معضلة الحكومة اللبنانية

بقلم غسان سعادة*

سيطر أخيراً موضوع تشكيل الحكومة على أذهان اللبنانيين ووسائل الإعلام اللبنانية، وهذا الأمر على أهمّيته كان من المُفتَرَض أن لا يحجب عن  الأذهان أو عن وسائل الإعلام الواقع بأن الفساد لا يزال مُستشرياً في الدولة، وان وباء كورونا يزداد انتشاراً وكذلك الفقر، وأن الأمن زاد تفلتاً، والضائقة الاقتصادية تشتدّ، وأن المصارف والبنك المركزي قد سطيا، وما زالا، على مُدّخرات وأموال اللبنانيين، وأن إنفجار المرفأ وما خلّفه من ضحايا ومن تُبُعاتٍ مؤلمة على الإقتصاد اللبناني لا يزال قيد التحقيق ، وأن القضاء في غمرة كل ذلك يقف عاجزاً مُتفرّجاً على ما يُرتَكَب من جرائم بحق اللبنانيين من دون المبادرة الى سجنِ فاسدٍ او مصرفي. إن حجب أو تهميش الواقع وحصر الإهتمام بتشكيل الحكومة لن يُغيّر منه بل سيزيد في تفاقمه، ما يستدعي من اللبناني السؤال عن السبب في أن كل قرارٍ ينبغي أن تتخذه الطبقة السياسية، سواء كان عظيم الأثر أو صغيره، تجعل هذه الطبقة منه معضلة تستوجب الوقوف على آرائهم والإستماع الى اجتهاداتهم التي لا تنتهي وتعكس في النهاية فقط وجهة نظر مصالحهم وغضّ النظر عن القانون أو الدستور.

في موضوع تأليف الحكومة، كما في الكثير من الامور الُمتعلّقة بالحكم والدولة،  الدستور واضح وليس هناك من حاجة إلى الإجتهاد أو التفسير للوصول الى الحلّ، فالدستور ينص: ”يُسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المُكلَّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب إستناداً الى إستشارات نيابية مُلزمة يُطلعه رسمياً على نتائجها”. (الفقرة ٢ من المادة ٥٣ من الدستور). كما جاء أيضاً بالنسبة إلى هذه الجهة: ”مُقرّرات رئيس الجمهورية يجب ان يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة أو الوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او إعتبارها مستقيلة”، (المادة ٥٤ من الدستور). إستناداً إلى ما تقدّم فإن صلاحية تسمية وإصدار مرسوم تكليف رئيس الحكومة محصورة برئيس الجمهورية الذي يعود له مُنفرِداً حق تسمية وإصدار مرسوم تكليف رئيس الحكومة.

نظرياً من المُفترَض بمَن يطرح نفسه مُرَشَّحاً لتولي منصب رئاسة الحكومة أن يكون لديه برنامج عمل يُحدّد فيه ما ينوي القيام به في حال تولّيه هذا المنصب ليعرضه على النواب والكتل النيابية ويطلب منهم الثقة على اساسه. كما من المُفترَض أيضاً أن يكون لكلٍّ من النواب والكتل النيابية أيضاً برنامجاً يناقشون على اساسه المرشح لرئاسة الحكومة، فإذا تلاقت الإرادات على برنامجٍ للعمل تمنحه الثقة وتُسميه، وإن لم تتلاقَ إراداتهم تذهب لتسمية مرشح آخر. هذا هو المفهوم الديموقراطي الطبيعي، إذ أن مَن يرغب بالوصول إلى الحكم يجب ان يكون لديه برنامج عمل يلتزم به، ويعود للنواب والكتل النيابية في المجلس صلاحية محاسبته على أدائه، لا سيما في حال عدم التزامه بالبرنامج الذي تمت تسميته وإعطائه الثقة إستناداً إليه. ولذلك منح الدستور لكلِّ نائبٍ هذا الحق، أي حق محاسبة مجلس الوزراء والوزراء،  فأورد: ”حق طلب عدم الثقة مطلق لكل نائب …“ (المادة ٣٧ من الدستور).

في لبنان الوضع مختلف، فمَن يُرشّح نفسه لهذا المنصب يقول انه مرشح طبيعي من دون ان يكون لديه برنامج مُعلَن، وكذلك يحظى بتاييد نواب وكتل برلمانية من دون ان يكون لهؤلاء النواب او الكتل برامج تطرحها وتناقشها مع المرشح  لتمنحه او لا تمنحه الثقة على أساسها، لأن ما يحصل لا يعدو عن تفاهمات بين المرشح وبين والنواب والكتل على ما درج على تسميته في لبنان بالمحاصصة بين الأطراف المتفاوضة. والدليل على غياب برامج العمل أن لدى المرشحين أو لدى النواب أو الكتل هو عدم طرح أيٍّ من المتقدم ذكرهم لبرنامج يلتزم به. من الطرائف في هذا المجال ما نقلته وسائل الإعلام عن أن احد السياسيين البارزين الذي اعلن عن  رفضه إستقبال مبعوثي احد المرشحين لرئاسة الحكومة وإعلانه انه لن يسميه في الإستشارات، فما كان من المرشح إلّا أن بادر إلى الإتصال برجل السياسة المعني وطمأنه انه سيكون الممثل الحصري لطائفته، وأنه سيحتفظ له بمقعد او مقعدين وزاريين. وهكذا قرر الرجل السياسي أن يُبدّل موقفه ويُسمي المرشح عندما تُستشار كتلته من قبل رئيس الجمهورية، وهكذا تم الإتفاق على التسمية بين المرشح والرجل السياسي، وهذا وفق ما تتناقله وسائل الإعلام.

هكذا تتم الامور في لبنان. ولو سألنا السادة النواب في ما إذا لم يكن لدى المرشح لرئاسة مجلس الوزراء برنامج فعلى أي أساس تمت تسميته؟ وإذا كان قدّم لكم برنامجاً ووافقتم عليه فلماذا لا تتركون له حرية اختيار مَن يشاء أن يتعاون معه في الحكم؟ نتوقع منهم ان يجيبوا، البيان الوزاري الذي سيُدلي به رئيس الوزراء في جلسة الثقة هو برنامجه الذي سنحاسبه عليه، أما مشاركتنا في الحكم فهي ضرورية لمراقبة التزامه بما تم الإتفاق عليه بيننا، كوننا لا نثق بأنه سيلتزم بما تمّ الإتفاق عليه. 

بالمقارنة نرى أن إسرائيل تُخطّط لكي يكون مرفأ حيفا نقطة الوصل بين المتوسط واوروبا والخليج، وتقوم بإنشاء خطوط سكك حديد تصل الى المملكة السعودية والإمارات.  لديها مشروع مد أنابيب الغاز الى اوروبا عبر قبرص واليونان وإيطاليا. إتفاقها مع الإمارات سيجعل من حجم التجارة بينهما ما يقارب الاربعة مليارات دولار سنويً،ا وسيخلق خمسة عشر الف فرصة عمل، بينما لبنان غارق في المحاصصة والطوائف والزعامات ويعزو سبب إنفجار المرفأ الى التلحيم.

إذا كان هذا هو الظاهر من أداء الحكومة في إسرائيل، وأداء حكومات لبنان في العقود الثلاثة الأخيرة، فهل ما زال أهل السياسة في لبنان جادين أنهم بمحصصاتهم وادائهم سيصمد لبنان او يتعافى ليزدهر؟  

  • غسان سعادة هو محام لبناني مقيم في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى