التطبيع الإسرائيلي-الخليجي يُعيد الفلسطينيين إلى بداياتهم!

تماماً مثلما تُبرِزُ الصفقات الإسرائيلية-الخليجية المُوقَّعة حديثاً شيئاً كان موجوداً أصلاً بالسر، كانت نهاية الوحدة العربية ضد إسرائيل جارية بالفعل قبل وقت طويل من زوالها الرسمي. لقد عملت الدول العربية بشكل مُطرد على تقليص الصراع مع إسرائيل إلى صراع يشمل الفلسطينيين وحدهم.

 

الرئيس محمد عباس: طريقه بات صعباً

 

بقلم فريدا غيتيس*

عندما انضم مسؤولون من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض لتوقيع اتفاقات ديبلوماسية تاريخية في الخامس عشر من أيلول (سبتمبر)، كان الحدث مليئاً ومُعَبَّأً بالعواقب والتداعيات السياسية المحلية لكل دولة. ولكن أبعد من ذلك – وخارج توقيت الحفل – فإن صفقات تطبيع العلاقات بين الدول الثلاث لها آثار إقليمية كبيرة. وربما من المدهش أن وجود البحرين الصغيرة كان عنصراً حاسماً في زخمها.

ليس من قبيل المصادفة أن يكون ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الزعيمَين البارزَين الوحيدَين في حفل البيت الأبيض لما يُسمى باتفاقات أبراهام. يُريد ترامب، الذي يواجه انتخابات صعبة في غضون ستة أسابيع، انتزاع أكبر قدرٍ مُمكن من الفوائد السياسية من اتفاقات التطبيع. ثم هناك نتنياهو، الذي يواجه مشاكل سياسية حادة في الداخل لدرجة أن الصفقتين، على الرغم من أهميتهما، قد لا تكونا كافيتين لإنقاذه.

بقي ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، وعاهل البحرين، الملك حمد بن عيسى، في الوطن، وأرسلا وزيري خارجيتهما إلى واشنطن نيابة عنهما. كان ذلك تماشياً مع جهودهما لتصوير العلاقات الرسمية مع إسرائيل كجزء من عملية تتفق مع الجهود العربية للضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية.

يُعتبر قرار ملك البحرين الإنضمام إلى دولة الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل أمراً حاسماً، على الرغم من أن المملكة، التي يبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة ومساحتها أقل من 300 ميل مربع، ليست لاعباً رئيساً في الشرق الأوسط. وذلك لأن قرار العاهل البحريني يشحن بشكل كبير خطوة الإمارات المجاورة للإنفصال العلني عن الإجماع العربي، كما كان.

في الشهر الفائت، عندما أكدت الإمارات بشكل خجول بأنها ستُطبّع العلاقات مع إسرائيل، كان كلٌّ من ترامب ونتنياهو يُروّج للإتفاق بشكل لافت، لقد كانت بلا شك لحظة مهمة لهما. ولكن كان هناك احتمال أن يكون الأمر مع دولة واحدة، وحركة منعزلة تُنذر بقليل من التغيير. كان المراقبون الإقليميون قد رأوا بالفعل هذا النمط بعد أن أبرمت مصر السلام مع إسرائيل في العام 1979، ومع ذلك  لم تتغير العلاقات كثيراً بين إسرائيل وبقية العالم العربي.

بمجرد أن اختارت البحرين اتباع خطوات الإمارات العربية المتحدة، أصبح من الواضح أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس مجرد خطوة مُنشَقّة من زعيم إماراتي جريء. من المُحتمل جداً أن يكون جزءاً من اتجاهٍ جديد سيُعيد تشكيل ما كان يُعرف بالنزاع العربي-الإسرائيلي، لكي يصبح، شيئاً فشيئاً، صراعاً بين إسرائيل والفلسطينيين.

يعود الأمر إلى العام 1947، عندما رفض القادة العرب بشكلٍ مُوحَّد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، التي كانت ترزح تحت الإنتداب الذي أدارته المملكة المتحدة منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. عندما أعلنت إسرائيل قيامها في العام 1948، تعرّضت الدولة الوليدة لهجوم فوري من قبل مصر، وما كان يُعرف آنذاك باسم شرق الأردن، والعراق وسوريا ولبنان. إنتصرت إسرائيل، وانتهت الحرب في العام 1949 على خطوط الهدنة التي استمرت حتى حرب الأيام الستة في العام 1967، عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة – اللتين كانتا تحت السيطرة الأردنية والمصرية على التوالي – وكذلك مرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.

لعقود من الزمان، حافظت الدول العربية على المقاطعة التجارية ضد إسرائيل، والتي أجبرت الدول والشركات متعددة الجنسيات مثل كوكاكولا وبيبسي على الإختيار بين التجارة مع العالم العربي أو مع إسرائيل. بعد الهزيمة السريعة في العام 1967، أصدرت جامعة الدول العربية “اللاءات الثلاث” الشهيرة في قمة الخرطوم: “لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل”.

لكن حتى في ذلك الحين، كانت الوحدة العربية مُختَرَقة من خلف الكواليس، حيث كان العاهل الأردني الراحل، الملك حسين، يلتقي سراً بالقادة الإسرائيليين منذ سنوات.

جاء أول خروج علني على الإجماع العربي عندما سافر الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس في العام 1977 وألقى خطاباً مُثيراً في الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي). تبع ذلك اتفاق كامب ديفيد وأول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية، مع تنازل إسرائيل عن سيناء لمصر.

بعد عقدٍ من الزمان، اتّخذ الملك حسين خطوة أخرى غالباً ما يتم تجاهلها في عملية تحويل الصراع العربي-الإسرائيلي إلى شأن إسرائيلي-فلسطيني، عندما تنازل عن مطالبة الأردن بالضفة الغربية، وأعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”. وقع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل في العام 1994، ليصبح ثاني دولة عربية تفعل ذلك، مع تعزيز عملية أوسلو للسلام في ذلك الوقت. ولكن كما هو الحال مع مصر، كان سلام الأردن مع إسرائيل سلاماً بارداً، مع القليل من العلاقات الشخصية.

واصلت الدول العربية الوقوف رسمياً ككتلة عندما عرضت، في العام 2002، على إسرائيل السلام والتطبيع الكامل من خلال مبادرة السلام العربية، مقابل انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي المحتلة منذ العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، من بين شروط أخرى.

لكن الوحدة العربية بدأت تنهار أكثر منذ ذلك الحين، والصبر أخذ ينفد. فقد تعرقلت عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين جرّاء مجموعة متنوعة من العوامل، بينها أن دولاً عربية عدة، بما فيها البحرين والإمارات العربية المتحدة، كانت تسعى سراً إلى علاقات استراتيجية واقتصادية مع إسرائيل منذ سنوات. وفي حين واصلت “حماس” رفض اتفاق دائم يقبل ويعترف بوجود إسرائيل، كان أحد أقوى الأسلحة الديبلوماسية للقيادة الفلسطينية هو دعم الدول العربية.

ومع ذلك، فإن مزيجاً من القلق بشأن إيران وتركيا، والحاجة الملحة إلى تنويع اقتصاداتها لعالم ما بعد النفط، والإرهاق من القضية الفلسطينية أدّت كلها إلى انهيار هذا الصرح، وعلى الأخص في الجانب العربي الذي يُهيمن عليه أهل السنّة من الخليج العربي. وأخذت المقاطعة الإقتصادية لإسرائيل تتفكك فعلياً بشكل مطرد، والآن اختفت واجهة الوحدة العربية.

لقد كسرت الإمارات المُحرّمات، وأظهرت البحرين أن أبو ظبي ليست وحدها. من المرجح أن تحذو المزيد من البلدان حذوهما. ستواصل الدول العربية الضغط على إسرائيل للمصالحة مع الفلسطينيين. الإمارات، على وجه الخصوص، ستصبح الآن أكثر نفوذاً من أي وقت مضى، مع “مَونةٍ” على كلٍّ من إسرائيل والفلسطينيين.

الإتفاقات المُوقَّعة في البيت الأبيض في الأسبوع الفائت هي أكثر وأقل مما هو مُعلَن ومُتوَقَّع. إنها ليست اتفاقات سلام إذن أن الإمارات وإسرائيل والبحرين لم تكن في حالة حرب أبداً. لكنها أقامت علاقات طبيعية، وهو أمر لم تكن إسرائيل قد أقامته بهذا الشكل مع أي دولة عربية، حتى بعد اتفاقات السلام مع مصر والأردن.

فجأة يبدو أن إسرائيل ودول الخليج قد تُشكّل معاً كتلة ضد إيران وتركيا. طهران وأنقرة بدورهما ستقوّيان روابطهما مع “حماس” و”حزب الله”. بالنسبة إلى الفلسطينيين، حان الوقت للعودة إلى البدايات. الإستراتيجية القديمة القائمة على النهج القومي العربي قد ماتت. ولكن ليس هناك الكثير ما يدعو إلى الحزن والحداد، فهي لم تسفر عن أي نتائج.

تماماً مثلما تُبرِزُ الصفقات المُوقَّعة حديثاً شيئاً كان موجوداً أصلاً بالسر، كانت نهاية الوحدة العربية ضد إسرائيل جارية بالفعل قبل وقت طويل من زوالها الرسمي. لقد عملت الدول العربية بشكل مطرد على تقليص الصراع مع إسرائيل إلى صراع يشمل الفلسطينيين وحدهم.

  • فريدا غيتيس هي كاتبة عمود في الشؤون العالمية. وهي منتجة ومراسلة سابقة لشبكة سي أن أن، وهي مساهمة منتظمة في الواشنطن بوست. يُمكن متابعتها عبر تويتر: @fridaghitis.
  • الكاتبة كتبت المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى