لماذا على أميركا مُساعدَة ودَعم الجَيش اللبناني

مايكل يونغ*

في أواخر أيار (مايو) الفائت، إستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون في باريس. الطبيعة الفريدة للاجتماع –حيث لا يستقبل الرؤساء عادة قادة الجيوش من الدول الصغيرة- أكّدت على الأهمية التي تُوليها فرنسا للقوات المسلحة اللبنانية كعامل استقرار في وقتٍ ينهار لبنان إقتصادياً واجتماعياً.

يبدو أن هناك إجماعاً بين الحكومات الأجنبية على أنه يجب عدم السماح للجيش بالإنقسام والتشرذم بسبب إفلاس الدولة اللبنانية. في الواقع، تم تحديد موعد مؤتمر دولي في باريس في 17 حزيران (يونيو) لدعم المؤسسة العسكرية. إن رواتب الجنود الآن لا تساوي شيئاً تقريباً لأن الليرة اللبنانية فقدت حوالي 93 في المئة من قيمتها. في آذار (مارس) الفائت، ألقى العماد عون كلمة ملحوظة قال فيها: “الناس جائعون، والناس فقراء، والعسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب”.

في الخطاب نفسه، سأل القائد علناً الطبقة السياسية التي ما زالت عاجزة عن تشكيل حكومة: “إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، حذّرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع، وإمكان انفجاره”. وقد سلطت تلك التصريحات الضوء على جانب آخر من جوانب العماد عون، وهو المسؤول الاجتماعي، وهي صورة سعى القائد بلا شك إلى إبرازها، نظراً إلى أنه يظل المرشح الأول لرئاسة الجمهورية في لبنان.

الإجماع في السفارات الأجنبية في بيروت، ولا سيما سفارة الولايات المتحدة، هو أن تعزيز الجيش يُمثّل أولوية، لأنه يظل المؤسسة الوطنية الوحيدة مُتعدِّدة الطوائف التي تستمر في العمل بكفاءة نسبية. ويذهب التفكير إلى أنه إذا تفكّك الجيش، فلن يكون لذلك تأثيرٌ مُدمِّرٌ على الأمن والاستقرار فحسب، بل على فكرة إعادة بناء دولة متماسكة. إذا تفاقمت الكارثة الاقتصادية، يُمكن للجماعات الحزبية أن تبدأ في حماية مناطق تمركزها، وربما حتى تشكيل ميليشيات بدائية للقيام بذلك.

الولايات المتحدة هي داعمٌ رئيس للجيش اللبناني، على الرغم من وجود جزء من الجناح اليميني في واشنطن يرغب في إنهاء كل التمويل الأميركي للمؤسسة. في حزيران (يونيو) 2020، أوصت لجنة الدراسات في الحزب لجمهوري في الكونغرس، وهي كتلة محافظة في مجلس النواب، بذلك بالضبط. في تقرير صدر في ذلك الوقت، أكدت هذه اللجنة أنه بما أن الجيش لم يتحرّك ضد “حزب الله”، يجب على واشنطن وقف المساعدة الأمنية.

من المُحتَمَل أن يكون قسم التقرير الخاص بلبنان قد كتبه موظفون في مراكز أبحاثٍ يمينية في واشنطن لها تأثير في سياسة الشرق الأوسط. تكمن المشكلة في عدم وجود أي تقييم جدّي في الوثيقة لما يُمكِن أن يحدث إذا تم إيقاف التمويل، أو إذا تم تنفيذ أحد مقترحات اللجنة الأخرى الذي يقول أن على الولايات المتحدة أن تُمرّر تشريعاً يُحظّر أن تذهب أموال دافعي الضرائب إلى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان.

ومع ذلك، من وجهة نظر السفارات الأجنبية، فإن الإجابات كلها واضحة للغاية. هناك إجماعٌ قويٌّ على أن انهيار لبنان لن يفيد إلّا “حزب الله”، الذي يملك وحده الوسائل للتغلّب على الأزمة التي يمر بها البلد اليوم. يُرحّب الحزب بإضعاف الجيش، الذي اعتبره دائماً مُنافِساً مُحتَمَلاً، حتى لو كان له تأثيرٌ ونفوذ في المؤسسة العسكرية.

يُدرِكُ “حزب الله” أيضاً أنه طالما بقي الجيش مؤسّسة فاعلة، فإن شرعية الحزب “كمقاومة وطنية” ستكون موضع تساؤل. يصرّ الكثيرون من اللبنانيين على أن القوات المسلحة، وليس الحزب، يجب أن تكون المدافع الوحيد عن البلاد. حتى خلال الحرب الأهلية، ظلّ الجيش يحظى بشعبية باعتباره من بقايا الدولة الغائبة التي كانت ضد حكم الميليشيات، لدرجة أن قائد الجيش اللبناني السابق ورئيس الجمهورية الحالي ميشال عون بنى سمعته لأول مرة على هذا التَوق.

بالنسبة إلى أولئك الذين يُجادلون، بشكلٍ مُبسّط، بأن النوايا الحسنة للجيش لا يمكن إثباتها إلا إذا عارض وواجه “حزب الله”، فإن ما يطلبونه هو مخاطرة المؤسسة العسكرية بحربٍ أهلية وانقساماتٍ داخل صفوفها لتستحق الدعم الخارجي. ومع ذلك، فإن الجيش هو مرآة للمجتمع اللبناني، بولاءاته الطائفية المتنوعة وميله لقبول التنازلات لتجنّب النتائج الخطيرة. إن دفعه لاتخاذ إجراءات لا تؤدي إلّا إلى زيادة تناقضاته سيكون تصرّفاً غير مسؤول.

لكن فاعلية القوات المسلحة وجاذبيتها الواسعة ليست موضع شك. وكما لاحظت “دانا سترول”، نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، أخيراً بعد مناورة مشتركة بين القوات الأميركية واللبنانية، فإن واشنطن “مهتمة بتطوير شراكة طويلة الأمد مع مؤسسة تمثيلية وطنية لتوفير بديل من “حزب الله””.

تثير هذه اللغة حفيظة المُتشَدّدين الأميركيين، لأنهم يجادلون بأنه بعيداً من توفير بديل من “حزب الله”، فإن الجيش يتواطأ معه. بالتأكيد، فقد نسّق مع الحزب في قضايا عدة، وهو أمرٌ حتمي في بلدٍ مُتعدّد الطوائف مثل لبنان. ومع ذلك، فإن ما يرفض النقاد فهمه هو أنه طالما بقي الجيش صامداً في مكانه، فسيُنظَر إليه بالفعل على أنه بديلٌ عليه إجماع وأكثر توافقية من “حزب الله”، وإن كان الحزب الموالي لإيران سيبذل قصارى جهده لتحييده وإضعافه.

في الوقت الحالي، أولئك الذين يطالبون بوقف المساعدة للجيش اللبناني هم على الهامش. مَن يعرف لبنان يُدرك أن الإسراع بزوال القوات المسلحة سيكون حماقة عندما يدخل البلد في فراغٍ مُدمّر قد تكون له تداعيات إقليمية، ولن يؤدي إلّا إلى تقوية “حزب الله”. لحسن الحظ حتى الآن، لا تزال الحكومات الغربية تثق بسفاراتها أكثر من ثقتها بمؤسسات الفكر والرأي والأبحاث الإيديولوجية.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى