التَقارُبُ السعودي – الإيراني: مَكانُكَ راوِح!

يُدرِكُ كلٌّ من إيران والمملكة العربية السعودية أن محادثاتهما المستمرة يمكن أن تُحسّن الوضع في الشرق الأوسط – لكنها ستُوطّد المكاسب الإيرانية عبر المنطقة.

الرئيس ابراهيم رئيسي: موقفه من الإتفاق النووي الإيراني لا يُبشّر بالخير…

أنشال فوهرا*

في الأسبوع الفائت، استضاف العراق قمّةً إقليمية تهدُفُ إلى تشجيع الخصمين اللدودين المملكة العربية السعودية وإيران على حلِّ خلافاتهما وتخفيف التوتّرات في بلدانٍ عدة في الشرق الأوسط التي أصبحت ساحات معارك بالوكالة. يُمكن للمصالحة بين الطرفين أن تُمهّدَ الطريقَ للسلام في اليمن، وتُنقِذَ لبنان من الانهيار التام، وتُساعِدَ العراق، وربما في الوقت المناسب تُعيد الحياة والانتعاش إلى الاقتصاد السوري.

لم يتمّ تحقيق أي اختراق. يبدو أن الحربَ الباردة بين الرياض وطهران من أجلِ الهَيمَنة على العالم الإسلامي ستستمر. إتّفّق وزيرا الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، والإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على مواصلة الحديث بعد فترة قليلة من بدء إدارة بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، المعروف أيضاً ب”خطة العمل الشاملة المشتركة”.

لقد تعثّرت المحادثات نتيجة إصرارِ إيران على تعزيز مكاسبها من خلال استخدام ميليشياتها المُسلّحة، وعدم اليقين بشأن مصير خطة العمل الشاملة المشتركة، وغياب الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة التي تعتمد عليها السعودية.

من جهّتها، تحرص الحكومة الإيرانية على استئناف العلاقات الديبلوماسية مع السعوديين، الأمر الذي من شأنه أن يساعدها على ترسيخ شرعيتها الدولية المُتنازَع عليها، وربما إرساء الأساس لمشاركة إقليمية أكبر، اقتصادياً واجتماعياً، كما من شأنه أن يُساعد أيضاً على تعزيز الحكومة محلّياً. تريد إيران أن تُظهِرَ لشعبها أنها ليست معزولة تماماً، وأن الضيق الاقتصادي الذي تعاني منه ناتج إلى حدٍّ كبير عن العداء الأميركي، وليس بسبب تدخّلات النظام المُكلفة في الشرق الأوسط، والتي أصبحت أهدافاً للإحتجاجات الشعبية الغاضبة.

يُمكن للحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي الإعتماد على بعض الدعم المحلّي لهذا السرد، وهو بالطبع يحظى بالدعم الكامل من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والفصائل المُتشدّدة مثل تلك التي تُهيمن على الحرس الثوري. لكن من غير المُرجَّح أن يُهدّئ ذلك الاحتجاجات المُتكررة في إيران التي اشتكت من أن سياسة دعم الميليشيات من لبنان إلى العراق واليمن كانت مُكلفة عندما يكون المال شحيحاً في الداخل، ولم يؤدِّ إلّا إلى مزيدٍ من العقوبات.

التعقيد هو أن رئيسي لا ينوي كبح جماح تلك الميليشيات ولا الموافقة على تغييرات في الاتفاق النووي. إن تطويرَ إيران للصواريخ الباليستية طويلة المدى، والتي تودّ الولايات المتحدة تضمينها في محادثاتٍ أخرى، يثير تهديداً خاصاً للمملكة العربية السعودية. لكن طالما أن إيران غير مستعدة للتنازل على هذه الجبهات الرئيسة، فإن السعوديين ببساطة لا يرون آفاق التوصّل إلى اتفاق.

سيّد حسين موسويان،  أحد صنّاع السياسة الإيرانية الذي خدم في الفريق الديبلوماسي النووي الإيراني في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في العام 2015، تكهّن كيف يعمل تفكير الرئيس الإيراني الجديد حيث قال: “كما أفهم، سيكون نهج الرئيس رئيسي هو التزام مجموعة “5 + 1” وإيران بخطة العمل الشاملة المشتركة “كما هي” و”الامتثال الكامل مقابل الامتثال الكامل”. وهذا يعني أن القضايا الأوسع التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل المملكة العربية السعودية، ناهيك عن إسرائيل، خطوات تالية مهمة ليست مطروحة حالياً على الطاولة.

قال سايمون هندرسون، مدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إنه يعتقد أن إيران ستستمر في دعم الميليشيات عبر ما يسمى بالهلال الشيعي. وأضاف: “أي تعديل سيكون لأسبابٍ تكتيكية وليست استراتيجية”. لقد امتلأ تنصيب رئيسي كرئيس للجمهورية بحشدٍ كامل من قادة الميليشيات غير الحكومية التي تدعمها طهران، وأمضى الكثير منهم سنوات أو عقوداً في تخفيض وتحويل النفوذ السعودي في المنطقة لصالح إيران. من المؤكد أن وجودهم وبروزهم في الحدث لم يعُزّز الثقة السعودية في المحادثات مع طهران.

