الخَصخَصة في الخليج: مِفتاحُ التَعافي والتَنويع

أعلنت السعودية أخيراً عن قانونٍ جديدٍ لتعزيز الخصخصة، حيث باتت المملكة تنظَر إلى القطاع الخاص على أنه مِفتاحٌ لخطط النمو بعد فيروس كورونا. كما تتطلّع دولٌ خليجية مُختلفة لبيعِ أصولٍ مملوكة للدولة بعدما صارت تعتبر أن زيادة الخصخصة أمرٌ ضروري لجهود التنويع.

الوزير محمد الجدعان: تتوقع السعودية جمع 38 مليار دولار من خلال مبيعات الأصول

راغب الشيباني*

مع إعلان المملكة العربية السعودية عن خططٍ لجمع 55 مليار دولار من خلال برنامج الخصخصة، تُكثِّفُ دولُ الخليج الأخرى بالمثل جهودها لتحفيز الاستثمار الخاص في الأصول والمشاريع العامة، بهدف تعزيز المالية العامة للدولة، وتحفيز التنويع ودفع عملية التعافي من كوفيد-19.

في آذار (مارس) من هذا العام، وافق مجلس الوزراء السعودي على قانون مشاركة القطاع الخاص الذي طال انتظاره، والذي يهدف إلى زيادة خصخصة أصول القطاع العام ومشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية.

سيدخل القانون حيّز التنفيذ في تموز (يوليو) المقبل. ويستهدف 16 قطاعاً، وسيعمل على تعزيز أحد الأهداف الأساسية لخطة التنمية الاقتصادية ل”رؤية المملكة 2030″، وهو زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40٪ إلى 65٪.

يُعالِجُ القانون الجديد مُختَلَف المجالات التي كانت تُولّد تقليدياً درجة من الذعر والتردّد بين المُستثمرين المُحتَملين، ولا سيما الكيانات الأجنبية.

على سبيل المثال، من بين المبادئ التي يُكرّسها القانون مبدأ تكافؤ الفرص بين المستثمرين الأجانب والوطنيين؛ وحرية كيانات القطاع الخاص في تحصيل الإيرادات؛ وعملية أكثر بساطة للحصول على التصاريح والموافقات. كما يستثني القانون مشاريع التخصيص من استيفاء حصص السَعوَدَة.

يُمكن قراءة هذا الاستعداد للتعامل مع مخاوف المستثمرين الأجانب على أنه انعكاسٌ لبانوراما ما بعد كوفيد -19، حيث تكون دول الخليج في وضع مُقيّد أكثر من الناحية المالية، وبالتالي من المحتمل أن تكون أكثر تصالحية مما كانت عليه في الماضي.

بالتزامن مع الموافقة على القانون، أعلن المركز الوطني للتخصيص السعودي -الذي تأسس في العام 2017- عن إطلاق سجل مشاريع التخصيص، وهو قاعدة بيانات مركزية للمعلومات المتعلقة بالمشاريع المستهدفة للخصخصة.

وهناك آمال كبيرة في أن القانون الجديد سيوفر دفعة كبيرة للخصخصة. في نهاية أيار (مايو) الفائت، قال وزير المالية محمد الجدعان لصحيفة فايننشال تايمز إن المملكة العربية السعودية تتوقع جمع 38 مليار دولار من خلال مبيعات الأصول و 16.5 مليار دولار أخرى من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص بحلول العام 2025.

تسارُعٌ على مستوى الخليج

تُعَدّ الحكومة السعودية من بين الحكومات في المنطقة التي تعمل على توسيع استراتيجيات الخصخصة الخاصة بها.

كما استنتجت “أسواق العرب” بأن أزمة كوفيد-19 دفعت العديد من دول الخليج إلى تسريع محاولاتها المستمرة للتنويع، مع زيادة مشاركة القطاع الخاص كعنصر أساس في العديد من هذه المشاريع.

في سلطنة عُمان، على سبيل المثال، ذكرت وسائل الإعلام المحلية أخيراً أن الحكومة كانت تبحث في بيع حصتها البالغة 54٪ في شركة إسمنت عُمان.

تمتعت السلطنة بسجل حافل، قبل انتشار فيروس كورونا، في مناصرة وتشجيع الخصخصة. كان أول بيع رئيس لها هو حصة 49٪ في شركة العُمانية لنقل الكهرباء إلى مؤسسة الشبكة الحكومية الصينية، في نهاية العام 2019.

في ملاحظة ذات صلة، أُفيدَ أخيراً أن أبو ظبي تُفكّر في بيع حصة تبلغ 10٪ بقيمة 4 مليارات دولار في شركة أبوظبي الوطنية للطاقة، المعروفة ب”طاقة”، وهي أكبر مرفق في الإمارة.

يُعتقد أن تحوّل “طاقة” المستمر نحو الطاقة المُتجدّدة -فهي تخطط لزيادة مساهمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 30٪ من الإنتاج خلال العقد المقبل- يمكن أن يعزز جاذبيتها للمستثمرين الدوليين.

في العام الفائت، أعلنت الشركة أنه سيتم السماح للمستثمرين الأجانب، الذين تم حظرهم في السابق، بشراء أسهم في المبيعات المستقبلية.

إن أي بيعٍ مُحتَمل لأصول الشركة سيُمثّل الخطوة الأخيرة في حملة الخصخصة المستمرة من قبل الإمارة، والتي جذبت في السنوات الأخيرة أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في عمليات شركة النفط المملوكة للدولة “أدنوك”.

وفي الوقت نفسه، عقدت البحرين في آذار (مارس) لقاء “استشارات سوق مترو البحرين”، وهي مبادرة تهدف إلى إيجاد شركات خاصة يمكن معها تكوين شراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير نظام المترو الخاص بها. ومن المتوقع طرح العطاءات الدولية الخاصة بالمشروع في وقت لاحق من هذا العام. وتشير التقديرات إلى أن المشروع سيكلف أكثر من مليار دولار، وربما يصل إلى ملياري دولار.

الواقع أن البحرين كانت دائماً رائدة في المنطقة في جذب استثمارات القطاع الخاص. على سبيل المثال، احتلت المملكة الخليجية الصغيرة المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد الإمارات العربية المتحدة في أحدث مؤشر لسهولة ممارسة الأعمال من البنك الدولي، والمرتبة 43 بشكل عام.

في الوقت الذي تسعى الحكومات الخليجية إلى تعزيز مرونة اقتصاداتها ومواردها المالية العامة في أعقاب الوباء، هناك أسبابٌ ملموسة للتوقّع بأن تلعب الخصخصة دوراً مهماً في استراتيجيات التعافي الفوري من كوفيد-19 وفي جهود تنويعها في المدى الطويل.

  • راغب الشيباني هو مراسل “أسواق العرب” في المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى