لماذا لا يُمكن حالياً إجراء حوارٍ أمني إقليمي في الشرق الأوسط؟

غالبية الدول في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها الخصمان الرئيسان السعودية وإيران، أيّدت علناً مفهوم الحوار الأمني ​​الإقليمي. النبأ السيئ هو أنه لا تزال هناك عقبات كبيرة، بعضُها قديم وبعضُها جديد.

محمد جواد ظريف: “جيراننا الأعزاء، الفرصة مُتاحة لنا لإعادة التفكير في مسألة الأمن الإقليمي”.

بلال صعب*

من السهل معرفة سبب وجود جاذبية دائمة لحوارٍ أمني إقليمي في الشرق الأوسط. تواجه دول المنطقة تحدّيات مُشترَكة لا حدود لها –بما فيها الإرهاب والتمرّد والسلامة البيئية وسباق التسلّح والأمن السيبراني والقرصنة البحرية وانتشار أسلحة الدمار الشامل– والتي يُمكن التعامل معها بشكل أكثر فعالية من خلال تدابير مُتعدّدة الأطراف.

مثل هذا الإطار الإقليمي مُهمٌّ للغاية الآن لأنه يُمكن أن يُسهّل أو يُفسِدَ أيّ اتفاق تُبرمه إدارة بايدن مع إيران للحدّ من برنامجها النووي. في الواقع، حتى الاتفاق النووي الأكثر منطقية بين الولايات المتحدة وإيران ستكون لديه فرصة ضئيلة لتهدئة المنطقة والحصول على القبول من قبل شركاء واشنطن الإقليميين إذا لم يقترن بمحادثات أمنية شاملة تتناول، من بين أمور أخرى، الصواريخ الباليستية الإيرانية وشبكات التهديد بالوكالة (الميليشيات في العراق، لبنان، سوريا واليمن). بطبيعة الحال، تتطلّب مثل هذه المحادثات مُنتدى إقليمياً تُشارك فيه بشكل مثالي جميع القوى الإقليمية الرئيسة.

النبأ السار هو أن غالبية الدول في المنطقة، بما فيها الخصمان الرئيسان السعودية وإيران، أيّدت علناً مفهوم الحوار الأمني ​​الإقليمي. النبأ السيئ هو أنه لا تزال هناك عقبات كبيرة، بعضُها قديم وبعضُها جديد.

إهتمام واسع

أعرب السعوديون والإيرانيون والأميركيون والروس عن اهتمامهم في مراحل متعددة بإجراء حوارٍ أمني إقليمي.

أحدثُ لغةٍ واعدة جاءت من المملكة العربية السعودية. صرح السفير رائد قرملي، رئيس التخطيط السياسي في وزارة الخارجية السعودية، في 14 نيسان (إبريل) أنه “يمكننا أن نبدأ بصفقة نووية وننتقل بعدها إلى صيغة أخرى تناقش كل هذه القضايا بطريقة إيجابية … ونبدأ بتدابير بناء الثقة”.

جاء بيان قرملي بعد أيام من صدور تقرير يشير إلى أن السعوديين والإيرانيين يجرون محادثات على مستوى منخفض بشأن اليمن ولبنان في بغداد منذ 9 نيسان (إبريل)، على الرغم من أن أياً من الجانبين لم يؤكد المحادثات الثنائية، ونفى مسؤول سعودي كبير حتى حدوثها.

كانت إيران حريصة على عقد وإجراء حوار أمني إقليمي منذ أن رفضت واشنطن دعوتها إلى مُحادثاتٍ مُتعدّدة الأطراف بدأت في العام 1991 كجزءٍ من عملية السلام في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة في مدريد (على الرغم من أن هذه لم تُحقّق الكثير وماتت بعد أربع سنوات لأن مصر وإسرائيل لم تستطعا الاتفاق على تسلسل نزع السلاح النووي وقضايا الحدّ من التسلح).

في 16 آذار (مارس) الفائت، شدّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على أن بلاده “مُستعدّة لإجراء مُحادثات مع جميع الجيران”، مُشدّداً على مزايا مبادرة اقترحها في أيلول (سبتمبر) 2019 خلال جلسة خاصة في مجلس الأمن الدولي تُسمى “مبادرة سلام هرمز”، أو “الأمل”. والأمر الأكثر إثارة للفضول هو أن هذه المبادرة تدعو إلى اتفاقية عدم اعتداء وعدم تدخل مشابهة لتلك الموجودة في مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا. في وقت سابق من هذا العام، غرّد ظريف قائلاً: “جيراننا الأعزاء، الفرصة مُتاحة لنا لإعادة التفكير في مسألة الأمن الإقليمي”.

قال الرئيس جو بايدن إنه يعتزم الدخول في مفاوضات لاحقة مع إيران للتوصّل إلى صفقةٍ “أطول وأقوى” من شأنها معالجة المخاوف الأمنية لشركاء أميركا الإقليميين. وصرح وزير الخارجية أنتوني بلينكين في جلسة تأكيده في كانون الثاني (يناير) 2021 أنه “من المهم للغاية أن ننخرط في الإقلاع ، وليس الهبوط ، مع حلفائنا وشركائنا في المنطقة ، لتشمل إسرائيل وتضم دول الخليج”.

كما قدّم الروس من جهتهم خطابات بناءة، واقترحوا إقامة حوار بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. ولدى سؤاله عن ذلك في مؤتمر ميونيخ للأمن في العام 2018، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “لقد ناقشنا ذلك منذ 15 عاماً على الأقل. وأكدنا على أهمية النظر في هذه المبادرة في كل اجتماع وزاري مع زملائنا في دول مجلس التعاون الخليجي”.

ثم في 31 آذار (مارس) 2021 خلال “نادي فالداي للمناقشة” (Valdai Discussion Club)، أعاد لافروف التأكيد على اهتمام روسيا بإنشاء منتدى الشرق الأوسط على غرار مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، قائلاً: “تتضمّن مقترحاتنا الجانب العسكري-السياسي، مثل إجراءات بناء الثقة، وشفافية الموازنة العسكرية، والدعوات المُتبادلة للتدريبات العسكرية والمناورات المشتركة. وهناك بُعدٌ سياسي أيضاً يشمل إعادة العلاقات الديبلوماسية بين جميع الدول. يجب إلغاء حظر الإتصالات الإقتصادية. إن هذا يُمثّل نهجاً متكاملاً”.

ومع ذلك، وبقدر ما تبدو هذه التصريحات من الرياض وطهران وواشنطن وموسكو مُشجّعة، لم يتم اتخاذ أي إجراءات ملموسة، ولا يُتَوَقَّع اتخاذ أيّ منها في أيّ وقتٍ قريب، بسبب الخلافات الأساسية بين ثلاثة على الأقل من هذه الأطراف الرئيسة.

التفضيلات الإيرانية

على الرغم من أن الإيرانيين قد دافعوا عن الشمولية في حوار أمني إقليمي، بالإضافة إلى إسرائيل، إلّا أن جانباً واحداً يرغبون في استبعاده هو الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة. أكد ظريف في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2020 أنه “لن تكون هناك أيّ محادثات حول منطقتنا مع [الأميركيين والأوروبيين] لأنهم هم المشكلة”.

حتى أن طهران ربطت أيّ تنازلات قد تُقدّمها في ما يتعلق ببرنامجها الصاروخي ووكلائها الإقليميين بالانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة، وهو أمرٌ بالتأكيد لن يقبله أي رئيس أميركي بغض النظر عن تحوّل اهتمام الولايات المتحدة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

هذه التفضيلات غير الواقعية، إن لم تكن الشروط، لإيران ليست غير منطقية ولا مفاجئة. بغض النظر عن مدى صدق طهران في اتفاق عدم اعتداء وعدم تدخل مع السعوديين وغيرهم في المنطقة، فإن الرياض ليست الطرف الذي يريد الإيرانيون حقاً انتزاع التنازلات منه. القلق الأول للإيرانيين كان ولا يزال القوة العسكرية الأميركية في المنطقة، تليها إسرائيل، وليس قدرات السعوديين، أو الإماراتيين في هذا الشأن. إن وجود أميركا، أكثر من أي شيء آخر، يريدون تقليصه، وبشكلٍ مثالي إزالته من المنطقة.

لذا، في حين أنه قد يكون من المفيد لطهران أن يكون لديها اتفاق حسن جوار مع الرياض لأغراضٍ ديبلوماسية عامة وتلميع سمعتها، فمن الناحية العملية، مثل هذا الاتفاق هو أقل أهمية ولن يساعدها على تحقيق أهدافها الأمنية الأكثر أهمية.

ومع ذلك، هناك شيءٌ واحدٌ يريده الإيرانيون من السعوديين وعرب الخليج: المال. تودّ طهران حشد مساعدة الرياض وأبو ظبي لتخفيف أو إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية ضدها إما من خلال الضغط في واشنطن أو من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي.

لكن صفقة المال مقابل الصواريخ هذه ليست أساساً جيداً لحوارٍ أمنيٍّ مُثمر. في غياب التناسق في القضايا ومستوى مُعَيَّن من الضعف المتبادل، من الصعب أن نرى كيف سيذهب الإيرانيون والسعوديون بعيداً في مفاوضاتهم ويقدمون تنازلات متبادلة.

مخاوف سعودية

لهذه الأسباب، فإن السعودية لديها مخاوف كبيرة بشأن إجراء حوار أمني إقليمي أو ثنائي مع إيران. فهي ببساطة لا تثق في نوايا إيران نظراً إلى السلوك العدواني للأخيرة في جميع أنحاء المنطقة.

لهذا السبب عندما سُئل في شباط (فبراير) 2020 عمّا إذا كانت المملكة العربية السعودية ستدخل في محادثاتٍ لحلِّ خلافاتها مع عدوّها الإيراني، قدم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الإجابة عينها مثل جميع أسلافه: “رسالتنا لإيران هي تغيير سلوكها أولاً قبل مناقشة أي شيء آخر … حتى نتمكن من التحدث عن المصادر الحقيقية لعدم الاستقرار هذا، وإلّا سيكون االحديث غير مثمر”.

من ناحية، لا يمكنك لوم السعوديين على عدم رغبتهم في التحدث مع الإيرانيين بينما يقوم الحوثيون بإلقاء صواريخ قاتلة على مدنهم ومطاراتهم. ومن ناحية أخرى، فإن بيت القصيد من الحوار هو محاولة إيجاد حلول للمشاكل وإدارة الخلافات حيثما أمكن ذلك.

لكن السعوديين غير راغبين في رفع إصبعهم ليس فقط لأنهم لا يؤمنون بأن النظام الراديكالي في طهران سوف يُغيّر أساليبه، ولكن أيضاً لأنهم لا يثقون كثيراً في أن الأميركيين سيقفون إلى جانبهم في أثناء وبعد المفاوضات ويقدمون لهم التزاماً أمنياً جاداً. آخر شيء سيفعله السعوديون هو الدخول في محادثات مع الإيرانيين بيدٍ أكثر ضعفاً للتفاوض.

بصرف النظر عن مخاوف الرياض بشأن الطمأنينة الأمنية الأميركية وإعادة تأكيدها، فإن السعوديين ليسوا متأكدين تماماً من قدرتهم على التفاوض بفعالية مع الديبلوماسيين الإيرانيين والمُتخصصين الفنيين الأكثر خبرة. هذا لا يتعلق فقط بالنفوذ الاستراتيجي. يتعلق الأمر أيضاً بالخبرة في المفاوضات والمعرفة المتخصّصة بالقضايا المعقدة، بما فيها الحد من المخاطر، والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، ونطاقات الأسلحة والحمولات، وآليات التحقق التي يفتقر إليها السعوديون.

لقد راكم الإيرانيون سنوات من الخبرة الديبلوماسية جزئياً من خلال التفاوض مع الأميركيين والقوى الكبرى الأخرى وتعلّموا كيفية تحقيق ما يريدون. إذا تم إطلاق المحادثات الإقليمية من دون مشاركة أميركية ذات مغزى، فستكون للإيرانيين اليد العليا على طاولة المفاوضات.

الشراكة الخليجية-الإسرائيلية

الأمر الذي يزيد من تعقيد إمكانية الحوار الأمني الإقليمي ازدهار العلاقة بين الإسرائيليين وعرب الخليج.

هناك الكثير من الخير في “اتفاقات إبراهيم”، صفقات التطبيع الأخيرة التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل –وقد تنضم المملكة العربية السعودية يوماً ما بعد رحيل الملك سلمان (85 عاماً) وتولّي نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان السلطة. وبالفعل، ينبغي الترحيب بأي انفراج تاريخي في العلاقات العربية-الإسرائيلية من شأنه أن يفتح الباب أمام تعاون أمني واقتصادي أقوى بين الجانبين.

أيضاً، من الجيد أن يكون لديك صديق إسرائيلي قوي إلى جانبك وفي ركنك.

ومع ذلك، فإن إقامة صداقة مع دولة قوية، والتي تتعمّق مخاوفها بشأن الثيوقراطية الإيرانية أكثر من أي دولة أُخرى نظراً إلى التزام الملالي المُعلن بتدمير الدولة اليهودية، يضع عرب الخليج في موقف محرج وربما خطير.

علاوة على ذلك، لا مصلحة لإسرائيل إطلاقا في الجلوس على الطاولة والتحدّث مع الإيرانيين عن أي شيء. الأمر نفسه ينطبق على الإيرانيين الذين لا يعترفون حتى بالإسرائيليين.

إذا تصاعد الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران -وهو أمرٌ مُرجّح نظراً إلى المواجهات الأخيرة في البر والبحر- فسوف يطارد الإيرانيون أولاً عرب الخليج الأضعف، وليس إسرائيل. هذا بالضبط ما فعلوه في أيلول (سبتمبر) 2019 عندما ضربوا البنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية بالصواريخ والطائرات المٌسيَّرة، على الرغم من أن الهجوم في ذلك الوقت كان رداً على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب.

آفاقٌ قاتمة

وبقدر ما يبدو الحوار الأمني ​​الإقليمي حرجاً ومُلحّاً، فمن المحتمل ألّا يحدث في أي وقت قريب لأن أولئك الذين يدعون إليه بشدة -الإيرانيون- يريدون ذلك لجميع الأسباب الخاطئة؛ أولئك الذين قد يستفيدون منه أكثر من غيرهم -السعوديون- مُتردّدون بشدّة في المشاركة. أولئك الذين يلعبون دوراً فعّالاً -الأميركيون- مشغولون بأولويات أخرى وغير واضحين بشأن مستوى التزامهم تجاه أصدقائهم الإقليميين؛ وأولئك الذين لم يكن لديهم تاريخياً صبر كبير على المنتديات متعددة الأطراف -الإسرائيليون- سيستمرون في الاعتماد على الدفاع عن النفس ولعب دور المُفسد.

كيف يمكن حلّ كل هذا مع استمرار الأميركيين والإيرانيين في التفاوض بشأن القضايا النووية في فيينا (وإن كان ذلك بشكل غير مباشر في الوقت الحالي) يبدو غير واضح إلى حدٍّ كبير. إذا وعندما تتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق، سيُدرك الجانب الأميركي أنه مهما كانت الوعود التي قطعوها لأصدقائهم الإقليميين في ما يتعلق بمعالجة مخاوفهم الأمنية، فسيكون الوفاء بها أكثر صعوبة.

  • بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ومستشار أول سابق لشؤون الشرق الأوسط في البنتاغون. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى