بَينَ كابول وإسلام آباد، هل سيرى العالم كوريا شمالية أخرى؟

العميد الركن الدكتور هشام جابر*

صحيحٌ أن لِباسَ و”حلّاص” حركة طالبان لا يختلفان عن لباس وهندام منظمة “القاعدة” الأم، التي أنجبت أكثر من حركة وأكثر من تنظيم، بينها حركة طالبان التي تعني ” طلّاب الدين” أو “طلّاب الشريعة” التي لن ندخل في ظروف انشاء هذه الحركة ومصادر تمويلها. كما أنجبت الشقيق الأصغر سناً، المُسمّي تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، والذي زايد على المنظمة “الام” شعارات ومُمارسة.

وصحيحٌ أيضاً أن طالبان تَرفَعُ شعاراتٍ وتؤمِن بعقيدة “القاعدة” الأم، ولكن هذه الحركة التي صار عمرها في سجل النفوس ثلاثين عاماً، اكتسبت خبرات عدة، وتعلّمت دروساً في السياسة والحروب الميدانية والديبلوماسية والنفسية وفي التاريخ، وخصوصاً في الجغرافيا، ما جعلها تختلف عن الأم والأخوة والأخوات في السلوك وفي الممارسة. أتقنت الحرب النفسية في الترهيب والترغيب، وأسقطت عواصم الولايات الأفغانية من دون قتالٍ يُذكَر. وانهارت كابول، وتسلّمت مفاتيحها قبل صياح الديك وبدون طلقة مدفع.

لقد تعلّمت طالبان أن السيطرة على الأرض لا تعني الإستمرار، كما لا تعني الحُكمَ بأمان، ولديها التجربة، بدون اعترافٍ دولي بالحدّ الأدنى، وبدون تبديد النقمة الداخلية والمُعارصة المُسلَّحة المُحتَمَلة. لذا، قامت منذ اليوم الأول بتشغيل مُحرّكاتها الأمنية والديبلوماسية والسياسية بطاقاتها القصوى، حيث قالت من جهة للداخل المهزوم قلنا لك “سَلِّم تَسْلَم”، ووعدناك بذلك وها نحن نفي بالوعد، وتقول من جهة أخرى للعالم لماذا الجزع، فالبعثات الديبلوماسية أمانة لدينا، وسترون أنها هي أمانة في الذمّة.

وتؤكّد لمَن يهمّه الأمر، قلنا في الدوحة أننا لا نُريدُ أن نَحكُمَ لوحدنا بل بالمشاركة، وها نحن نُكرّر بعد الإنتصار: نُريدُ المشاركة مع مختلف أطياف الشعب الأفغاني بمن فيهم النساء!! ولم تُوضّح الحركة بأيّ هندام أو “حلّاص” ستُشارك المرأة! مع النقاب أو مع الشادور أو حتى سافرات؟ ثم أسرعت الحركة للإتصال والإجتماع بالرئيس السابق حامد كرزاي، والرجل الثاني في حكم أشرف غاني، عبد الله عبد الله، للبحث في حكومةٍ ائتلافية ومستقبل البلاد، بعيداً من اتفاق الدوحة والمبعوث الأميركي زلماي خليل زاده والعم سام، وبعيداً من أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود الذي سبق وقتلته الحركة منذ أكثر من عقدين، وذلك لتركه يقاتل وحيداً، إلى أن يقتنع. ويبدو أن الحركة على قناعة أنه سيستنفد قواه، ما دام لن يلقى دعماً مادياً أو عسكرياً أو سياسياً، بعد اعتراف الدول بالأمر الواقع.

والأن ماذا بعد؟

الرئيس حامد كرزاي الذي تشرفتُ بلقائه شخصياً وأكثر من مرة خلال مؤتمر “أوراسيا” في آستانا في نيسان (إبريل” 2016، هو رجل هادئ، ولا يؤمن بالعنف، لكنه برأيي المتواضع سيُشكّل مع رفيقه عبد الله عبد الله جسراً تعبر عليه طالباًن إلى ضفة الشرعية الداخلية، والدولية. وعندما يتم ذلك لا بأس من هدم هذا الجسر لإنتفاء الحاجه إليه.

طالبان ستحكُمُ مرحلياً بالمشاركة لتثبيت حكمها ثم تبدأ خطة السيطرة التامة على الحكم ب”القضم” وهي الطريقة التي اعتمدتها في الميدان.

نعود إلى الجغرافيا، حيث تختلف طالبان عن منظمة “القاعدة” الأم وعن الأخوة والأخوات بما فيها “داعش” إذ أنها التزمت خلال ثلاثين عاماً بالجغرافيا الأفغانية وببعضٍ من باكستان حيث لها فروعٌ وركائز ستسعى حتماً ولاحقاً إلى استثمارها.

وهنا الخطورة على العالم بأسره، لأن في إسلام أباد كما نعلم ” قنابل نووية”، وهذا ما يدفعنا إلى طرح أسئلةٍ عدة: هل يعنى ذلك أي شيء للعالم ولباكستان؟ هل سنرى كوريا شمالية ثانية في وسط آسيا؟ وهل تُقاس خطورة امتلاك إيران لسلاحٍ نووي كما يُروِّجون ساعتئذٍ بخطورةِ هذا الوضع المُحتَمَل إذا حصل؟

قليلٌ من الفطنة، وقليلٌ من الوعي، وما تيسّر من الثقافة، ولا أقول الأخلاق، ذلك يكفي لتجنّب الكثير من الكوارث، لا سيما وأن طالبان بدأت إرسال رسائل إلى إسلام أباد لاعتماد الشريعة نظاماً!

قرأتُ بالأمس مقالاً لأستاذٍ أميركي صديق في جامعة جورج تاون يقول فيه أن “أميركا تسعي إلى تحقيق الأهداف السياسية بالوسائل العسكرية” وهذا سبب فشلها في فيتنام وكمبوديا، وأميركا الوسطى، والعراق، وسوريا، وأخيراً أفغانستان.

هذا هو الواقع كما يراه العقلاء، وآن الأوان لهذا الكاوبوي المُتعَجرِف أن يترجّل عن حصانه ويُحاور وافقاً ويحاول تغيير سلوكه، ذلك أفضل له ولشعبه وللعالم.

وأخيراً وليس آخراً، التفجيران الانتحاريان في محيط مطار كابول، اللذان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية فرع خرسان، الذي وُلد أصلاً من رحم طالبان، يشيران إلى مٌستقبل غامض محفوف بالمخاطر لتلك البلاد.

لقد انتهت الحرب في أفغانستان بين طالبان وواشنطن. وبدأت حربٌ من نوعٍ آخر بين طالبان و”داعش”. فهل تعمد أميركا إلى محاربة طالبان، بواسطة تنظيم الدولة أم لديها خيارٌ أخر؟

إنتهى الدور الذي رُسِمَ ل”داعش” في العراق وسوريا أو كاد، فهل يُعادُ إحياءُ هذا التنظيم في المكان الذي تحتاج إليه واشطن؟ إن غداً لناظره قريب. وللبحث صلة.

  • الدكتور هشام جابر هو عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، حائز على دكتوراه في التاريخ المعاصر، وباحث في الشؤون الاستراتيجية والحرب النفسية والحركات الإرهابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى