الإرادةُ السياسيّة مَطلوبة لنجاحِ اللجنةِ المَلَكِيَّة في الأردن

أسامة الشريف*

يواصل الأردنيون التفاعل مع تعيين الملك عبد الله في الأسبوع الفائت لرئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي لرئاسة لجنة من 92 عضواً لتحديث النظام السياسي – كما تم استدعاء اللجنة. وطالب الملك الرفاعي بطرح مسودة جديدة لقانونَي الانتخابات والأحزاب السياسية؛ النظر في التعديلات الدستورية اللازمة المُتعلّقة بالقانونين وآليات العمل البرلماني، وتقديم توصيات بشأن تطوير التشريعات المُنَظِّمة للإدارة المحلية، التي تُوسّع المشاركة في صنع القرار، وخلق بيئة سياسية وتشريعية تفضي إلى الإنخراط الفعّال للشباب والمرأة في الحياة العامة.

وانقسم الأردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي بين مَن رحّب بالخطوة ومَن أبدى تحفّظات. لم تكن هذه هي المرة الأولى خلال العشرين عاماً الماضية التي شكّل فيها الملك لجاناً وهيئاتٍ للتعامل مع مختلف جوانب الإصلاحات السياسية. حتى قبل أن يتولّى الملك عبد الله السلطة، كانت هناك دعوات عامة لصياغة قانونِ انتخابٍ جديد من أجل الإبتعاد من نظام التصويت الفردي الحالي واختلافاته. وقاومت الحكومات المتعاقبة التخلّي عن نظام الصوت الواحد خشية أن يفيد ذلك الحركة الإسلامية؛ وتحديداً جماعة “الإخوان المسلمين” التي تظل ذراعها السياسية، “جبهة العمل الإسلامي”، أكبر الأحزاب السياسية وأكثرها تنظيماً في المملكة.

بين العام 2002 والآن تم تعيين عددٍ من اللجان الملكية والتي تراوحت ولايتها من تقديم خطة عمل وطنية طويلة الأجل شاملة وجامعة؛ اللجنة الملكية للأجندة الوطنية (2005)، وهي اللجنة التي انخرطت في الإصلاحات السياسية وقدّمت عدداً من التعديلات الدستورية؛ ولجنة الحوار الوطني (2011). وكانت هناك لجان أخرى نظرت في النزاهة ومكافحة الفساد في القطاع العام والتنمية القضائية وسيادة القانون. بالنسبة إلى جميع هذه اللجان تقريباً، تم إمّا وضع إنجازاتها جانباً وتجاهلها أو اختيرت بشكلٍ انتقائي. في حالة “اللجنة الملكية للأجندة الوطنية”، التي قدمت خطة كاملة للإصلاحات السياسية بما فيها مشروع قانونٍ للإنتخابات وآخر للأحزاب السياسية، فقد تمّ تجاهل نتائج ما توصّلت إليه تماماً.

في جميع الحالات، كان هناك انطباعٌ بأنّ ما يٌسمّى بالدولة العميقة قد قاومت تبنّي أيّ إصلاحات سياسية ذات مغزى. حتى عندما قدّم الملك ما سُمِّي سلسلة أوراقٍ للمناقشة، بين العامين 2011 و2017، حيث حدّد رؤيته الخاصة للحكومات البرلمانية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لم يتم تبنّي رؤيته مُطلقاً. ويرى الإصلاحيون والناشطون أن الإرادة السياسية لبدء مثل هذه الإصلاحات لم تكن موجودة قط.

يعتقد المُشكّكون أن المصير عينه ينتظر اللجنة المُشَكَّلة حديثاً. بدايةً برئيسها، الرفاعي، الذي أُقيلت حكومته بعد احتجاجات العام 2011 التي دعت إلى إصلاحات سياسية. يقول النقاد أنه لا يمكنه أن يكون جزءاً من الحلّ أبداً عندما يُمثّل النخبة الحاكمة التي طالما كانت المشكلة. وهم يشيرون إلى حقيقة أن اللجنة مؤلّفة إلى حدٍّ كبير من الوَسَطيين والمُعتدلين وكذلك من شخصياتٍ معروفة بمقاومتها للإصلاح. لقد تم استبعاد رموز المعارضة والحراك (النشطاء الشباب).

ثم هناك ولاية اللجنة وما إذا كان عملها سيمتد إلى تعديل مجموعة واسعة من القوانين التي أثّرت في الحرّيات العامة وحرّية التعبير والإعلام والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان من بين أمور أخرى. ذهب البعض إلى حدّ دعوة اللجنة للعودة إلى دستور العام 1952 الذي حدَّ من سلطات الملك وعهد إلى مجلس الوزراء بالحكم العام في جميع المجالات مع ضمان أن جميع السلطات تأتي من الشعب.

وأكد الملك للجنة أنه يضمن نتائج ما تتوصّل إليه وأن توصياتها ستُرفَع مباشرة إلى مجلس النواب للمصادقة عليها. كيف ستعمل هذه العملية؟ يبقى الإنتظار لكي نرى. وكان الأردن أجرى انتخابات تشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بموجب قانون انتخاب مُثيرٍ للجدل يعمل لصالح زعماء العشائر ورجال الأعمال على حساب الأحزاب السياسية. كان هذا هو الحال منذ عقود؛ مما أدى إلى مجالس نيابية ضعيفة كان لها إشراف ضئيل أو معدوم على السلطة التنفيذية.

هذه المرة ازداد الضغط الشعبي للمطالبة بإصلاحات سياسية حقيقية من شأنها القضاء على الفساد والمحسوبية وإساءة استغلال الموارد العامة. لقد كشفت جائحة فيروس كوفيد-19 عن هشاشة القطاع العام المُختَل. فالاقتصاد الأردني يتباطأ بينما وصلت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات قياسية. ويُشكّل الدين القومي حوالي 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ عجز الموازنة ربع الموازنة الإجمالية تقريباً ويتزايد كل عام. مع تخصيص ما يقرب من 60 إلى 80 في المئة من الموازنة لدفع رواتب القطاع العام، لم يتبقَّ سوى القليل للنفقات الرأسمالية والاستثمارات.

ويقول منتقدون إن هذه هي الفرصة الأخيرة للمملكة لتبنّي إصلاحات سياسية حقيقية تنعكس على القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية التي عانت بشدة في السنوات القليلة الماضية. لكن المتشكّكين يعتقدون أيضاً أن اللجنة المُكَوَّنة من 92 عضواً لا يُمكنها أبداً الاتفاق على خطّةٍ مُوَحَّدة وأن رئيسها سيعمل ما في وسعه لتحقيق الحدّ الأدنى من الإصلاحات.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى