تَحالُفٌ ثُلاثيٌّ يُقدِّمُ فُرَصاً لكنّه يُواجِهُ تحدّيات

أسامة الشريف*

يعمل الأردن ومصر والعراق معاً لتعزيز العلاقات وبناء رؤية إقليميّة مُشتركة وسط تغيّر الحقائق الجيوسياسية. فقد عقد الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأحد الفائت، قمّة استمرّت يوماً واحداً في بغداد، وهي الثالثة خلال ثلاث سنوات، ناقشوا خلالها التحدّيات المُشتركة واتفقوا على تعزيز التعاون الاقتصادي.

لكن الأمر سيستغرق سنواتٍ لترجمة رؤية القادة إلى واقع. هذه الرؤية، كما وصفها الكاظمي، ستشهد ظهورَ “مشرقٍ جديد” بعد عقودٍ من الاضطرابات التي اجتاحت المنطقة، والتي تميّزت بغزوٍ أميركي للعراق، واقتتالٍ طائفي داخلي، وتدخّلٍ إيراني في شؤون العراق وسوريا، وظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” وأخواته. وقد مثّلت الزيارة الأولى لرئيسٍ مصري إلى بغداد منذ عقود مؤشّراً آخر إلى أن القاهرة بدأت تستعيدُ ببطءٍ دَورَها القيادي الإقليمي.

ومن الأهداف الرئيسة لقمة بغداد مساعدة العراق الذي مزّقته الحرب على استعادة مكانته في العالم العربي بعد سنواتٍ من العزلة والفوضى وسفك الدماء. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بدون تسمية إيران، “يجب عزل العراق عن التدخّلات الإقليمية”، في إشارةٍ إلى نفوذ طهران الإقليمي وخصوصاً في العراق.

منذ أن تولى الكاظمي منصب رئيس الوزراء في أيار (مايو) 2020، حاول تحييد تدخّل إيران في السياسة الداخلية للعراق ولكن كانت النتائج متواضعة. كما سعى إلى إخراج بلاده من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. إلّا أن دعم إيران للميليشيات الشيعية تحت لواء الحشد الشعبي ما زال يُشكّل أكبر التحديات التي تواجه الحكومة المركزية.

وفي عهد الكاظمي أيضاً، اقتربت بغداد من دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، التي عزّزت وجودها الديبلوماسي في العراق في السنوات الأخيرة. ويأمل العراق أن يلعب دور الوسيط بين الرياض وطهران.

بصرف النظر عن إعادة العراق إلى الحظيرة العربية، فإن الخطوة التي رحّبت بها الولايات المتحدة والأردن ومصر، تأمل في أن تؤدي إلى استفادة الدول الثلاث من تعاون اقتصادي مُركّز بشكل كبير. منذ العام 2019 وقّعت كلٌّ من عمّان والقاهرة عدداً من مذكرات التفاهم مع بغداد تُغطّي مُختلف المجالات الاقتصادية والتنموية. في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، اعتاد العراق أن يكون سوق التصدير الرئيسة للأردن فيما كانت عمّان تتلقّى النفط العراقي الرخيص. وخلال تلك الفترة وحتى غزو العراق للكويت، عمل ملايين المصريين في العراق خصوصاً في القطاع الزراعي.

لكن الدول الثلاث تسعى الآن إلى رفع مستوى تعاونها الاقتصادي. يريد الأردن أن يرى خط أنابيب نفط عراقي يربط البصرة بالعقبة، وهو مشروعٌ قديم، تم تنفيذه أخيراً. كما يَوَدُّ إطلاق مدينة صناعية مشتركة على الحدود الأردنية-العراقية مع إعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة.

بالنسبة إلى مصر، فإن ربط شبكتها الكهربائية بالأردن والعراق يمكن أن يخفف من النقص المزمن للكهرباء في بغداد، بينما تأمل القاهرة في لعب دور رئيس في مشاريع إعادة الإعمار في جميع أنحاء العراق.

من الناحية السياسية، يقف الزعماء الثلاثة على الصفحة عينها بالنسبة إلى مركزية القضية الفلسطينية وضرورة حلّها ودور الأردن الخاص في القدس الشرقية. كما يدعمون التسوية السياسية للأزمات اليمنية والليبية والسورية. إن رؤية الكاظمي لـ”مشرقٍ جديد” سوف تتعزّز أكثر إذا تمكّنت سوريا ذات يوم من الإنضمام إلى هذا التحالف.

هناك تحدياتٌ مُشتركة فورية يمكن للدول الثلاث أن تعمل على مواجهتها؛ وبالتحديد جائحة فيروس كورونا والإرهاب. لكن هناك أيضاً عدداً من التحدّيات الفردية التي يتعيّن على كلِّ دولةٍ التعامل معها بشكل مُنفَصِل. بالنسبة إلى القاهرة، فإن الأزمة الحالية مع أديس أبابا بشأن الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي الكبير في الشهر المقبل في ظل عدم وجود اتفاق تُمثّل تهديداً وجودياً كبيراً. تدعم عمّان وبغداد موقف القاهرة، ولكن أبعد من الدعم السياسي، يجب حل القضية من قبل مصر والسودان بما في ذلك احتمال التدخّل العسكري. مصر أيضاً معنية بنتائج العملية السياسية في ليبيا المجاورة.

بالنسبة إلى الأردن، تظل القضية الفلسطينية مركزية في سياسته الخارجية، بينما تتعامل عمّان مع أزمةٍ اقتصادية غير مسبوقة حيث تُطلق عمليةً تشتدّ الحاجة إليها لتحقيق إصلاحات سياسية. يواجه الأردن أيضاً أزمة نقص المياه.

بالنسبة إلى العراق، فإن تحقيق المصالحة الداخلية وحماية البلاد من امتداد المواجهة الأميركية-الإيرانية هو هدفٌ رئيس. إن إجراء الانتخابات التشريعية في تشرين الأول (أكتوبر) سيُمثّل خطوةً مهمة نحو تلبية مطالب الناس للقضاء على الفساد، وتحسين سجلّات حقوق الإنسان، وتعزيز مستوى الخدمات العامة وكذلك خلق فرص العمل.

كلٌّ من هذه البلدان الثلاثة لديه تحدياته الخاصة للتعامل معها. سيتم اختبار التحالف، تماماً كما تم اختبار مجلس التعاون العربي، الذي كانت الدول الثلاث أعضاءً فيه، في العام 1990 حيث انهار نتيجة غزو العراق للكويت. لكن هذه المرة تبدو حاجة الدول الثلاث إلى بعضها البعض في منطقة سريعة التغيّر أكبر وأشد إلحاحاً من أي وقت والتوقعات أعلى من أي زمن.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى