لحظةٌ تفاوُضِيّة غير مَسبوقة للعالم العربي

البروفسور بيار الخوري*

يُعَدُّ اتفاقُ بكين إنتصارًا ديبلوماسيًا كبيرًا لإيران، وإشارةً إلى أن منافسيها الإقليميين بَدَؤوا أخيرًا التصالُحَ مع قوّتها ونفوذها. وتُعتَبَرُ الصفقة مع المملكة العربية السعودية خطوةً كبيرةً نحو هدفها المُتمثّل في أن تُصبِحَ لاعبًا قويًا مُعتَرَفًا به في المنطقة. لطالما كانت على خلاف مع الرياض، التي تعتبرها منافسًا إقليميًا رئيسًا. كان البلدان يدعمان أطرافًا متصارعة في حربَي اليمن وسوريا، كما اتَّهَما بعضهما البعض بالتدخل في الشؤون الداخلية لكليهما.

تَنظُرُ السعودية إلى دورها في الشرق الأوسط بعد اتفاق بكين بشعورِ مزيجٍ من الفُرَص والتحدّي. فمن ناحية يُمكن أن تساعد الاتفاقية على تقليل التوترات في المنطقة وخلقِ بيئةٍ أكثر استقرارًا للمملكة لمتابعة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن ناحيةٍ أخرى، يُمكِنُ أن يؤدي الاتفاق أيضًا إلى إعطاءِ إيران ورقة اقتصادية وسياسية قوية قد نتقلبُ عليها في ظروفٍ دولية مختلفة.

لقد ساعدت قمم الرياض الثلاث على تعميق العلاقات بين الصين والعالم العربي، وجعلت الصين لاعبًا أكثر أهمية في المنطقة. وقد منح هذا الصين مزيدًا من النفوذ في المنطقة العربية رُغمَ التناقضات التاريخية بين هذه الدول، في الوقت عينه أدّى ذلك  إلى المزيدِ من الصعوبات على الولايات المتحدة لممارسة نفوذها التقليدي في المنطقة.

إن الجمعَ بين القمم العربية الصينية الثلاث والاتفاق السعودي-الإيراني قد أتاحَ لجامعة الدول العربية اتخاذَ موقفٍ مُوَحَّدٍ وحازمٍ في عدد من القضايا، بما في ذلك القضية الفلسطينية، والحربين السورية واليمنية.

رُغمَ أنَّ جامعة الدول العربية لا زالت مُنظَّمة ضعيفة نسبيًا، فقد أصبحت أكثر حزمًا واستقلالية. ويرجع ذلك جُزئيًا إلى النفوذ المتزايد للصين في المنطقة، وجهود المملكة العربية السعودية وإيران لتحسين العلاقات بينهما.

المُختَلِفُ أيضًا في هذه اللحظة من تطور العرب والشرق الاوسط والعالم أن الجامعة العربية قد انهت أكثر من سبعة عقود من النزاعات العربية المُشِلّة منذ صعود الناصرية والبعث واليسار حتى صعود إيران والحركات الإسلامية المرتبطة بها، وصولًا إلى الحركات التكفيرية. تمتلك الجامعة العربية الآن فرصةً لتوحيد الموقف العربي من أجل تظهيرِ قوّةٍ تفاوضية استثنائية وغير مسبوقة للتقدّمِ نحو حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، وحلٍّ تاريخي لمشروع التنمية عبر العالم العربي.

العقدُ الأخير بشكلٍ خاص أنهى الصراعَ على مفهوم التنمية، وسقطت الأنظمة شبه الاشتراكية ورأسمالية الدولة، وبات الطريق مُعبّدًّا أمامَ اقتصاد السوق الذي تقوده رؤيا 2030 وسيطرة قانون السوق للتنمية القائم على تحرير الأسواق ودفع الاستثمارات عبر البيئات المناسبة. مفهومٌ يتوافقُ إلى حدٍّ واسعٍ مع مشروع الحزام والطريق الصيني.

يستطيع هذا التوافق التنموي العربي-الصيني أن يُحوّلَ الشرق الاوسط إلى أضخم واحة استثمارات في العالم بعد استنفاد هوامش الربح والقيمة المضافة في الحواضر الكبرى والأسواق الناشئة الكلاسيكية.

إيران وتركيا والعالم العربي المقبل في ظل تمدّد الحزام والطريق تقف جميعًا أمامَ حاجز القضية الفلسطينية القادرة على تفجير المنطقة في ايِّ لحظة، فماذا بعد؟

على الرغم من هذا التحدّي، فإنَّ الصين لاعبٌ مُحتَمَلٌ لتعبئة فراغ الولايات المتحدة في حلّ القضية الفلسطينية. الصين لديها القدرة على لعب دورٍ رئيسي في هذا المجال. إنَّ انخراطَ الصين الاقتصادي والسياسي المُتنامي في الشرق الأوسط يمنحها منصّة فريدة للتأثير في جانبَي الصراع. إنَّ دعمَ بكين لحلِّ الدولتَين، هو دعمٌ ثابتٌ وقويٌّ وتُعطيه الصين بُعدًا مُرتبطًا بعلاقة البشرية بأخلاقِ الإنسان أي بما يتجاوز مصالح الأُمم، يمكن أن يساعد ذلك في كسر الجمود القائم منذ سنوات عديدة. إذا كانت الصين قادرة على ترميم القوة التفاوضية للعرب كما لم تكن يومًا منذ النكبة، كما جمع القوة التفاوضية للإسلام الشرق أوسطي (العالم العربي، إيران وتركيا) فيمكنها أن تلعبَ دورًا رئيسًا في إحلال السلام في الشرق الأوسط.

لنتذكر دائمًا أنَّ القطارَ توقّفَ دائمًا في تل أبيب.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي لبناني، باحث وكاتب في الاقتصاد السياسي. يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني التالي: info@pierrekhoury.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى