المرأة في إيران: تمثيلٌ سياسيٌّ بلا حقوق

على مدار أكثر من أربعين عاماً الماضية، ناضلت النساء الإيرانيات وما زلن، لاستعادة بعض حرياتهن الإنسانية الأساسية، بما في ذلك المجالات التي يمكنهن الدراسة فيها والوظائف التي يمكنهن شغلها. لكن الواقع القاسي بالنسبة إلى 40 مليون امرأة في إيران هو أن القانون لا يعترف سوى بالزوج بصفته رب الأسرة، ويجب على الزوجة أن تطيعه في جميع الأمور، بما في ذلك العمل.

محمد جعفر منتظري: نكر اغتصاب أكثر من 40 فتاة ولم يقم بمحاسبة الفاعلين!

بقلم مَرجان كيبور غرينبلاط*

أعلنت جمهورية إيران الإسلامية أخيراً أنه بعد مرور 41 عاماً على إنشائها، فإنها تُرحّب الآن بإمكانية دخول المرأة إلى القيادة على أعلى مستويات الحكومة. وكان الإعلانُ بمثابةِ توضيحٍ للأحكام القائمة أكثر منه إصدار مبادئ توجيهية جديدة. وصرّح عباس علي قدخدائي، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، وهي هيئة مُكلفة بتفسير الدستور الإيراني والإشراف على الإنتخابات: “لا يوجد حظرٌ قانوني على رئاسة المرأة”. لقد حاول المسؤولون التوضيح بأن استبعاد النساء منذ فترة طويلة من العملية السياسية كان مبنياً على تفسير خاطئ لكلمة عربية مُستعارة، ريجال، والتي فُسّرت على أنها “رجال”. ولكن تحسّباً لانتخابات العام المقبل، يتم تفسير الكلمة الآن على أنها “رجالٌ ونساء”.

المتفائلون يحتفلون بهذا التطوّر. وهم يعتقدون أن هذه الخطوة يُمكن أن تُنشّط إقبال الناخبين الضعيف وتؤدي إلى إصلاحاتٍ تشتدّ الحاجة إليها في البلاد. لكن تحليلاً أكثر واقعية وَجَدَ أن هذه ليست أكثر من حيلة ساخرة، ومناورة علاقات عامة لإشراك السكان المُحبَطين في الوطن والوقوف أمام المجتمع الدولي في ظل حركة “#أنا أيضاً” (#MeToo). هناك مجموعة هائلة من الأدلّة التي تُشير إلى أنه لم يحدث الكثير للنهوض بحقوق المرأة حقاً في الجمهورية الإسلامية منذ سنوات.

علاوة على ذلك، تكشف مراجعة أساسية لوضع المرأة في إيران عن قوانين ومجتمع جندري (جنساني) لن يتمّ حلّهما بسهولة، حتى مع وجود امرأة في القيادة العليا للبلاد.

التمييز وعدم المساواة أمام القانون

تُعاني النساء في إيران في ظل نظامٍ من التمييز وعدم المساواة. وتتجلّى هذه الحقيقة في دستور الجمهورية الإسلامية وقانون العقوبات فيها. بناءً على هذا النظام، حرفياً، تُعتَبَرُ حياة المرأة تُساوي نصف قيمة حياة الرجل. في قضايا الضرر، يحق لها الحصول على 50 في المئة مما يُمنَح لنظيرها الذكر. بغض النظر عن إنجازاتها وذكائها، يُنظر إلى شهادتها في المحكمة بشكل قانوني بأقل مصداقية لأنها “تساوي” فقط نصف رجل.

في القضايا المحلية، تَعتَبِرُ المحكمة أن الرجال هم أرباب الأسرة الذين يتمتّعون بسلطةٍ قانونية على زوجاتهم. يُطلَب من المرأة تلبية جميع الإحتياجات الجنسية للرجل، وقد يؤدي رفضها القيام بذلك إلى فقدان مدفوعات “النفقة”، بما في ذلك المأوى والطعام والملابس. يُمنَح الطلاق بسهولة للزوج بناءً على طلبٍ بسيط، لكن يجب على النساء خوض معارك قانونية شاقة قبل أن يتم تحريرهن من الزواج. يتمّ منح حضانة الطفل للرجل على الفور. ويرث الأخوة ضعف ميراث الأخوات، والأرامل من الذكور يرثون ضعف ما ترثه الإناث.

وجدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن التمييز في مكان العمل مُنتَشرٌ على جميع المستويات. يُمكن للمديرين تحديد تفضيل الجنسَين للمُرَشّحين في إعلانات الوظائف للمناصب التقنية والإدارية. من غير المحتمل أن تحصل النساء على وظائف تتطلب السفر لأنهن بحاجة إلى الحصول على إذنٍ من أحد أفراد الأسرة الذكور قبل السفر للعمل أو السياحة.

مع إضفاء الطابع الرسمي على عدم المساواة في القانون، فإن المجتمع يُعامِل المرأة كمواطنة من الدرجة الثانية. يُمنَع دخول النساء في مجالات دراسية مُعَيّنة. وهنّ مُستَبعدات من العديد من الأماكن العامة، كما أنهنّ ممنوعات من الغناء والرقص. وأُغلقت أبواب الملاعب الرياضية في وجه النساء إلى أن أثار انتحار مُشَجِّعة في العام 2019 غضباً عالمياً، ما أدّى إلى لفتة رمزية تتمثّل في الوصول المُنفصل وغير المتكافئ إلى بعض الأحداث الرياضية.

إنعدام الأمان

إن التأثير المُشترَك لهذه المظاهر القانونية والمُمارسات المُجتَمعية هو أن نصف السكان الإيرانيين يعيشون بدرجة من الضعف المنهجي الذي من شأنه أن يُذهل المراقبين الغربيين. ببساطة، إن النساء والفتيات في إيران هنّ عرضةً للعنف والتحرّش، وهذان الأمران ينتشران في كل جانب من جوانب حياتهن.

إن الفتيات والنساء اللواتي يُشتَبه بأنهنّ أَهَنَّ أو أَسَأن لأسرهنّ يُمكن أن يُعاقَبن جسدياً أو يُقتَلنَ من قبل أحد أفراد الأسرة الذكور، غالباً في منازلهن. هناك العديد من الأمثلة على هذا الفساد والإنحراف. في وقت سابق من هذا العام، تم قطع رأس رومينا أشرفي البالغة من العمر 14 عاماً على يد والدها لأنه يعتقد أن لديها صديقاً. قبل أسبوعين، قُتِلَت امرأة في مشهد على يد زوجها في منزلها. ومع ذلك، فإن وصمة العار الإجتماعية والعواقب القانونية التي يتعرّض لها الرجال الذين ارتكبوا جرائم قتل الإناث ليست مهمة نسبياً، وتفتقر إلى أي تأثير رادع ذي مغزى. ونتيجة لذلك، تم تطبيع العنف ضد النساء في الجمهورية الإسلامية.

غالباً ما تُجبَرُ الناجيات من الإعتداء الجنسي على استيعاب التجربة. فهنّ تخشَينَ الإقصاء الإجتماعي وردّ الفعل العنيف من الجاني واحتمال تدهور ظروفهن. على سبيل المثال، في أعقاب الإغتصاب الكارثي لأكثر من 40 فتاة وامرأة في زاهدان، دعا الناجون وأفراد الأسرة الحزانى والغاضبون إلى إجراء تحقيق مناسب في الجرائم لتحقيق العدالة. لكن بدلاً من الموافقة، لم ينكر النائب العام محمد جعفر منتظري الجرائم المزعومة فحسب، بل انتقد إمام الجمعة المحلّي الذي كان يسعى إلى تحقيق العدالة نيابة عن مجتمعه، قائلاً: “كل من أدلى بمثل هذا التصريح … يُمكن مقاضاته بموجب القانون بتهمة تعكير صفو الرأي العام”.

قبل أسبوعين، إنتشر مقطع فيديو مُزعج من إيران، يُصوِّر امرأة غارقة في الدماء، أُطلِقَ عليها منذ ذلك الحين لقب “فتاة عبدان”، وهي تتعرّض للضرب وهي مُثبَتة على الأرض. وفقاً للعديد من المراسلين والنشطاء الذين تحدثوا إلى المرأة في الفيديو، تزعم الضحية بأنها كانت تُعاني من علاقات مؤلمة عاطفية وغير رضائية مع مسؤول في مكان عملها. وبحسب ما ورد، خططت “فتاة عبدان” للتصالح مع عائلة المُتحرِّش بها لوضع حدٍّ للمشكلة. لكن الوضع تحوّل إلى عنف، وكما يظهر في الفيديو، تعرّضت لاعتداء وحشي وللتحرّش من قبل حارسٍ بالزي الرسمي كان من المُفترَض أن يكون هناك لإنهاء النزاع.

في سلسلةٍ من مقاطع فيديو “اعترافي” منسوبة إلى “فتاة عبدان” والتي ظهرت في أعقاب الفيديو الفيروسي، طلبت على ما يبدو من وسائل الإعلام التوقف عن إثارة قصتها، وتقول إنها ستسعى إلى تحقيق العدالة بمفردها. كما يُمكن مشاهدة والدها في مقطع فيديو آخر يُوضّح أن ابنته تُعاني من مشاكل صحية عقلية – ومن الواضح أنه يُشكّك في مصداقية وشرعية ادعاءاتها. منذ ذلك الحين صرّح مسؤولون إيرانيون أنهم احتجزوا الحارس بالزي الرسمي واتخذوا إجراءات تأديبية ضده، لكن لا يمكن التحقق من هذه المزاعم. من الواضح أن شكواها قد ألغيت قبل أن تتمكن السلطات حتى من تقييمها.

بعد ست سنوات من إعدام ريحانة جبّاري، المرأة التي استحوذت على اهتمام العالم لدفاعها عن كرامتها ودفعت الثمن حياتها، لم يتغيّر شيء تقريباً لتحسين سلامة النساء اللواتي عانين من رعب الإعتداء الجنسي. لا يُقدّم نظام التعليم أيّ أمل لأنه يستمر في التقليل من قيمة حياة النساء. بدون قوانين مناسبة أو تغيير اجتماعي لحماية النساء من هذا الظلم، لن تزيد إمرأة رئيسة للبلاد من سلامة وأمن الفتيات والنساء الإيرانيات.

مقايضة العمامة بالحجاب؟

في حالة انتخاب امرأة لمنصب القيادة العليا في البلاد، وهو أمرٌ بعيد الإحتمال، ستنتقل إيران من العمامة التي يُضرَب بها المثل إلى الحجاب. يُمكن للمرء أن يكون على يقين من أن المُرَشَّحة التي لا تؤمن بارتداء الحجاب لن يُسمَح لها بالظهور على بطاقة الإقتراع، ولن تكون قادرة على الدفاع بحرية عن مجتمعٍ خالٍ من الحجاب كجزء من برنامجها السياسي. إن أولئك النسوة اللواتي فعلن ذلك مراراً وتكراراً، فقد تمّ اعتقالهن وكان عقابهن الجَلد والإذلال علناً.

في حين أن البعض قد يختار ارتداء الحجاب كممارسة دينية، فإن هذه القطعة الرمزية من القماش هي تذكيرٌ لجميع النساء بأنهن محرومات من السلطة وتقرير المصير لاتخاذ قرارات الحياة الأساسية لأنفسهن. جميع الخيارات – من الملابس إلى التوظيف إلى قرارات الإنجاب ، وحتى الملذات البسيطة مثل ركوب الدراجة – مُقَيَّدة ومُنَظَّمة من قبل سلطاتٍ يُسيطرُ عليها الذكور.

على الرغم من أن احتمال وجود امرأة رئيسة في إيران قد يبدو مُثيراً، إلا أن الإعلان الأخير ليس أكثر من مجرد لفتة فارغة وليس علامة على تغييرٍ حقيقي. في بلدٍ يعيش نصف سكانه في نظام فصل عنصري بين الجنسين، فإن هذا ليس رمزاً للإصلاح. بينما يُمكن أن تقود امرأة رئيسة إيرانية بلادها افتراضياً وتمثيل مواطنيها على المسرح العالمي، فإنها ستظل تواجه التمييز اليومي والقمع الاجتماعي وانعدام الأمن الجسدي.

  • مَرجان كيبور غرينبلاط هي مُؤسِّسة ومديرة “التحالف من أجل حقوق جميع الأقليات” (Alliance for Rights of all Minorities)، وهي شبكة من النشطاء تعمل على تعزيز حقوق الإنسان في إيران. يُمكن متابعة مَرجان عبر تويتر على:@MarjanKG. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤها الخاصة وتُمثّلها.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى