.

المعضلةُ الاخرى هي قصورُ القانون الدولي في هذا المجال، إذ إن بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بتنظيم أمور اللاجئين حول العالم، والذي أُقِرَّ في العام 1951، يفرض على الدول المضيفة المجاورة استقبال اللاجئين من دونِ تحديدِ العدد، ولكنه لا يفرضُ على الدول المانحة أيّ مبالغ مُلزِمة لضمانِ حياةٍ كريمة لهؤلاء اللاجئين. بمعنى آخر، فإن المساعدات الدولية للاجئين هي “منّة” من تلك الدول، تمنحها وتحجبها كما تشاء، بينما استضافة الدول المجاورة للاجئين “مسؤولية” لتلك الدول بغضِّ النظر عن قدراتها المالية.

صحيحٌ أن الأردن لم يصادق على هذا البروتوكول، ولكنه لا يمكنه إغفاله أيضًا. وقد تقدّم الأردن بخططٍ وطنية عدة للتعامل مع الاستضافة السورية، لكن من الواضح أن قدراته لا تسمح بأيِّ حالٍ من الأحوال أن يفعلَ أكثر من ذلك.

ثمّة أمرٌ ثالث لا يتمّ الحديثُ عنه بإسهاب، وهو أن البروتوكول الأُممي ذاته لا يسمح بالعودة غير الطوعية للاجئين، ومَن يفعل ذلك من الدول يُخالف القانون الدولي. ولقد خرج الكثير من المسؤولين اللبنانيين والأتراك بوعودٍ انتخابية لتنفيذِ مثل هذه العودة القسرية، وكلّها مُخالفة للقانون الدولي. لم يفعل الأردن ذلك، فبالرغم من عدم مصادقته على البروتوكول المذكور، فإن طبيعةَ النظامِ الأردني الإنسانية لا تسمح بذلك، كما أن الأردن المتلقّي للكثير من المساعدات الخارجية لا يستطيع الدخول في مثل هكذا مجازفة من شأنها أن تؤثر في مجمل علاقاته مع الدول المانحة.

ثمّة عاملٌ مهم جدًّا لا يتم تسليط الضوء عليه بما فيه الكفاية، وهو أن جلّ اللاجئين السوريين لا يرغبون في العودة طالما لم يضمن لهم النظام السوري عدم التعرّض لهم. وقد أظهرت استطلاعات أخيرة للرأي أنَّ 97 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن و92 في المئة منهم في لبنان لا يرغبون في العودة تحت الظروف الحالية. هذا بالإضافة إلى أنَّ النظامَ السوري لا يرغب في عودتهم، لأن جلّهم ضده، وقد هرب معظمهم من هذا النظام في أول سنوات الحرب.

تُظهِرُ الدراسات الدولية بوضوح أن عودةَ اللاجئين إلى بلادهم في كافة دول العالم تُواجِهُ مصاعبَ عدة، وهي عودة ليست مضمونة على الإطلاق، وتدل على ذلك أمثلة كثيرة كاللاجئين الفلسطينيين واللاجئين من الحرب الباكستانية-الهندية، واللاجئين القبارصة من الأتراك واليونان. في الأردن، لم يعد أغلب اللاجئين العراقيين إلى بلادهم حتى بعد مرور عشرين عامًا على انتهاء الحرب.

إذًا، تواجه الدول المضيفة، ومنها الأردن، وضعًا صعبًا للغاية، فهي لا تستطيع زيادة مساعداتها من مواردها المالية للاجئين، كما لا تستطيع ترحيلهم أيضًا، كما إنَّ استيعابهم في الاقتصاد المحلي يواجه صعوبات اقتصادية وسياسية، علاوةً على أن استدامة وضعهم الحالي يخلق مشاكل إنسانية وسياسية واقتصادية وأمنية.

ما العمل إذا؟ ثمة حاجة إلى حلولٍ خلّاقة من شأنها تلبية احتياجات كافة الأطراف، بما في ذلك الدول المضيفة. من هذه الحلول التي تستحقُّ الدراسة بجدية من المجتمع الدولي هو النظر في إمكانية مُقايضة الديون الأردنية، يتم من خلالها تخفيض الديون المترتبة على الأردن للعالم الخارجي بنسبة معينة تتيح للأردن استخدام العائدات المتوفرة من خدمة الدين للإنفاق على اللاجئين والمجتمعات المحلية. وبهذا، يستفيد الأردن في المدى الطويل بتخفيضِ ديونه، وتتوفّرُ له موارد إضافية يستطيع استخدامها لرفع مستوى معيشة المجتمعات المحلية الأردنية وتوفير حياة كريمة للاجئين والاستفادة من بعض خبرات العمالة السورية، بشكلٍ يزيد من حجم الاقتصاد الأردني ولا يؤثر في العمالة الأردنية.

إن اقتراحًا كهذا يُشكّلُ أحد الحلول التي قد تعالج بعض عناصر المشكلة إن لم يكن كلها. بالطبع، يتعيّن على المجتمع الدولي تجاوز موقفه التقليدي بأنَّ وضعَ الأردن الاقتصادي لا يتيح له تخفيض دينه. إن معضلة اللاجئين تحتاجُ إلى حلولٍ جديدة، وقد يكون هذا أحدها. أما إصرار المجتمع الدولي على تحميل الأردن وحده الأعباء الناتجة عن تخفيض المساعدات الدولية المُقَدَّمة للاجئين من دون تقديم فوائد له فلن يأتي بنتيجة.

  • مروان المعشّر هو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسّسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الديبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى