الكويت: الخوف من وقوع أزمة سوق مناخ أخرى تُدعى أزمة سوق الجت
قدّمت هيئة أسواق المال الكويتية إصلاحات صارمة لمنع فقّاعة سوق أوراق مالية أخرى، ولكن هل خلقت “الإصلاحات المفرطة” سوق ظل أخرى؟
الكويت – خالد الديب
“إن بيئة السوق هنا غير حاضنة ومنفّرة لرجال الأعمال”، قالت مها الغنيم، الرئيسة التنفيذية السابقة لمجموعة “بيت الإستثمار العالمي” (غلوبل) ومقرها الكويت، في مؤتمر حضرته كبرى شركات الإستثمار الكويتية في أيلول (سبتمبر) الفائت.
ساردة قصة أيام عملها في شركة إستثمار مملوكة للدولة منذ ربع قرن، فقد ذكّرت الغنيّم الحضور في مؤتمر “يوروماني” (Euromoney) عن كيف أن سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة) – الأقدم في منطقة الخليج – في ذلك الحين طمحت لكي تُّدرج على مؤشر الأسواق الناشئة التابع ل”مورغان ستانلي كابيتال أنترناشونال”، قبل وقت طويل من عزم أقرانها الإقليميين حتى على التفكير بذلك.
المؤشر، الذي يقيس أداء الأسهم في الأسواق الناشئة العالمية، روَّج في العام الفائت لدولة الإمارات العربية المتحدة وقطر على مؤشره للأسواق الحدودية (Frontier Markets Index)، والذي يضم في الوقت الحاضر الكويت، على مؤشر الأسواق الناشئة (Emerging Markets Index).
“إني فخورة جداً لرؤية دولة الإمارات وقطر بأنهما إستطاعتا الوصول إلى مؤشر مورغان ستانلي كابيتال أنترناشيونال للأسواق الناشئة”، قالت الغنيم إلى الحضور في المؤتمر في الكويت.
“كنا نتحدث عن ذلك [في منتصف ثمانينات القرن الفائت] وكان من المحزن جداً أننا لم نتمكن من إدراج الكويت فعلاً. سيكون هناك الكثير من القوة والتأثير عندما يتم فعلياً إدراج الكويت على العديد من الجبهات المختلفة”، أوضحت.
الواقع أن شكواها تجد صدى في الكويت الغنية، حيث تُعتبر سوق الأسهم السائلة لديها الثانية في الخليج بعد المملكة العربية السعودية. ومع ذلك مع قيمة سوقية قدرها 113 مليار دولار أميركي، فإن لديها تاريخاً مظلماً من التداول غير المشروع وإنعدام الشفافية.
والذي يزيد من غموض السوق، أن تقريراً صادراً في العام 2010 عن المركز المالي الكويتي، بعد تمرير مجلس الأمة الكويتي قانون أسواق المال، أشار إلى أن 17 في المئة من الشركات الكويتية قد أعلنت عن نتائجها المالية لعام 2009، مقارنة مع 95 في المئة في المملكة العربية السعودية.
مع ذلك، تم تغيير النظام التنظيمي للبورصة الكويتية في العام 2012 عندما تم تأسيس هيئة أسواق المال وتنظيم الأوراق المالية المستقلة. وقد علّقت هذه الهيئة التداول بأسهم “العشرات من الشركات المدرجة” لعدم نشر نتائجها الفصلية، كما ذكرت وكالة الانباء الكويتية في آب (أغسطس)، بينما كانت تقوم بمراقبة ومعاينة الوضع، حيث لم تردع هذه الخطوة إثنين على الأقل من مؤشرات السوق الرئيسية الثلاثة من تحقيق مكاسب.
في آذار (مارس) الفائت، غرّمت محكمة كويتية رئيس البنك الأهلي، أحمد يوسف بهبهاني، ب1.5 مليون دينار كويتي (5.3 ملايين دولار) جرّاء شكوى حول تداول مزعوم من الداخل الذي إدّعته هيئة الأسواق المالية. وقد نفى بهبهاني المزاعم.
متحدثاً قبل حملة هيئة الأسواق المالية لقمع الممارسات الخاطئة للبورصة، قال رئيس الهيئة صالح الفلاح ل”مجموعة أكسفورد للأعمال” في تقريرها “الكويت 2013”: “إن الهيئة تعمل لصالح السوق”.
وأّكّد على أن “القضاء على التداول من الداخل، وزيادة الشفافية، وخلق فرص متكافئة للجميع هي التي تشكل أهدافنا الأساسية- ليس لدينا أي خيار سوى تحقيق كل هذه الأهداف التنظيمية”.
لقد أثبتت أساليبه لتنظيف السوق بأنها لا تحظى بشعبية بين المجتمع الإستثماري في الكويت، مع ذلك، وبحلول نهاية شهر آب (أغسطس) من هذا العام تم خفض فترة ولايته من خمس سنوات إلى أربع سنوات وتمّ إستبداله بوزير المالية السابق نايف الحجرف.
إن نظام هيئة الأسواق المالية لوضع وفرض الإنضباط التنظيمي أغضب مجلس الأمة (البرلمان) أيضاَ، والذي سعى إلى إجراء تغييرات على القانون الذي يحكم الهيئة، من أجل وضع المنظّم جزئياً تحت سيطرته.
وفي الوقت عينه، كانت الغنيم، التي قالت في أيلول (سبتمبر) الفائت قبل إستقالتها بأيام بأنها تأمل في إعادة إدراج “بيت الإستثمار العالمي” في سوق الكويت للأوراق المالية بعد رفع إسمها طواعية من القائمة في العام الفائت في أعقاب عملية إعادة هيكلة الديون، قاسية في المؤتمر خصوصاً في إنتقادها لنظام هيئة الأسواق المالية.
“لقد دقّقت في الرسوم التي طالبت بها الجهات التنظيمية هنا في هيئة الأسواق المالية، فوجدت في الواقع، وفي كثير من الحالات، أنها تشكل ضعف ما تفرضه دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، الأمر الذي أعاقنا حقاً من ممارسة أنشطة الأعمال”، قالت.
مضيفة: “على سبيل المثال، إذا قمت بصفقة دمج وإستحواذ، فإن هيئة الأسواق المالية تحصل على 60 في المئة، وسوق الكويت للأوراق المالية (البورصة) تحصل على 30 في المئة، والكويتية للمقاصة تحصل على 10 في المئة، والسماسرة يحصلون على صفر. إن الأمر سخيف، لا نستطيع العمل في بيئة من هذا القبيل. نحن نأمل بأن تحصل مراجعة جديدة على هذا النوع من الرسوم والهيكلية وهو أمر متاح”.
إن “مشاكل التسنين” ليست غير مألوفة في أي هيئة سوق مالية أنشئت حديثاً، يقول راغو مانداغولازور، نائب الرئيس للأبحاث في “المركز المالي الكويتي” في الكويت.
“إن دور الهيئة لا يقتصر فقط على مراقبة اللاعبين، ولكن أيضاً على تحقيق نمو السوق والذي يتضمن أيضاً وجود الكويت على مؤشر مورغان ستانلي كابيتال أنترناشونال للأسواق الناشئة، والذي يشكّل طموحاً كبيراً حيث دور المنظم مهم جداً”، أضاف .
ومع رحيل دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر من مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الحدودية فإن الكويت تجد نفسها على أنها سمكة كبيرة في بركة صغيرة.
“إن وزن الكويت قد إرتفع بسبب خروج قطر والإمارات العربية المتحدة من مؤشر الأسواق الناشئة”، قال مانداغولازور.
“الآن أعتقد أن الكويت تشكّل حوالي 30 إلى 40 في المئة من مؤشر الحدود، وبالتالي فقد شكّل ذلك نقطة جذب كبيرة حيث سيأتي الكثير من الأموال الأجنبية لهذا السبب. لكننا لم نرَ تلك التدفقات بعد”، يشير.
“قد تأتي، وقد لا تأتي، ولكن السوق الحدودية صغيرة جداً مقارنة مع الأسواق الناشئة، التي هي نفسها صغيرة جداً بالمقارنة مع الأسواق العالمية”، مضيفاً.
قدّر بنك الكويت الوطني في آذار (مارس) الفائت بأن وزن الكويت يمكن أن يزيد إلى 30 في المئة، مع زيادة 12 نقطة مئوية إضافية تصل إلى تدفق إضافي يبلغ نحو 700 مليون دولار في البلاد، وفقاً لتقرير صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية.
في حين أن التدفقات الهائلة لم تتحقق بعد، فإن حصة المشترين الأجانب في البورصة بلغ متوسط 16 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقارنة مع تسعة في المئة للفترة عينها من العام الفائت، حسب تقرير تحديثي إقتصادي لبنك الكويت الوطني، في تاريخ 15 تموز (يوليو).
في الشهر عينه، أعلنت هيئة الأسواق المالية في المملكة العربية السعودية بأن سوق أسهمها البلغة قيمتها 530 مليار دولار، “تداول”، سوف تفتح أبوابها أمام المستثمرين الأجانب في العام المقبل، وهي خطوة، قدرت مؤسسة “جدوى للإستثمار” ومقرها الرياض، أن تكون مؤشراً على إحتمال إدراجها على مؤشر “مورغان ستانلي كابيتال أنترناشونال” للأسواق الناشئة بحلول العام 2017.
ويفيد بعض الخبراء بأن صعود السوق النائمة من الوزن الثقيل الإقليمي يحتمل أن تدفع طموحات الكويت نفسها إلى الخلف.
“هذا الأمر إذا حدث سوف يزيد من كسوف تطوير البورصة الكويتية”، يقول فرانسيسكو كوينتانا، أحد كبار الخبراء الإقتصاديين في “آسيا للإستثمار” في الكويت.
ويضيف: “الأمر يعتمد على التحول في المملكة العربية السعودية وكيف سيكون حقيقة. يمكن أن تقوم بعملية تجميل على إفتتاح البورصة، من دون تبدل حقيقي بالنسبة إلى منح المستثمرين الأجانب حرية التداول في الدخول في النظام”.
من جهته، يعتقد “مانداغولازور” بأن البورصة في الكويت ستعاني من تأثير قصير الأجل جرّاء إنفتاح سوق المال السعودية، ولكن في المدى الطويل لن يكون هناك تغيير كبير في الثروات.
“المستثمرون الأجانب يميلون إلى خلط كل شيء معاً. بالنسبة إليهم، إن تصور الخطر في المملكة العربية السعودية هو التصور عينه بالنسبة إلى الخطر في الكويت، لذا إذا كانوا إتخذوا بالفعل موقفاً من الرياض، عندها سينفرون ويبتعدون من زيادة التعرض في المنطقة”، كما يوضّح.
من ناحية أخرى، إن إفتقار البورصة الكويتية إلى الأداء ولّد زيادة في الإستثمارات المضاربة في العقارات، يقول بعض الخبراء. ويخشى آخرون من أن تواجه الدولة خطر فقاعة سوق أسهم أخرى مماثلة لأزمة سوق المناخ – التي خلالها قامت سوق أسهم غير رسمية بالتمويل إلى حد كبير بواسطة شيكات مؤجّلة، وعملت بالتوازي مع البورصة الرسمية، حيث نمت لتصبح ثالث أكبر سوق غير رسمية في العالم حتى تاريخ إنهيارها المذهل في أوائل ثمانينات القرن الفائت.
وتنتشر الشائعات في الكويت عن إحتمال أن يعيد التاريخ نفسه. مع منظّم صارم يفرض غرامات باهظة، ورفع أسماء شركات من قائمة التداول لعدم الإمتثال للقانون، ونشوء سوق خفية خارج سوق الأسهم الرسمية للشركات غير المدرجة والتي يزعم بعضهم أنها تنمو الآن في سوق الجت التي لا تبعد كثيراً من المكاتب القديمة لسوق المناخ.
في المملكة العربية السعودية، في الوقت عينه، إستعداداً لإنفتاح “تداول” على الشركات الأجنبية، وضعت هيئة السوق المالية هناك قواعد ونظماً للسماح للتداول خارج السوق الرسمية بأسهم الشركات التي تم إلغاء إدراجها.
“أود عدم تشجيع أي بورصة في شطب شركات يمكنها أن تذهب خارج البورصة للحصول على الفوائد عينها”، يحذّر الرئيس التنفيذي للبورصة العربية المشتركة الدكتور فوزي بهزاد.
إنه يعتقد أيضاً بأن الخصخصة التي تمت مناقشتها كثيراً، وتأخرت طويلاً وتوقفت الآن في سوق الكويت يمكنها أن تغيّر ديناميكيات السوق إذا حصلت.
إن تقرير منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية للعام 2014 عن الخصخصة وعدم تبادل المنافع في بورصات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: أن تكون أو لا تكون؟ يقول أن “الملكية الخاصة قد تمنحها [البورصات] قدراً أكبر من المرونة التشغيلية، وفي نهاية المطاف، القدرة على أن تكون أكثر تنافسية إقليمياً وربما دوليا”.
بسبب عقبة قانونية تمنع هيئة الأسواق المالية في الكويت من الإنخراط في الأنشطة التجارية، وإحتجاجات من قبل موظفي البورصة الذين على غرار العديد من المواطنين الكويتيين لا يرغبون في العمل في القطاع الخاص، وُضعت خصخصة البورصة في المقعد الخلفي. المراقبون في الكويت متشائمون ويفيدون بأن الإصلاح لن يحدث.
“بالنظر إلى قائمة المواضيع التي هي على لائحة البرلمان والحكومة، لا أعتقد أن البورصة ستسير في طريق الخصخصة. لكنها ستكون بالتأكيد خطوة كبيرة إلى الأمام إذا حصلت”، يقول كوينتانا. في الوقت عينه يقول مانداغولازور من “المركز”، إن “خصخصة البورصة ليست حاسمة لتطوير سوق الأوراق المالية”.
فيما أقرانها في المنطقة يتسابقون لإصلاح أسواق رؤوس أموالهم، فإن الكويت، الرائدة إقليمياً في السابق، وقعت في مأزق دستوري، حيث ركنت راضية للعيش من عائداتها النفطية الهائلة والتي لا تزال غير متأكدة من هويتها الإقتصادية.
“تفتقد الكويت إلى مصدر تمويل لأعمالها، بمعنى أنها جعلت قطاع الأعمال أكثر بدائية لأنها تعتمد على أموال النفط من المدّخرين والمستثمرين الذين هم في الغالب محليون”، يوضح كوينتانا.
مضيفاً: “لست متفائلاً ولا سيما حول مستقبل البلاد بعيداً من النفط. إن المشكلة هي انني لست متشائماً بشكل خاص لأنه ما زال هناك الكثير من النفط الآتي، وأعتقد أن الطلب العالمي سوف يكون قوياً في العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة على الأقل”.
البعض الآخر هو أكثر تفاؤلاً بالنسبة إلى آفاق سوق الأسهم الكويتية.
“لا أعتقد أنه يمكن تصنيف هذه السوق بهذا الوصف السيىء”، يقول مانداغولازور. مضيفاً: “إنها ليست بهذا السوء. فهي سوق تبلغ قيمتها السوقية مئة مليار دولار مع 200 شركة مدرجة ومع بنوك صلبة وعلامات تجارية معروفة وإستثمارات، وشركات تأمين ومال وتجزئة”.
وإنتهى إلى القول: “إنها مزيج واسع. أنا لا أعتقد أنه يجب حقاً أن تُصنَّف على أنها مكان سيئ الإدارة. من الناحية التكنولوجية، قد تحتاج إلى اللحاق بالركب، كما تحتاج إلى اللحاق بالركب أيضاً وبشكل سريع بالنسبة إلى الشفافية”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.