جبران باسيل ومستقبل السياسة اللبنانية

ميشال عون وحسن نصرالله: يوم توقيع إتفاق تفاهم مار مخايل في 2006.

 

يريد رئيس “التيار الوطني الحر”، النائب جبران باسيل، مراجعة اتفاقية مار مخايل التي وقّعها الرئيس ميشال عون مع “حزب الله” في العام 2006 ، ولكن لا يبدو الأمر مؤكدأ بسبب إحجام حزب الله” عن معاملة باسيل كما عاملت عمّه.

جبران باسيل: لا يتمتّع بهالة وكاريزما ميشال عون.

بقلم سامي المبَيّض*

شكّل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” في لبنان لجنةً من خمسة أعضاء، بهدف “إعادة النظر” في اتفاقية تفاهم مار مخايل التي وُقِّعت في العام 2006 بين السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون.

هذا التفاهم المشهور ضَمَنَ الدعم الماروني/المسيحي لأسلحة “حزب الله” مُقابل تعهّد الحزب بدعم عون للوصول إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية، وهو المنصب الذي كان يطمح إليه منذ فترة طويلة.

من جهّته، نفّذ عون نصيبه من الصفقة، وفي المقابل، دعمه “حزب الله” وأوصله بالمظلة إلى قصر بعبدا بعد عشر سنين بالضبط، في العام 2016. واللجنة الجديدة هي نتاجُ مكالمة هاتفية جرت في أواخر كانون الأول (ديسمبر) بين نصر الله وصهر عون ووريثه السياسي، جبران باسيل، الزعيم الحالي للتيار الوطني الحر. ومن المتوقع أن يبدأ أعضاؤها العمل الآن.

تحفّظات “حزب الله”

إن باسيل يريد دعم “حزب الله” ليصبح رئيساً للجمهورية بمجرد انتهاء ولاية والد زوجته في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، أو إذا كان عون عاجزاً بسبب الشيخوخة نظراً إلى أن عمره يقترب من ال88 عاماً في أيلول (سبتمبر) المقبل.

كان عون وباسيل يدفعان من أجل مراجعة اتفاقية مار مخايل، رُغم إحجام “حزب الله” عن الالتزام برئاسة باسيل. لم يُشر الإتفاق الأصلي إلى باسيل، لكن الأخير تمكّن من ربط نفسه به، ما جعل تعيينه وزيراً من بين العديد من الشروط المُسبَقة في عهد عون.

بالنسبة إلى المُبتدئين، يشعر “حزب الله” بأنه لا يستطيع أن يدعم باسيل وجعله رئيساً قبل أن يفي بوعده الذي قطعه لسليمان فرنجية، رئيس حركة المردة والعضو البارز في تحالف 8 آذار.

كان الأخير وُعِدَ بالرئاسة في العام 2016، بعد ترشيحه من قبل الرئيس سعد الحريري، لكن الحزب أقنعه بالتراجع بسبب عمر عون، بحجة أنه سيكون الخيار التالي ل”حزب الله” لمنصب الرئيس في العام 2022. لذا لا يُمكن للحزب التخلّي عنه مرة أخرى من أجل جبران.

عامل الثقة

بالإضافة إلى ذلك، لا يثق “حزب الله” بباسيل، حيث يعتبره حليفاً غير موثوق ومُتلاعباً سياسياً. لم يغفر له قط على مدّ يده لسعد الحريري من وراء ظهره خلال الانتخابات النيابية في العام 2018، ولا على مساواة الوجود السوري في لبنان بالإحتلال الفرنسي مطلع القرن العشرين.

بعيداً من الإلتزام بجدول أعماله، فإن الحزب يستخدمه فقط لتعزيز طموحاته واستراتيجيته السياسية. لقد عمل معه أيضاً بدافع الضرورة المطلقة، نظراً إلى أنه يسيطر على أكبر كتلة مسيحية في البرلمان ويرأس أحد الحزبين المسيحيين الرئيسيين.

يُسيطر حلفاؤه المسيحيون في “حركة المردة” على كتلة أصغر بكثير وهم أقل تأثيراً بكثير في الشارع المسيحي، خصوصاً عند مقارنتهم بخصومه في حزب “القوات اللبنانية”.

العقوبات الأميركية

لكن رغم تحفّظاته ومخاوفه، وجد “حزب الله” نفسه في المركب عينه مع باسيل، بعدما فرضت إدارة دونالد ترامب عقوبات عليه في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. توقع الكثيرون أن تؤدي هذه العقوبات إلى إبعاده من “حزب الله”، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً.

وإدراكاً منه أنه لا يوجد مرجع يلجأ إليه، لا محلّياً أو إقليمياً، فقد اندفع باسيل بالكامل إلى حضن حسن نصر الله، واضعاً نفسه كحليفٍ قوي ومُطيع.

لعب دور الضحية على الفور، مُدَّعياً أنه تم إدراجه على القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة لدعمه “حزب الله”، وناشد نصر الله أن يلقي له سترة النجاة.

بدون غطاءٍ سياسي من “حزب الله”، يُدرك باسيل أن حياته السياسية قد انتهت، بعد أن فقد الكثير من الدعم في الداخل بعد ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 2019. لقد أطلق العديد من الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع في ذلك الشهر العنان لغضبهم على باسيل، واتهموه بالفساد والمحسوبية.

مجموعة من الشروط

مع وضع ذلك في الاعتبار، يُخاطر باسيل بإجراء محادثات مع “حزب الله” وحرمه من الكثير من أدواته السابقة وقاعدة قوته. إنه الحلقة الأضعف، غير قادر على فرض إرادته بينما يُجبَرُ على قبول كل إملاءات “حزب الله” عندما تبدأ الوصول.

سيتوقّع منصباً لا يقل عن منصب والد زوجته عندما ربط سلاح “حزب الله” بأمن لبنان. على سبيل المثال، يُريد اتفاقية جديدة مع “حزب الله”، تنطبق عليه تحديداً وبالإسم، لكن نصر الله يصر على مجرد تعديل بنود تفاهم 2016، بدلاً من كتابة اتفاقية جديدة.

على الرغم من أن “التيار الوطني الحر” الآن في السلطة ويسيطر على كتلة برلمانية من 29 نائباً، إلّا أنه أكثر ضعفاً بكثير مما كان عليه في العام 2006، عندما تم توقيع اتفاقية مار مخايل. جاء عون إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة، بعدما أمضى سنوات في المنفى ومُفتَخراً بسيرته العسكرية والسياسية التي تعود إلى سبعينات القرن الفائت.

لقد كان رجلاً عصامياً أنشأ لنفسه قاعدة سلطة باستخدام سماته وجاذبيته الخاصة، ولم ينحدر من أيٍّ من العائلات السياسية الموروثة في لبنان، ولم يعتمد على دعم أيٍّ من أصحاب المصلحة الإقليميين مثل سوريا وإيران والمملكة العربية السعودية .

أطاعه أنصاره على نحو أعمى. عندما أمرهم بقتال السوريين خلال الحرب الأهلية، حملوا السلاح ضد الجيش السوري. عندما قال إن الوقت قد حان للمصالحة مع دمشق، تبعوه بطاعة من دون طرح أي أسئلة.

لا يتمتع باسيل بأيٍّ من تلك الطاعة أو الكاريزما الشخصية أو التاريخ – و”حزب الله” يعرف ذلك جيداً. صفته الوحيدة هي أنه صهر ميشال عون. كان “حزب الله” ينظر إلى عون على أنه مساوٍ سياسياً، ووزناً ثقيلاً جدّياً ويتمتّع بهالة كبيرة يمكنه التعامل معه.

هذا بالتأكيد لا ينطبق على باسيل.

  • سامي مروان المبيّض هو كاتب ومؤرّخ سوري وباحث سابق في مؤسسة كارنيغي. وهو مؤلف كتاب “تحت الراية السوداء: على حدود الجهاد الجديد” (Under the Black Flag: At the frontier of the New Jihad). بمكن متابعته عبر تويتر على: @smoubayed

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى