جبران باسيل صار وحيداً؟
مايكل يونغ*
هناك عقباتٌ عدة مستمرة أمام عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، لكن من أهمها الطموح الرئاسي لجبران باسيل، رئيس حزب “التيار الوطني الحر”. يعتقد باسيل أنه إذا فشل في الحصول على عددٍ كافٍ من الوزراء في الحكومة الجديدة وسمح لخصومه السياسيين بالسيطرة عليها، فقد لا يرى الرئاسة أبداً.
السؤال هو ما إذا كان بإمكان باسيل بشكلٍ واقعي أن يتوقّع أن يُصبِحَ رئيساً على الإطلاق في الانتخابات المقبلة، التي من المتوقّع أن تجري في تشرين الأول (أكتوبر) 2022. هناك طريقتان فقط يمكن أن يأملهما لخلافة الرئيس الحالي، عمّه، ميشال عون. إما أن يفوز بغالبية الأصوات في البرلمان، أو سيحتاج إلى “حزب الله” كي يفرضه على الطبقة السياسية، كما فعل مع عون في العام 2016.
لا يبدو أيٌّ من البديلين واقعياً في الوقت الحاضر. باسيل بعيدٌ كل البعد من أن يحظى بدعم الغالبية في البرلمان، بعدما أبعد شريحة واسعة من الطبقة السياسية عنه. أما بالنسبة إلى “حزب الله”، في حين أنه كان على استعداد لعرقلة الحياة السياسية لمدة عامين لإيصال عون إلى الرئاسة، فإنه لا يبدو أنه مستعدٌ لعمل ذلك من أجل باسيل الذي لا يتمتّع بالدعم عينه. علاوة على ذلك، مع انهيار لبنان مالياً، سيُخاطر “حزب الله” بشكل كبير بمحاولة ذلك مرة أخرى.
لم يساعد وضع باسيل فرض الولايات المتحدة عقوبات عليه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 بسبب فساده المزعوم. في الأسبوع الفائت، تم توضيح تأثير ذلك له عندما قام مسؤول أميركي كبير، وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل، بزيارة بيروت وقابل الجميع تقريباً باستثناء باسيل.
قبل ذلك، تلقّى صهر الرئيس صفعةً أخرى، عندما أُلغيت دعوته إلى فرنسا للمساعدة على حلّ مأزق تشكيل الحكومة لأن رئيس الوزراء المُكلَّف، سعد الحريري، رفض مقابلته هناك. كان باسيل يأمل في أن يؤدي لقاؤه مع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى مساعدته على حلّ مشكلة العقوبات. بدلاً من ذلك، مع عدم وجود حكومة في الأفق، قد تُعاقبه فرنسا قريباً أيضاً بسبب إعاقته في تشكيلها.
قد لا تُزعج العقوبات الدولية على باسيل “حزب الله”، لأنها ستجعله أكثر اعتماداً على الحزب، ولكنها أيضاً تجعله أقل قبولاً كمرشح رئاسي محلياً ودولياً. يعرف باسيل جيداً أنه بدون موافقة أميركية وعربية ودولية، فإن فُرَصه في إنجاز أي شيء إذا تولى الرئاسة ستكون معدومة.
إذن ما هي حساباته وهو يواصل تأجيل تأليف حكومة جديدة؟ يعتقد باسيل، ربما عن حق، أنه ما لم تكن لديه الحرية لعرقلة قرارات الحكومة وحتى إسقاطها، فإن الغالبية ستُحاول تهميش المُعَيَّنين من وزرائه. ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن جهوده وجهود الرئيس عون للسيطرة على ثلث الوزراء (الثلث المُعطّل)، والذي من شأنه أن يمنحه مثل هذا النفوذ، مرفوضة من قبل جميع القوى السياسية الأخرى المتوقّع أن تُشارك في الحكومة.
والأكثر إثارة للإهتمام، أن ألدّ منافسٍ لباسيل، رئيس مجلس النواب نبيه بري، يبدو أنه اكتسب بعض النفوذ على “حزب الله” أخيراً. بعد أن نصح الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، الحريري قبل أسابيع قليلة بتشكيل حكومة من “متخصّصين” وشخصيات سياسية، أصدر بري وحركة “أمل” التابعة له بياناً قال عكس ذلك: يجب أن تتكوّن الحكومة فقط من مُتخصّصين، بما يتماشى مع نوايا الحريري الأوّلية.
كانت هناك رسالة مثيرة للاهتمام في هذا الخلاف العام. لقد تضرر أنصار بري في الطائفة الشيعية بشدة من الأزمة الاقتصادية، حيث يعمل الكثير منهم في القطاع العام. وتصاعدت التوترات بينهم وبين “حزب الله”، الذي يكسب الكثيرون من أنصاره بالدولار أو لديهم أقارب يكسبون بالعملة الأميركية. لتجنّب الصراع، منح “حزب الله” الرئيس بري بعض الفسحة، التي استخدمها لتقويض باسيل، الذي يفضل أيضاً حكومة سياسية مُطعَّمة باختصاصيين.
مع صعود بري المؤثّر ينكشف باسيل. علاوة على ذلك، فإن آفاقه الرئاسية مرتبطة أيضاً بحسابات سوريا. من المرجح أن الرئيس بشار الأسد يُفضّل كثيراً النائب والوزير السابق سليمان فرنجية لخلافة عون بدلاً من باسيل. والسبب هو أنه في الوقت الذي تبدو الدول العربية حريصة على تطبيع العلاقات مع دمشق، فإن الأسد سيُرحّب بحليفٍ وثيق في بيروت يُمكنه المساعدة على تعزيز موقفه، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.
لا يُمكن ل”حزب الله” ولا إيران تجاهل رغبات الأسد، خصوصاً وأن كلاهما له مصلحة في تعزيز نظامه غير المستقر. وهذا يجعل نهج باسيل المُتمثّل في إثارة سخط الجميع وإعاقة تشكيل حكومة في وقت الطوارئ الوطنية قصير النظر. ربما لم يكن أكثر فساداً من نظرائه، ولكن ما لم ينخرط في تغييرٍ عكسي تكتيكي كبير لمحاولة بناء تحالفات مواتية لنفسه، فمن المرجح أن يظل غير قابل للانتخاب والوصول إلى الرئاسة.
في غضون ذلك، يقترب اللبنانيون من النقطة التي سيتم فيها رفع الدعم لتضاؤل احتياطات العملات الأجنبية. هذا يعني أنهم ربما لن يعودوا قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كاف في الأشهر المقبلة مع ارتفاع الأسعار. إن المشاحنات التي يتشاجر فيها باسيل وغيره من السياسيين في مثل هذا الوقت ليس أمراً مُشيناً فحسب، بل إنه عملٌ إجرامي أيضاً. باسيل يأخذ البلاد رهينة من أجل أملٍ قد لا يتحقّق.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.