وعلّق جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، أن إيران تعتبر هؤلاء الشركاء المُسَلَّحين مُهِمّين لوضعها في المنطقة المحيطة بها. ومع ذلك، أضاف هيلترمان أن هذه الميليشيات تسعى أيضاً إلى أجندة محلية لا تتوافق دائماً تماماً مع التصميم الإقليمي لإيران. قال: “يمكن أن يصبح الأمر أكثر إثارة للاهتمام إذا تجاوزت هذه المجموعات بيئاتها المحلية. يمكن أن يحدث هذا بشكل خاص في العراق، حيث يمكن أن تتعارض الميليشيات المدعومة من إيران، بالإضافة إلى العديد من الميليشيات الأخرى، مع المشاعر الشعبية عندما تصبح قمعية متوحّشة وتتصرّف بشكلٍ خاص ك”مُساعِداتٍ” عنيفة للدولة بدون مُحاسبة، أو يُنظر إليها على أنها تُقاتل نيابة عن إيران بدلاً من أجل المصلحة الوطنية العراقية”.

في لبنان أيضاً، ازداد النقدُ المُوَجّهُ إلى “حزب الله”. في حين أنه لا يزال يتمتّع بدعمٍ واسعٍ في معاقله، فإنه يفقد قوّته وأرضيته في بقية البلاد. يلقي معظم الناس في لبنان باللوم على النخبة السياسية في تفشّي الفساد وتدمير اقتصاد البلاد. لكن الكثيرين يرون أن “حزب الله” هو السبب وراء إحجام أميركا والسعودية عن إخراج البلاد من الأزمة المالية.

يبدو أن ومضات المعارضة الإقليمية للمشروع الإيراني، إلى جانب احتمال انهيار محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة، أعطت السعوديين الإحساس بأن نفوذهم قد ينمو على إيران. قد يأملون حتى في أن يؤدي تصلّب إيران إلى انهيار المحادثات في فيينا، مما يترك الجمهورية الإسلامية تحت العقوبات وأقل قدرة على دعم أهدافها الإقليمية الأوسع. بدلاً من تقديم أيّ تنازلات لمساعدة إيران، تُفضّلُ الرياض إبقاءها على مسارها المُتمثّل في تعميق العزلة. قال علي واعظ، مدير الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، إنه إذا لم تتم استعادة الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، فإن “طهران وواشنطن ستظلّان في حالة خلافٍ شديد، وفي ظل هذه الظروف، فإن وقف التصعيد بين إيران والسعودية غير مُرجَّح، إن لم يكن كذلك مستحيلاً”.

وأضاف أن أي قرار بين الخصمَين الإقليميين يعتمد على تقسيم مناطق النفوذ. وقال واعظ: “في نهاية المطاف، سيتعيّن على البلدين الاتفاق على مجموعةٍ من القواعد ولتحديد مناطق النفوذ في المنطقة”.

من ناحية أخرى، يُشيرُ بعض المحللين إلى أنه في ما يتعلق بالتنازلات المُتبادَلة، فإن سوريا هي ثمرة مُعَلَّقة للسعوديين واليمن هو نفسه كذلك بالنسبة إلى الإيرانيين. يُمكن أن تنضم المملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة في الضغط من أجل الاعتراف الديبلوماسي بنظام الأسد، بينما ستدفع إيران حلفاءها المحليين الحوثيين إلى صفقة مع “حكومة” اليمن المدعومة سعودياً. يمكن إيجاد حلولٍ وسط لكلٍّ من العراق ولبنان. لكن إيران ترى في مثل هذه الفكرة بمثابة أمرٍ غير ضروري: فقد قام حلفاء إيران المحليون، بما في ذلك الجيش السوري و”حزب الله”، بدعمٍ روسي فعلي، بطرد جماعات المعارضة التي يقودها السنّة من الأراضي التي يسيطر عليها النظام في سوريا، ويفوز الحوثيون حالياً في حرب اليمن. لقد نجحت طهران بالفعل في زرع وكلاء لها داخل حكومتي العراق ولبنان.

لقد وسّعَت إيران نفوذها في المنطقة، وبهذا المعنى انتصرت في الحرب غير التقليدية التي تخوضها. لكن العديد من دول المنطقة، بما فيها إيران نفسها، بائسة وتعيسة اقتصادياً. فهي إما غارقة في صراعات نشطة، أو تُضعِفها آثار الحروب والعقوبات، أو مثل لبنان الذي يعاني من أزمات مالية مفروضة عليه. السعوديون في الوقت الحالي ليس لديهم الكثير ليكسبوه من الاعتراف بانتصارات إيران وترسيخها. إلى أن يتغير ذلك، سيستمر الإيرانيون، وكذلك الدول الأخرى العالقة في وسط التنافس السعودي – الإيراني، في الخسارة.

  • أنشال فوهرا هي كاتبة رأي في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ومُراسلة تلفزيونية مستقلة ومعلقة حول الشرق الأوسط ومقرها بيروت. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @anchalvohra
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى