العلاقات السعودية -الإسرائيلية: القضية الغريبة لاجتماع “نيوم” المزعوم

هل تتجه العلاقات السعودية – الإسرائيلية إلى التطبيع؟ سؤالٌ انتشر على نطاق واسع بعدما سرّب بعض المصادر الإسرائيلية أن اجتماعاً عُقد في مدينة “نيوم” السعودية بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبينامين نتنياهو بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وهو اجتماعٌ نفت الرياض حصوله. 

وزير الخارجية فيصل بن فرحان: “لم يحدث مثل هذا الإجتماع”

بقلم تمارا كوفمان ويتس* وناتان ساكس*

وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، إستضاف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في “نيوم”، المدينة التكنولوجية المستقبلية في شمال غرب المملكة العربية السعودية والتي ترمز إلى خطط ولي العهد لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة. نفت السعودية أن يكون الاجتماع قد حدث، حيث قال وزير الخارجية فيصل بن فرحان بشكل قاطع: “لم يحدث مثل هذا الإجتماع”. ورأى مراقبو الحركة الجوية أن طائرة استخدمها نتنياهو سابقاً حلّقت من إسرائيل إلى المنطقة القريبة من “نيوم”، وقضت ساعات عدة على الأرض، وعادت، ما يؤكد على ما يبدو التسريبات في إسرائيل. وقد أثارت التقارير موجةً من التكهّنات حول فتحٍ رسمي للعلاقات بين البلدين، اللذين كانت لهما اتصالات سرية تعود إلى ستينات القرن الفائت.

الغموض حول الحقائق والوقائع هو أول جانب مُحيّر في هذه التقارير: هل عُقِدَ اجتماعٌ بالفعل؟ هل حدث خطأ ما؟ أم عُقِدَ اجتماعٌ، لكن كل طرف اتخذ الموقف العام الذي يُلبّي احتياجاته السياسية على أفضل وجه؟ من المؤكد أن مثل هذا الإجتماع هو نعمة أخرى لنتنياهو داخلياً، بعد المعاهدات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبدء التطبيع مع السودان. يتطلع نتنياهو إلى جولة أخرى من الإنتخابات الوطنية – الرابعة في غضون عامين. بالنسبة إلى بن سلمان، من ناحية أخرى، هناك رقصة دقيقة بين رغبته الواضحة في توثيق العلاقات مع إسرائيل والقيود المفروضة على الرأي العام في المملكة العربية السعودية والآراء الأخرى داخل الأسرة الحاكمة، بما في ذلك والده، الملك سلمان.

اللغز الثاني هو التوقيت. لماذا يتّخذ القادة السعوديون والإسرائيليون هذه الخطوة العلنية المُهمة الآن (إذا فعلوا ذلك فعلاً)؟ تلوح آفاق إدارة جو بايدن الجديدة في الأفق أمام كلا الطرفين. ربما يظن المرء أن كلاً من المملكة وإسرائيل ستختاران التقليل من علاقتهما الحميمة مع “البطة العرجاء” ترامب ووزير خارجيته بومبيو، وبدلاً من ذلك تُقدِّم علاقتهما الدافئة فرصةً مُرحَّباً بها من قبل إدارة بايدن المقبلة ووزير الخارجية فيها أنطوني بلينكين. قد يظن المرء، منحهما بعض الوقت والإبتعاد من عهد ترامب، يمكن أن تقدم المملكة العربية السعودية وإسرائيل لبايدن نجاحاً كبيراً في الشرق الأوسط لتجاوز وخسف اتفاقات التطبيع لعام 2020، مقابل عدد من المكافآت السياسية.

في الواقع، قد يشعر كلا البلدين أنهما بحاجة إلى شيء “لمنحه” لفريق بايدن، الذي يعد بإنهاء “الشيك على بياض” لسنوات ترامب. بالنسبة إلى السعوديين على وجه الخصوص، قد يتغيّر موقف واشنطن بشكل كبير في 20 كانون الثاني (يناير). من المرجح أن ينهي بايدن الحماية الشاملة التي قدّمها ترامب لهم من الكونغرس القلق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وحريصاً على وقف مبيعات الأسلحة التي مكّنت السعودية من إطلاق الحرب في اليمن. كمُرَشّحٍ، وصف بايدن المملكة العربية السعودية بأنها دولة منبوذة، وقال إنه “سينهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن”. كما لاحظ السعوديون بلا شك مركزية الديموقراطية والقيم في بيانات السياسة الخارجية لبايدن، وانتقاده لترامب بسبب تدليله ودعمه للطغاة.

يشير هذا إلى أن لدى الرياض حافزاً قوياً لتحرُّكٍ دراماتيكي من شأنه أن يُغيّر الطريقة التي يُنظر بها إلى المملكة في واشنطن. ليس هناك شك في أن الاعتراف الديبلوماسي بإسرائيل سيكون مثل هذه الخطوة.

إن الإنفتاح السعودي-الإسرائيلي، إذا وعندما يأتي، سيكون بالفعل تاريخياً. في حين أن الإنفتاح على إسرائيل من قبل الإمارات والبحرين (واسمياً السودان) كان ذا مغزى ودرامياً، فإن المملكة العربية السعودية هي الجائزة الكبرى في التقارب العربي-الإسرائيلي الأخير. إن دور النظام الملكي السعودي بصفته “حارس الحرمين الشريفين” في مكة والمدينة يجعل المملكة ذات ثقل كبير بلا منازع في العالم الإسلامي. في الشرق الأوسط المُحاصَر اليوم، ربما تكون السعودية الدولة العربية الأكثر نفوذاً سياسياً واقتصادياً. وبالتالي، فإن فتح العلاقات السعودية-الإسرائيلية يمكن أن يفتح لإسرائيل العلاقات مع العديد من الدول العربية أو الأخرى ذات الغالبية المسلمة، وأن تُلغي إلى الأبد فكرة أن هذه العلاقات لا يُمكن أن تتحقّق إلّا من خلال تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

ومع ذلك، إن عقد الاجتماع (مرة أخرى، على افتراض أنه حدث) قبل أن تأخذ إدارة بايدن أي فضل في ذلك، أو تضيف أي مُحَلّيات له. لماذا الإندفاع؟ هناك ثلاثة تفسيرات مُحتَملة على الأقل. أولاً، هناك حقيقة بسيطة وهي أن ترامب وبومبيو لديهما أقل من فترة شهرين في منصبهما حيث يتمتعان خلالها بالسلطات الكاملة. تحتل سياسة بايدن الدقيقة تجاه إيران مكانة عالية على جدول أعمال الأطراف الثلاثة، سواء من خلال العمل بمهارة على زيادة مجموعة من العقوبات الجديدة على إيران، وربطها بالنشاط الإيراني غير النووي الذي يصعب التراجع عنه في سياق مفاوضات الأسلحة النووية، أو بتصنيف الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية. قد تكون هناك عناصر أخرى متبقية على جدول الأعمال السعودي و/ أو الإسرائيلي مع ترامب لجعل البلدين مُهتَمَّين بالإدارة المُنتَهية ولايتها.

الإحتمال الثاني هو أن اجتماعهم كان في حد ذاته رسالة إلى إدارة بايدن المُقبلة، طريقة للقول: إبقينا قريبين، نسّق معنا، أو قد تجد أننا لسنا بحاجة إليك بقدر ما تعتقد؛ لدينا بعضنا البعض، ويمكننا حتى العمل معاً بغض النظر عن تفضيلاتك إذا لزم الأمر.

هناك احتمالٌ أخير، أقل احتمالاً ولكنه أكثر دراماتيكية: إن رحلة بومبيو لم تكن فقط حول إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية وتشديد العقوبات على إيران، بل كانت تتعلق بتنسيق خطوة سياسية أميركية رئيسة من شأنها أن تسبق التنصيب. يجب أن يكون هذا مهماً بما يكفي للمطالبة بإجراء مشاورات وجهاً لوجه بين القادة. قد تكون مثل هذه الخطوة ضربة عسكرية محدودة تستهدف المصالح الإيرانية، مثل منشأة نطنز النووية، حيث ورد أن إيران قامت الآن بتخصيب 12 ضعفاً لكمية المواد الإنشطارية المسموح بها بموجب الإتفاق النووي الإيراني.

علاوة على ذلك، فإن الإعلان عن علاقتها بإسرائيل، كما يبدو، قد لا يكون نعمة للمملكة العربية السعودية لدى إدارة بايدن. قد يوفّر الإنفتاح السعودي على إسرائيل دفعة قصيرة المدى للمملكة في الكونغرس وفي وسائل الإعلام، لكنه لن يعالج القضايا الأساسية التي دفعت الديموقراطيين والجمهوريين إلى إعادة التفكير في العلاقة الثنائية. كان الدافع وراء إعادة التفكير هو التدخّل السعودي في اليمن والعواقب الإنسانية المروعة للحرب هناك. لكن على رأس هذه القضية الإنتهاكات السعودية الفاضحة للمعايير الدولية والديبلوماسية، والإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وعدم الإحترام الواضح لشراكتها الطويلة مع الولايات المتحدة. في السنوات الخمس الماضية فقط ، قامت الحكومة السعودية بما يلي: إختطفت رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وأجبرته على الإستقالة، وحاصرت جارةً ( قطر) شريكة للولايات المتحدة، وزرعت جواسيس في شركة أميركية كبرى، وأرسلت سعوديين إلى الولايات المتحدة لتخويف وربما خطف مُنشَقّين سعوديين يعيشون فيها، وقتلت صحافياً سعودياً مُقيماً بشكل قانوني في الولايات المتحدة وساهم في صحيفة أميركية (واشنطن بوست)، واستخدمت الإمتيازات الديبلوماسية السعودية لمساعدة مواطنين سعوديين مُتّهمين بجرائم عادية في الولايات المتحدة على الهروب من وصول المحاكم الأميركية.

دفعت سلسلة الإجراءات هذه، وصراخ سلوكهم، الكثيرين في واشنطن إلى التشكيك في حكم ومصداقية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. يعرف المسؤولون الأميركيون جيداً أنهم لا يستطيعون اختيار مَن يقود المملكة العربية السعودية، لكن يُمكنهم تقييم ما إذا كان هذا المسؤول السعودي يُمكن أن يكون شريكاً موثوقاً به للولايات المتحدة ويستحق الإستثمار الأميركي. لقد وعد بايدن فعلياً بمثل هذا التقييم، ومن المرجح أن يوافق الكثيرون في الكونغرس من الحزبين على ذلك.

يُمكن للسعودية تغيير هذا التصور – لا يزال هناك منطق جيد في شراكة فعالة بين واشنطن والرياض لكلا الجانبين – لكن الخطوة الأولى هي الاعتراف بخطورة المشكلة والحاجة إلى العمل لإصلاحها. لدى الحكومة السعودية مخاوفها وشكاويها التي يجب أن تُثيرها مع واشنطن، مثل التشريع (الذي تم تمريره رغم فيتو الرئيس باراك أوباما) الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) بمتابعة دعاوى الضرر في المحاكم الأميركية. لا شك أنهم مستاؤون من الدعم غير المُتَّسق الذي قدمه ترامب للسعودية عندما واجهت المملكة هجمات مدعومة من إيران على أراضيها. لا شك أنهم ما زالوا يتذكرون قيام الرئيس أوباما بسحب دعم حسني مبارك في مصر في العام 2011. والأكثر صلة اليوم: إنهم قلقون للغاية بشأن عودة إدارة بايدن إلى المفاوضات مع إيران وإنهاء حملة “الضغط الأقصى” التي يمارسها ترامب. لكن الطريقة التي يتم بها أخذ مثل هذه المخاوف على محمل الجد هي إجراء محادثات صريحة وسرية في الغالب مصحوبة باستعداد لاتخاذ إجراءات تصحيحية جريئة.

إذا كانت المصلحة الوطنية السعودية تفرض انفتاحاً على إسرائيل، فسيكون ذلك تقدّماً هائلاً للسلام والإستقرار الإقليميين (؟). من المؤكد أن التطبيع السعودي-الإسرائيلي سيكون موضع ترحيب في واشنطن، لكن الترحيب لن يُغيّر المُعادلة الأساسية بين الولايات المتحدة والرياض. ليس هناك من مجال لتجنب القضايا الحقيقية التي هي على المحك.

إذا كانت السعودية تريد إصلاح العلاقات مع واشنطن، فعليها بدلاً من ذلك اتخاذ خطوات لإظهار فهمها لمخاوف واشنطن وبناء سمعتها كشريك بحسن نية. سيكون العمل الجاد لإنهاء حرب اليمن، مع مراعاة المخاوف الأمنية المشروعة للمملكة هناك، هو الخطوة الأكثر وضوحاً من هذا القبيل. يمكن للرياض معالجة مخاوف مُحَدَّدة من خلال رفض التهم وإنهاء المحاكمة الجنائية التي لا نهاية لها ضد نشطاء حقوق المرأة، وكذلك طرد سعود القحطاني، العقل المدبر لقتل جمال خاشقجي ومهندس حملة بن سلمان ضد المعارضين المنفيين، من أي دور رسمي. يُمكن لمثل هذه التحركات أن تُمهّد الطريق لمحادثات أفضل بين الرئيس الأميركي المقبل وولي العهد.

وستجد إسرائيل أيضاً أن الإدارة الجديدة حريصة على تجنب المعارك في سنوات أوباما ونتنياهو، لكنها ليست حريصة جداً على التخلّي عن تفضيلاتها السياسية من أجل الإبحار السلس. في ما يتعلق بإيران، وسياسة الاستيطان الإسرائيلية، وإمكانية حل الدولتين، هناك خلافات حقيقية لا يمكن طمسها بالإحتفالات العامة. إذاً، فإن الطريقة المثمرة للمضي قدماً هي البناء على العلاقة الحميمة بين واشنطن والدولة العبرية من أجل مسار وثيق وصادق ومُنَسّق لإدارة هذه الإختلافات السياسية.

إن قمة سعودية – إسرائيلية – أميركية مفتوحة، تُشير إلى علاقات وثيقة ورؤى مشتركة للمستقبل، ستكون بالفعل تطوراً ممتازاً. سيكون من الأفضل إذا كانت الصورة قد حدّدت بدايةً جديدة حول الطاولة.

  • تمارا كوفمان ويتس هي زميلة أولى ومديرة مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنغز. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @tcwittes. ناتان ساكس هو زميل ومدير آخر في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. يمكن متابعته عبر تويتر على: @natansachs
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”. إن الآراء الواردة في المقال تمثّل كاتبيها وهي خاصة بهما ولا تمثّل “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى