في معنى التعليق

راشد فايد*

لا يُخفِّفُ من وطأةِ موقف الرئيس سعد الحريري السياسي القول إن والده الشهيد رفيق الحريري كان مرجعية سياسية في العام 1992 من دون أن يكونَ نائبًا، فالوقائع  إلى زعامةٍ شعبية كانت تتكوّن يوم ذاك بمبادراته الإجتماعية والإقتصادية، ومشروعه للنهوض الشامل بكل الوطن. أما المشهد اليوم فيَشي بما يُشبه العام 1998 حين تواطأت قوى تُناقِض مواقفها من الحريري اليوم ما كانت عليه تجاه والده بالأمس، وعملت على إبعاده عن رئاسة الحكومة لكنه عاد بعد سنتين مُكَلَّلًا بغار انتصارٍ سياسيٍّ كاسح. أما اليوم، فإن نجله اختار الإبتعاد طوعا ليرى اللبنانيون ما يستطيع أخصامه أن يُقدمّوه للبلاد، وعندها يكون لـ”التعليق” قيمته ومعناه.

ليس في ما تقدَّم جرعة تفاؤل لجمهور الحريرية السياسية، لكن لا يمكن تجاهل انتقاء الرئيس الحريري عبارة تعليق(ه) العمل السياسي، بما يشي أن العودة مُمكنة إذا توافرت معطيات تنمّ عن تسليم الفرقاء المعنيين بأن لبنان لا يمكنه أن يكون خارج منطق الشرعية الدولية والعربية، ولا يمكنه أن يطلب يد العون العربية ويمدّ بعضٌ منه يد الطعن في خاصرة العرب من العراق إلى اليمن، ويُعطّل الديموقراطية في لبنان بأن يحول، بفائض قوة سلاحه، دون أن تحكم الأكثرية النيابية التي أفرزتها الإنتخابات منذ 2005 إلى اليوم، من دون أن تشير المعطيات الراهنة إلى تغيّرٍ ولو طفيفٍ في عقلية التسلّط المقنّعة مرة بالميثاقية، ومرّات بالقمصان السود والعراضات المسلحة والتهديدات المُبطَّنة، والمُشَهَّرة، أحيانًا كثيرة في وجه الجميع.

يطرح إعلان الرئيس سعد الحريري موقفه الحاسم الجازم أسئلة عدة منها لماذا اليوم وليس قبل وليس بعد، وهل هو رسالة عربية إلى الداخل اللبناني كما هو رسالة محلية من أحد أقطاب الحياة العامة اللبنانية إلى الداخل نفسه، والمعنى في الإتجاهين واحد: إتسع الفتق على الرتق، كما يقول أجدادنا العرب، أو لم يعد في الإمكان أكثر مما كان.

كذلك، يطرح الإعلان سؤالًا عن مصادفة موعده مع زيارة وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد الناصر، للبنان مُكَلَّفًا بتكرار ما اتفق عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اجتماعهما الأخير في الرياض لجهة التزام لبنان بالإصلاحات البنيوية للدولة، وكذلك الإلتزام بتطبيق القرارت الدولية لا سيما الـ 1559 و1701 و1680. والوزير الزائر لم يُمثّل دولته وحدها بل، وأيضًا، دول مجلس التعاون الخليجي. كل ذلك تحت عنوان إجراءات بناء الثقة، التي تقترح علاجات للوضع اللبناني البنيوي، وتتلمّس عودة فعلية للعلاقات الأخوية بين الجهتين.

يفترض أن يقدم الجانب اللبناني خلال أيام معدودة جوابه على البنود التي حملتها المبادرة الخليجية، من دون أن يجهل أن الكلام اللبناني الغارف من “محيط” العواطف الأخوية المعتادة لم يعد ينفع، ولم يعد “يطرب” أو يُشنّف آذان العرب والعالم، ولربما لجأت المجموعة العربية، تحديدًا المُتأذّية من دور “حزب الله” كمخلب إيراني في المنطقة، وكمُعطّل لدور لبنان العربي، إلى عقوبات ضد شخصيات، إضافة إلى وقف التعاون في مجالاتٍ اقتصادية وتجارية، من دون استبعاد إجماعٍ عربي على إدراج الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية.

ربما لا مصادفة مقصودة بين الحدثين، قرار الحريري والمطالب العربية، لكن، في أحد معاني الأول سحب غطاء الحريري عن “حزب الله” الذي كان يستغل حرصه على السلم الأهلي لتمرير غلبته المُسلَّحة، سلماً.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى