ما هي التحدّيات التي تُواجِهُ عملة البتكوين؟

بقلم الدكتور مروان القطب*

عادت اخبار عملة البتكوين الرقمية تتصدَّر الأخبار الإقتصادية، وذلك مع الإرتفاع القياسي في سعرها الذي بلغ في شهر شباط (فبراير) الجاري حدود ٥٨ الف دولار أميركي، ليعود ويتراجع الى حدود ٤٤ الف دولار في تذبذبٍ واضح. وتُثيرُ هذه العملة مخاوف البنوك المركزية، كما إنها تُنافس عملاتٍ رقمية أُخرى. فما هي أسباب ارتفاع سعرها؟ وهل استطاعت الى تاريخه أن تقوم بوظائف العملة التقليدية؟ وهل عملة ال”فايسبوك” المُشَفَّرة “ليبرا” ستُشكّل مُنافساً لها؟ ولماذا تخشى البنوك المركزية منها، وما هي إجراءات مواجهتها؟
سنحاول في هذه المقالة الإجابة عن هذه الاسئلة، على الشكل التالي:

أولاً: مخاطر عملة البتكوين: البتكوين هي عملة إلكترونية مُشَفّرة، بدأ التداول بها في العام ٢٠٠٩، ويجري هذا التداول مباشرة من شخصٍ إلى آخر من دون الحاجة الى وسيط، ما يزيد من مخاطر استعمالها في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. كما تتميّز هذه العملة بانها عملة لامركزية، حيث لا توجد سلطة نقدية تقوم باصدارها أو السيطرة عليها، وهذا الأمر يُشكّل خطراً على السياسات النقدية للبنوك المركزية، التي تسعى من خلال ادوات متعددة إلى تحقيق الإستقرار النقدي.

ثانياً: أسباب ارتفاع سعر البتكوين: لقد زاد سعر عملة البتكوين من بداية العام الجاري في حدود ٦٠%، ويرجع ذلك الى عدة عوامل، اهمها:
١- تراجع الثقة بالاستثمار في الاوراق المالية بسبب تعطّل النشاط الاقتصادي بفعل جائحة كورونا، فالضبابية التي تُحيط بالأوضاع الاقتصادية هزّت الثقة بالإستثمار في الأوراق المالية، ودفعت الى البحث عن ملاذات أُخرى للإستثمار.
٢- تأثر السياسات والأوضاع النقدية لدول العالم المُختلفة بفعل تراجع النشاط الاقتصادي، فالسياسات النقدية محكومة بتفعيل الأنشطة الإقتصادية، وهذه الأخيرة تراجعت بصورةٍ كبيرة في ظل تداعيات الجائحة.
٣- تعزز التعاملات النقدية الالكترونية بسبب الجائحة، وذلك لتأمين التباعد الاجتماعي المطلوب، مما زاد الثقة بالعملات المشفرة، وابرز الحاجة اليها.
٤- استثمار عدد من الشركات في عملة البتكوين ، حيث أعلنت شركة “تيسلا” استثمارها 1,5 مليار دولار في البيتكوين، كما اعلنت اعتزامها قبول هذه العملة الافتراضية كوسيلة دفع لشراء سياراتها.
٥- اعلان شركات لادارة الاموال وبنوك استثمار كشركة “بلاك روك” و”بنك نيويورك مالون” عن ارادتها في الاستثمار في عملة البتكوين مما عزز مكانة هذه العملة الجديدة.
٦- قبول شركات متخصصة بالدفع الكتروني عملة البتكوين، في تعاملاتها، وعلى سبيل المثال: “باي بال ” و “ماستركارد” و”اوفر ستوك”.
كل هذه الاسباب ساهمت في تعزيز وضعية البتكوين، وشجع المستثمرون على شرائها، مما ادى الى تضخم سعرها، وبلوغه مستويات قياسية.

ثالثاً: مدى تحقق الوظائف الأساسية لعملة البتكوين: تسعى عملة البتكوين الى القيام بوظائف العملة الأساسية، التي سنتناولها بالتفصيل ، وهي:
١- البتكوين كوسيط للمبادلة: مع قبول عملة البتكوين من قبل بعض شركات الدفع الإلكتروني، فان ذلك سيُعزّز دورها المُستقبلي كوسيط لمبادلة السلع والخدمات، إلّا أن حجم هذه المبادلات التي تتم بواسطة البيتكوين ما زال في الوقت الحالي خجولاً.
٢- البتكوين كمخزن للثروة: إن ارتفاع ثمن هذه العملة يُعزّز دورها كمخزن للثروة، الّا أن تذبذب أسعارها صعوداً وهبوطاً قد يحرمها من هذا الدور، ففي ٢٣ شباط (فبراير) الجاري تراجع سعر البتكوين ١٦% في يوم واحد، ليعاود الصعود من جديد، ومن ثم في ٢٦ من الشهر نفسه تراجع سعر البتكوين ٦% ليصل الى نحو ٤٤ الف دولار، وهذا الأمر يُشكّل عاملاً سلبياً ويحرمها من خاصية اعتبارها ملاذاً آمناً للثروة.
٣- البتكوين وحدة قياس محاسبي: وهذا الأمر لم يتحقّق بعد للعملة الجديدة، ويرجع ذلك الى عدم تبنّيها كعملة رسمياً من قبل الدول، وعدم تمتّعها بالقبول العام والواسع.
وبالتالي لا يُمكن النظر حالياً إلى البيتكوين على أنها عملة تقوم بوظائف العملة التقليدية، وما زال النظر إليها على أنها أصلٌ مالي للمضاربة من أجل تحقيق الأرباح، وهذا ما يفسّر التذبذب في سعرها والتراجعات المفاجئة، لأن مَن يشتري هذه العملة يُريد بيعها من أجل جني الأرباح. وعندما يبلغ سعرها حدوداً قياسية، يعود إلى الإنخفاض السريع، وبشكل مفاجىء.

رابعاً: عملة فايسبوك المُشَفَّرة: أعلنت شركة “فايسبوك” للتواصل الإجتماعي في العام ٢٠١٩ عن نيّتها في اصدار عملة مشفرة، تحت تسمية “ليبرا”، وتم العدول مؤخرا عن هذه التسمية لتبني تسمية جديدة هي ” ديم”، ويسعى موقع فيس بوك الى تجنب بعض السلبيات التي تحيط بعملة البتكوين بحيث يكون لها خصائص مختلفة اهمها:
١- وجود شركة متخصصة تعمل على ادارة اصدار العملة المشفرة، وتشرف على عمليات التداول، وهذا الامر يحد من لامركزية العملة، ويقلص مخاوف البنوك المركزية، ويجعل للعملة الجديدة جهة مرجعية يمكن العودة اليها.
٢- ان فتح المحافظ الالكترونية لتداول عملة الفيس البوك، يستند الى تعريف عن هوية المستخدم، وهذا الامر يحد من عمليات تبييض الاموال التي يمكن ان تجري عند تداول العملات المشفرة.
٣- تكوين احتياطي مساند للعملة للجديدة، وهذا الامر يزيد الثقة بالعملة، ويبدد الخشية من خسارة المال عند التداول.
الفرق بين” البتكوين” و “ديم” ان العملة الاخيرة يجري الاعداد لها بطريقة موجهة، بحيث تتجنب سلبيات البيتكوين، وتقلص مخاوف البنوك المركزية، وتعزز الثقة بها، مما سيعطيها ميزة تفاضلية.

خامساً: العملة الرقمية للبنوك المركزية: تُدرك البنوك المركزية ان للعملات الإلكترونية مُستقبلاً واعداً، وأن عدم مركزية العملات المُشفّرة، ومنها البتكوين، يُشكّل تهديداً للسياسات النقدية داخل الدولة، وأفضل طريقة لمواجهة هذا التحدّي، هو الدخول الى هذه السوق المالية الجديدة، واحتلال حيِّزٍ منه، بدل البقاء خارجها مُتفرّجة. لذلك بدأت البنوك المركزية التفكير في إصدار عملة رقمية خاصة بها، تتميّز بمركزية الإصدار، كالبنك المركزي الاوروبي والبنك المركزي الصيني، والتعاون الجاري بين مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) والبنك المركزي الإماراتي لإصدار عملة الكترونية تحت تسمية “عابر”.

وأخيراً فإن عملة البتكوين ستواجه تحدّيات مُتعدّدة تتعلّق بقدرتها على القيام بالوظائف الأساسية للعملة، وأن لا تبقى فقط اصلاً مالياً يُستَخدَم للمضاربة، كما ستواجه منافسة من قبل عملات مُشفَّرة أخرى خصوصاً من قبل “ديم” (ليبرا) عملة الفايسبوك التي يعد لاصدارها، والعملات الرقمية الاخرى المنوي اصدارها من قبل البنوك المركزية.

  • الدكتور مروان القطب هو أكاديمي وخبير مالي واقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى