لماذا الآن؟

بقلم راشد فايد*

يوجب الواقع على اللبنانيين ان يشكروا الثنائي الشيعي مرتين: الأولى لعَدَمِ تكراره عملية 7 أيار (مايو) 2008 رداً على “مماحكاتهم” في “حقّه” في شيعية وزارة المال، والثانية لفَضحِ زعمه “عشق” الدولة المدنية، كقناعٍ مُناسب لاستهبال الشركاء في الوطن، وتمرير الهَيمَنة الإيرانية باسم حقوق الشيعة.

في الحالتين، يُعيدُ هذا المُستَجدّ الى الذاكرة استثمار “حزب الله” دحر الإحتلال سنة 2000، في فاتورة داخلية، تأكدت بعد حرب “لو كنتُ أعلم” التي فاجأت نتائجها الأمين العام، السيد حسن نصرالله، نفسه، وسمح له تضخّم الأنا المذهبية حينها بالإدعاء أن المقاومات في العالم تولّت السلطات بعدما انتصرت، وهو أمرٌ غير حقيقي بل كذب، إذ لا يُبرّر تحرير الجنوب (لا يزال الغموض يكتنف خفايا الإنسحاب الإسرائيلي) إرتهان البلاد لسلاح الثنائي، فقائد المقاومة الفرنسية في وجه الإحتلال النازي الجنرال شارل ديغول رفض تولّي السلطة في العام 1946 ولم يترشّح للرئاسة إلا بعد نحو 13 سنة، ليس بوضع اليد، بل باقتراع شعبي.

شنّ الحزب، وحليفه، بعد تصالحهما حملة استلابٍ على الرأي العام. أقنعا جمهورهما بأن الدولة لا تحميه، بل سلاحه، وان “المقاومة” ليست حالة شعبية يستدعيها أي احتلال، بل هي وظيفة قدسية لمجموعة مُعيَّنة (الثنائي الشيعي وحده)، يمكنها استخدامها ستاراً لاعتداءات 7 أيار (مايو) في بيروت والجبل، والإعتداءات الفردية والجماعية على السلم الأهلي، وفرض الثلث المعطل، وإقفال مجلس النواب، واحتلال وسط بيروت، ومنع انتخاب رئيسٍ للحمهورية والمُطالبة بوزارة المال. فالغاية تأبيد السلاح ودوره، حتى لو أُعيدت مزارع شبعا وجوارها الى لبنان، ليتكرّس الحزب قوةً مُسلّحة مُستقلّة عن الجيش اللبناني، الذي يُصبح عندها واحداً من ثلاثة جيوش، منها حرس مجلس النواب، المُدجَّج بالسلاح.

اليوم صارت الحقيقة على المحك. لم يعد الثنائي يقبل بأن يكون صاحب القرار الأول بين مُتوازين، كما حاول أن يفعل منذ تصالح فرعيه. فالمشروع الفارسي يُريد تثبيت وضع اليد على لبنان، ولو بهدف المساومة الإقليمية-الدولية، لاحقاً، لذا لم يستند الثنائي إلى أصوات الحلفاء، بل نقل إلى العلن ما كان موضعَ همسٍ في سراديب الضاحية وأبعد منها، منذ سعى إلى “تعويد” اللبنانيين على قضم سلطة الدولة.

لكن لماذا الآن؟ ببساطة لأن المبادرة الفرنسية تُعيدُ للديموقراطية اللبنانية معناها ومبناها، وكل ما هو من هذا الباب إنهاء للفوضى التي شجّع عليها الثنائي واستغلّها. ولأن استعادة الدولة ينهي الدويلة المذهبية، لم يعد أمام الثنائي إلا الدفع في اتجاه المُثالثة، بالتحايل، والتلويح بالقوة، مرة بوضوح، ومرّات بإيماءات وايحاءات، منسوبة إلى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، نفسه، ومن مقرّه. كل ذلك مؤداه تعليق لبنان على المشنقة  إنتظاراً للإنتخابات الأميركية الرئاسية لتعرف طهران مصيرها وتُساوم عليه بـ”جثّة لبنان”.

لكن المشهد ليس بهذا التبسيط. فالشركاء في ترسيم مستقبل المنطقة، الذي لم تعد تملكه، أكثر من أن يعدوا، ويذكرون بما تلا سقوط السلطنة العثمانية، من تناتش الجغرافية، والتغيير الكامل لخريطة المنطقة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى