إنعدامُ المُساءَلة يُشجِّعُ ويُجَرِّئ إيران ووُكَلاءَها

كابي طبراني*

ما الذي تفعله إيران والجماعات التابعة لها؟

هجماتٌ بطائراتٍ مُسَيَّرة وصواريخٌ على القوات الأميركية في العراق وسوريا؛ هجومٌ بطائرة بدون طيار على سفينة تجارية في خليج عُمان؛ تهريب أسلحة إلى ميليشيا في لبنان وتهديد نظام البلد؛ نقلُ أسلحة بشكلٍ غير قانوني إلى اليمن؛ إطلاقُ صواريخ باليستية على العراق… والقائمة طويلة.

ومع ذلك، لم تؤدِّ أيٌّ من هذه الحوادث إلى استدعاء إيران… إلى المحاكم الدولية، أو تلقّي أيّ نوعٍ من الإدانة الحقيقية أو الإنتقادات الجدّية المؤثِّرة.

من الجوانب الفريدة لإيران ووكلائها أن الهجمات التي يقومان بها في أيِّ بلد في الشرق الأوسط وتهريب الأسلحة عبر المنطقة يحظيان بإفلاتٍ تام من العقاب. هذا أمرٌ فريدٌ لأنه جرت إدانةُ دول أخرى فعلت أقل من ذلك بكثير في الإقليم.

الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، هي حاليًا في مرمى نيرانِ مقالٍ واحدٍ على الأقل نُشِرَ أخيرًا في مجلة “فورين بوليسي” ينتقد الولايات المتحدة لعدم كبح جماح أبو ظبي؛ تُركيا مُتَّهمة بدورٍ سلبي في ليبيا؛ يتم انتقاد روسيا بشكلٍ روتيني لدورها في سوريا وليبيا والصراعات الأخرى؛ كما تعرّضت المملكة العربية السعودية لانتقاداتٍ شديدة بسبب حملتها في اليمن.

يبدو أن إفلاتَ إيران من العقاب كبيرٌ في هذا الصدد. لم يتم اتهام أي دولة أخرى في المنطقة بتهريب تكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة واستخدام الميليشيات العميلة لها لمهاجمة أطراف ثالثة.

إستخدمت دولٌ أخرى طائرات مُسَيَّرة مُسَلَّحة، مثل تركيا ، لكن أساليبها أكثر مباشرة من إيران. هذا لا يجعل بالضرورة حرب الطائرات بدون طيار التركية في العراق وسوريا أفضل، لكن يسهل تعقّبها.

بالمقارنة، اتّبَعَت إيران استراتيجية تقضي بتمكين الميليشيات المحلية التابعة لها، وتزويدها بالأسلحة، وجعلها تُهيمن على دولها إلى درجة أن تُصبِحَ الميليشيات المسلحة هي الدولة نفسها، وتُسيطر على جيشها وتُوجّه سياستها الخارجية.

هذا في الواقع ما فعلته “كتائب حزب الله” وجماعات مماثلة في العراق. أرسلت خلايا عسكرية إلى سوريا، وشنّت هجماتٍ بطائراتٍ بدون طيار وصواريخ على القوات الأميركية، وهدّدت المملكة العربية السعودية. وتُخزِّن هذه القوات الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة وغيرها من الأسلحة، وتعمل خارج سيطرة الدولة بالكامل، وتقتل الأكاديميين وتُهدّد السياسيين الذين يعارضونها أو تحاول قتلهم أيضًا، كما كان الأمر مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أخيرًا.

الوضع هو نفسه في لبنان. كان من المُفتَرَض أن يتفكّك “حزب الله” بموجب إتفاق الطائف، لكن بدلًا من ذلك، أصبح أقوى من الجيش اللبناني. وصار مؤثّرًا جدًا ومُهيمنًا على الحكومة اللبنانية وقراراتها. وقد قام بإرسال قواتٍ إلى سوريا لدعم نظام الأسد وإلى اليمن لمساعدة المتمرّدين الحوثيين.

تقوم هذه المجموعة بتهريب الأسلحة عبر الحدود اللبنانية. وهناك عدد قليل جدًا من البلدان في العالم التي لديها جماعة مسلحة لها مقاعد في البرلمان ومجلس الوزراء وتقومُ بعملياتِ قتلٍ خارج نطاق القضاء وتنقل الأسلحة عبر حدود البلاد.

لقد وضعت إيران نصب عينيها تحديداً دولًا مثل هذه.

في اليمن، ظهرت القصة نفسها. قامت إيران بتمكين المتمرّدين الحوثيين واستخدمتهم لمهاجمة السعودية وتهديد حاويات الشحن. كما هدّدت الإمارات ودولًا خليجية أخرى.

أصبح الحوثيون أكثر جرأة في هذه الهجمات، وصار لصواريخهم وطائراتهم المُسَيَّرة مدى طويل بفضل الدعم الإيراني. هذا ليس مُجرّد تمرّد، لقد أصبح قضية إقليمية رئيسة، حيث يُشكّل الحوثيون الآن جُزءًا من الشبكة الإيرانية إلى جانب “حزب الله” والجماعات التي تعمل بالوكالة في العراق. وهنا، مرة أخرى، حلّت هذه المجموعة محل الحكومة اليمنية لدرجة أن إيران تُشير إلى الحوثيين على أنهم حكومة اليمن.

بالإضافة إلى حقيقة أن إيران تُسلّح الجماعات المتمرّدة في اليمن والعراق ووكلاءها في سوريا وميليشيا “حزب الله” في لبنان، وتُحاوِل جعل أعضائها يتصرّفون على حدٍّ سواء كبرلمانيين وميليشيات خارج نطاق القضاء، فقد زوّدتهم أيضًا بطائرات مُسَيَّرة لمهاجمةِ أطرافٍ ثالثة.

القوات الأميركية، على سبيل المثال، موجودة في العراق بناءً على دعوةٍ من الحكومة العراقية. ظاهريًا، يجب على الحكومة العراقية تأمين القواعد التي تدير فيها القوات الأميركية منشآت. ومع ذلك، فإن الجماعات الموالية لإيران في البرلمان، والتي لديها ميليشيات شبيهة بالمافيا، تُطلق الصواريخ أيضًا على هذه القواعد.

في أي دولة أخرى، سيتم اعتقال أي “مافيا” تُطلقُ صواريخ على قاعدة عسكرية في البلاد. لكن ليس في العراق. في العراق، تدير هذه الجماعات جُزءًا من البلد وتعمل بنشاط لزعزعة استقراره.

لا خيار أمام الولايات المتحدة سوى استخدام تكتيكات الدفاع الجوي ضد الهجمات الصاروخية والطائرات المُسَيَّرة. لا يوجد أيّ توقّع بأن العراق قد يلقي القبض ويحتجز أعضاء هذه الجماعات. إنهم يعملون فوق القانون لأنهم هم القانون.

كما تشنّ إيران هجمات من تلقاء نفسها. في أيلول (سبتمبر) 2019، هاجمت منشأة بقيق للطاقة في المملكة العربية السعودية بطائراتٍ مُسيَّرة وصواريخ. كما هاجمت ناقلة تجارية في تموز (يوليو) 2021 واستخدمت طائرات بدون طيار في سوريا للتحليق في المجال الجوي الإسرائيلي في شباط (فبراير) 2018 وأيار (مايو) 2021.

أطلقت طهران صواريخ باليستية على قاعدة الأسد في العراق في كانون الثاني (يناير) 2020، وأسقطت طائرة ركاب مدنية في كانون الثاني (يناير) 2020. كما أطلقت صواريخ على مُعارضين أكراد في العراق في العام 2018. والقائمة تطول…

ولم تتلقَّ إيران أي إدانة حقيقية على أيٍّ من هذه الهجمات. تُعامَل كأنه من الطبيعي أن تقتل دولة طواقم على ناقلات تجارية أو تطلق صواريخ على دولٍ أخرى بدون تداعيات. الشيء الاستثنائي هو أن تصرّفات إيران لم تعد فريدة. هي جُزءٌ من نظامٍ أوسع الآن في المنطقة الذي صدّرته طهران إلى البلدان الأربعة المذكورة أعلاه.

ليس هناك اتجاهٌ حيث يتم فيه تقليص هذا النظام. بدلًا، أصبحت البلدان تقبل هذه الطبقة من اللاشرعية كقاعدة وكشيء طبيعي. لا يُنظَر إلى هجمات الطائرات المُسيّرة في سوريا والعراق على أنها فريدة أو غريبة. والهجمات على حاويات الشحن تُواجَه بكلامٍ للإستهلاك لا يُشفي غليلًا.

يتّضح هذا من هجمات الألغام البحرية في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) 2019 والهجمات اللاحقة على السفن في العام 2021. تُعَدُّ قدرة إيران الفريدة على الالتفاف على الأعراف والقوانين الدولية جُزءًا أساسيًا من زعزعة استقرار المنطقة.

لقد شجّعها إنعدام المُساءلة وجرّأها، وسيظل ذلك سمة من سمات قوس الصراع الذي يمتد ألوفًا عدة من الأميال من اليمن عبر الخليج العربي إلى العراق وسوريا ولبنان.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى