ما هو مستقبل العلاقات الإيرانية-القطرية بعد قمّة العُلا؟

قمة العُلا في السعودية: هل أثّرت في علاقات قطر مع إيران؟

 

إن الحصار غير المُثمِر الذي طال أمده على قطر لم يفشل فقط في إصلاح وتغيير “السلوكيات المُزعزعة للإستقرار” في الدوحة، ولكن أيضًا عزّز العلاقات الإيرانية-القطرية في المستقبل المنظور.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: “إتفاق العُلا لن يُغيِّر العلاقات بين الدوحة وطهران”.

بقلم بريت سوديتيك وجيورجيو كافيرو*

تحت شعار “التضامن والإستقرار” الإقليمي، وقّعت الدول العربية التي بدأت حصار قطر في العام 2017، إعلاناً في 5 كانون الثاني (يناير) الفائت في مدينة العُلا السعودية لإنهاء حصارها. كان قرار قمة دول مجلس التعاون الخليجي هذا انتصاراً للدوحة نظراً إلى أنها لم تكن مُضطرّة إلى تلبية أيٍّ من المطالب الثلاثة عشر التي وضعتها اللجنة الرباعية المُناهضة لقطر – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر – في وقت مبكر من النزاع الخليجي. بشكل أساس، تخلّت المجموعة عن حملتها الغليظة ضد الدوحة لتتماشى معها بالنسبة إلى القضايا الحسّاسة التي شكّلت الأسباب الجذرية للأزمة.

في أواخر العام 2020، كثّفت إدارة دونالد ترامب جهودها الديبلوماسية لحلّ الخلاف الخليجي. في سعيها لتوحيد شركاء واشنطن الخليجيين ضد إيران، رأت إدارة ترامب أن الصدع بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر يُقوّض “جداراً قوياً جداً من المعارضة المطلوبة لأنشطة إيران المُزَعزِعة للإستقرار في المنطقة”. ومع ذلك، فإن انخفاض الإحتكاك بين الدوحة والرياض لا يعني أن قطر ستتبنّى أجندة السعودية المُعادية لإيران. في اليوم التالي للقمة، أوضح وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن اتفاق العُلا لن يُغيِّر العلاقات بين الدوحة وطهران.

على الرغم من أن أحد الأهداف الرئيسة للرياض وأبو ظبي للحصار كان إجبار قطر على تقليص علاقاتها مع إيران، فقد عمّقت الدوحة وطهران علاقاتهما الثنائية منذ اندلاع الأزمة الخليجية حيث أن التضامن بين الدولتين نما بشكل كبير. بخلاف الخطاب، قدّمت إيران شحنات غذائية لمساعدة الدوحة على تجنّب أزمة الأمن الغذائي. وقد قفزت الصادرات الإيرانية إلى قطر من حوالي 60 مليون دولار بين العامين 2016 و2017، إلى 250 مليون دولار بين العامين 2017 و2018. وتمكّنت الخطوط الجوية القطرية من مواصلة عملياتها من خلال الإستفادة من المجال الجوي الإيراني. في المقابل، وفّرت رسوم التحليق لإيران حوالي 100 مليون دولار من عائدات رسوم التحليق، والتي اعتبرتها إدارة ترامب بأنها تُقوّض عملية “أقصى الضغط” على إيران.

في نهاية المطاف، دفع الحصار الدوحة إلى الاقتراب من طهران مع تعزيز تصوّرات قطر بأن التهديد المباشر لأمنها ينبع من جيرانها المباشرين في مجلس التعاون الخليجي، وليس من الجمهورية الإسلامية. بالنسبة إلى الدوحة، أصبحت إيران شريان حياة أكثر من كونها تهديداً. حتى قبل الحصار، منذ أعقاب الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، حافظت قطر على علاقة ودية في الغالب مع طهران في جزء كبير منه بسبب تقاسم هذين البلدين أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، القبة الشمالية/جنوب فارس، الذي تعتمد عليه الدوحة اقتصادياً. ويتطلب ضمان أمن الحقل والوصول إليه بدون عوائق تعاون قطر مع إيران. علاوة على ذلك، فإن أي صراع عسكري في الخليج تشارك فيه إيران يمكن أن يدمر البنية التحتية الحيوية الضعيفة لقطر.

يجب أن تُحافظ قطر أيضاً على علاقات إيجابية مع إيران من أجل منع طهران من استهداف الدوحة لاستضافتها أكبر وجود عسكري أميركي في الشرق الأوسط – قاعدة “العديد” الجوية، حيث يتمركز حوالي 10,000 جندي أميركي. إن استضافة قطر للمقرّ المُتقدّم للقيادة المركزية الأميركية على أراضيها هو نقطة توتر مع طهران. يرى الحرس الثوري الإسلامي أن قاعدة “العديد” هي هدف محتمل في حالة نشوب صراع أميركي – إيراني. لتحقيق التوازن بين هذه الديناميكيات، تنخرط الدوحة في ديبلوماسية حذرة مع طهران، والتي تزداد صعوبة وسط أجندة “الضغط الأقصى” لواشنطن. مثل العراق، وجدت قطر صعوبة إلى حد ما في الحفاظ على علاقات قوية مع كلٍّ من إدارة ترامب وكذلك مع إيران على خلفية سياسة حافة الهاوية بين واشنطن وطهران في الخليج.

وكما أظهرت الهجمات على منشآت أرامكو في العام 2019، فإن إيران لديها القدرة على إحداث ضرر كبير للبنية التحتية الاقتصادية الحيوية لدول الخليج، بما فيها قطر. ومع ذلك، فإن الحكومة والمواطنين القطريين ينظرون إلى طهران على أنها أقل تهديداً اليوم مُقارنةً بما كانت عليه قبل الحصار بسبب الدعم الإيراني خلال الحصار. وقد وجدت دراسة أُجريت في العام 2018 أنه قبل حصار العام 2017، كان حوالي 30 في المئة من سكان الدولة الخليجية يعتبرون إيران واحدة من أخطر التهديدات لقطر، لكن هذا الرقم انخفض بشكل أساس إلى الصفر بعد اندلاع أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لما ذكره ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر: “إيران لم تُشارك قط في حصار قطر، ولم تُشارك في عمليات عدائية [ضد] قطر أو المصالح القطرية، لذلك من الواضح أنه لا يمكن تعريفها بسهولة [من قبل الجمهور القطري] على أنها تهديدٌ للأمن القومي [للدوحة]”، رُغم أن لدى الشعب القطري آراء سلبية في الغالب حول سياسة طهران الخارجية تجاه العراق وسوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.

وجهة نظر طهران للمصالحة السعودية – القطرية

بالنسبة إلى طهران، كان حصار العام 2017 فرصةً لمساعدة القطريين على كشف نقاط الضعف النسبية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع تعزيز نفوذ طهران على دولةٍ خليجية صديقة للولايات المتحدة. وهكذا، في حين رحّبت إيران رسمياً بنتيجة قمّة العُلا، فإن طهران لديها مخاوف بشأن التداعيات الجيوسياسية للتقارب السعودي-القطري. إن ما يهمّ الإيرانيين أيضاً هي العواقب الاقتصادية التي قد تحرم إيران من مدفوعاتٍ من قطر مُقابل استخدام مجالها الجوي. ومع ذلك، قد ترى إيران أيضاً بعض الجوانب الإيجابية في حل أزمة الخليج. تغريدة محمد جواد ظريف بعد قمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة تكشف عن وجهة نظر إيران بأن هذه الخطوة أقرب إلى استسلام من المملكة العربية السعودية. يقول حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الإلماني للشؤون الدولية والأمنية: “[بالنسبة إلى إيران] ، كان التطبيع بمثابة رد فعل من جانب الرياض، ما يدلّ على ضعف يدها في لعبة القوة الإقليمية، [بدلاً من] مبادرة نشطة تهدف إلى احتواء إيران بطريقة جديدة”.

بالنظر إلى المستقبل، تُدرِك طهران أن الدوحة ربما ليست في وضعٍ يسمح لها بالإنسحاب من شراكتها مع الجمهورية الإسلامية. نظراً إلى أن الأسباب الجذرية الأساسية للتوتر بين المملكة العربية السعودية وقطر لا تزال من دون حل، فمن المرجح أن تعتمد إيران على استمرار التعاون مع الدوحة. تستمر الدول الأعضاء الأصغر في مجلس التعاون الخليجي في النضال مع هيمَنة المملكة العربية السعودية وعدم احترام سيادتها، مما يساهم في رؤية القطريين لإيران كثقلٍ إقليمي مُوازن للرياض.

علاوة على ذلك، من وجهة نظر طهران، يُمكن للدوحة أن تساعد على تخفيف التوترات مع واشنطن وبعض الدول الإقليمية في العام 2021. في الماضي، دعمت الدوحة خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015، وفي العام 2006 صوّتت في مجلس الأمن الدولي ضد فرض عقوبات على إيران لأنشطتها النووية. حتى في أوائل العام 1997، بدأ أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يحثّ واشنطن على تخفيف مواقفها ضد طهران. كقوة ديبلوماسية إقليمية، يُمكن لقطر أيضاً أن تلعب دوراً مُسَهِّلاً وتيسيرياً في المحادثات بين إدارة جو بايدن وإيران في ما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة وربما القضايا غير النووية.

في نهاية المطاف، بينما كان النيّة المباشرة لإدارة ترامب المُتمثّلة في حلّ أزمة الخليج تهدف إلى إنشاء جبهة مُوَحَّدة ضد طهران، هناك سببٌ للشك في أن الدوحة ستتخلّى عن إيران تماماً. من وجهة نظر الرياض، فإن السيناريو الواقعي يستلزم استعادة بعض ثقة الدوحة في المملكة العربية السعودية، مما يُعطي القطريين سبباً للإبتعاد قليلاً عن طهران. في الوقت عينه، مع قيام قمة العُلا فقط بتغطية الخلافات بين الجانبين، سيكون من السهل التخيّل بأن العلاقات القطرية-الإيرانية ستظل شكوى للرياض وأبو ظبي والمنامة. في نهاية اليوم، لقد أدّى دعم طهران لقطر وسط الحصار الذي دام ثلاث سنوات ونصف السنة إلى الكثير من النوايا الحسنة في الدوحة، والتي من المُرجّح أن تستمر في تشكيل العلاقات الثنائية لسنوات مُقبلة.

  • بريت سوديتيكهو مستشار لشركة “غولف ستايت أناليتيك” (Gulf State Analytics)، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن. وجورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي لشركة “غولف ستايت أناليتيك”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @GiorgioCafiero.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى