“ضَمٌّ هادئ” على إيقاع التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي

بقلم لورَنزو كامل*

إن إعلان إدارة دونالد ترامب في 13 آب (أغسطس) عن قيام الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يُكافئ الدولة العبرية على إعلانها العلني عن “تجميد” عملية ضمّها أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، التي تُعارضها الغالبية العظمى من المنظمات الدولية وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقريباً. إن الإطار المُجزي والمُكافىء يُشكّلُ سابقة خطيرة على الصعيدين المحلي والدولي. إنه يبعث برسالة واضحة: إن تحدّي الإجماع الدولي على المستوطنات أو وضع القدس أو أي جانب آخر مرتبط بالنزاع يُمكن أن يصبح، في الوقت المناسب، أداة مساومة مُفيدة للحصول على مزايا سياسية واقتصادية استراتيجية.

لفهم الآثار المترتبة على هذه الجوانب والنواحي بشكل أفضل، يجب أن نبدأ بتأطير السياق الأوسع: الأرض الفلسطينية المحتلة هي المنطقة الوحيدة في العالم التي يعيش فيها ملايين المدنيين لأكثر من خمسين عاماً بدون دولة مُعتَرَف بها رسمياً أو جنسية لأي دولة. للفلسطينيين الحق الكامل في التغلب على هذا المأزق القانوني، والنضال من أجل الحصول على حقوق مُتساوية. ونظراً إلى أن التعليق المزعوم للضم الإسرائيلي لن يُغيّر أو يؤثر في التحديات التي طال أمدها التي يواجهها الفلسطينيون، فإن هذا السياق هو حتى أكثر صلة بالموضوع.

قامت حكومة بنيامين نتنياهو بتعليق عملية الضمّ، علنياً، لأنه من الأنسب للسلطات الإسرائيلية أن تُواصل السعي إلى “الضم الهادئ” بدلاً من الضم الرسمي (وإن كان انتقائيا). لقد عانى الفلسطينيون من “الضم الهادئ” الإسرائيلي لعقود، وستواصل إسرائيل هذه العملية من خلال وسائل متعددة، مثل الحرمان من الوصول العادل إلى المياه، ورفض 98 في المئة من طلبات تصاريح البناء الفلسطينية في “المنطقة ج” في الضفة الغربية، وإدامة الأنظمة القانونية المزدوجة، حيث يخضع المستوطنون اليهود للقانون المدني الإسرائيلي ويخضع الفلسطينيون للمحاكم العسكرية التي يبلغ معدل الإدانة فيها ما يقارب ال100٪. ستواصل السلطات الإسرائيلية أيضاً الإستفادة من الموارد الفلسطينية: حوالي 94 في المئة من المواد التي تُنتجها المحاجر والمقالع الإسرائيلية في الضفة الغربية اليوم يتم نقلها إلى إسرائيل، ويتم دفن جزء كبير من النفايات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وستستمر هذه السياسات، وعددٌ كبير من السياسات المماثلة، مع أو بدون تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، أو أي دولة عربية أخرى.

الإمارات العربية المتحدة هي أول دولة خليجية وثالث دولة عربية – بعد مصر في العام 1979 والأردن في العام 1994 – تُعلن عن علاقات نشطة مع إسرائيل. يخضع مواطنو الإمارات – الذين يقل عددهم عن مليون نسمة – لرقابة شديدة على حرية التعبير، وبالتالي من الصعب قياس مشاعرهم الحقيقية تجاه هذا التحوّل التاريخي في السياسة. هذه الصفقة التاريخية، مثل “صفقة القرن” التي أعلنتها إدارة ترامب في كانون الثاني (يناير) 2020، لا علاقة لها بالضفة الغربية أو الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهي على الأرجح مدفوعة بأهداف السياسة المحلية والإقليمية لكل دولة.

إن وقف الضم الرسمي له فوائد عديدة لإسرائيل – مثل فتح الباب أمام الطاقة الجديدة والتكنولوجيا وفُرَص السياحة بين الإمارات وإسرائيل – ولكن الأهم من ذلك أن وقف هذه العملية يُطيل من قدرة إسرائيل على التظاهر والإدّعاء بأن احتلال الضفة الغربية مؤقت. ولا يزال هذا الأمر يحمي الدولة العبرية من التوضيح للمجتمع الدولي ولكل الأطراف المعنية، ما إذا كان وجودها وراء خطوط 1967 يُمثّل احتلالاً أم لا. إن التعبير عن موقفٍ رسمي من هذه المسألة يعني أن السلطات الإسرائيلية ستكون مُستعدّة أخيراً لتحمّل المسؤولية عن ملايين المدنيين الخاضعين لسيطرتها بالكامل أو في غالبيتهم. في الواقع، إذا كان الوجود الإسرائيلي لا يُشكّل احتلالاً، فلا يُمكن للفلسطينيين الإستمرار في الخضوع لقوة عسكرية، على حد تعبير المحامي الإسرائيلي إيال بنفنستي، “أنشأت حكومة عسكرية مُميّزة على المناطق المحتلة وفقاً لإطار قانون الإحتلال”. إذا كان وجود إسرائيل وراء خطوط 1967 يُشكّل احتلالاً، فيجب عليها أن تبدأ تطبيق أحكام إتفاقية لاهاي الرابعة والإلتزام بها، بما في ذلك حظر نقل وانتقال المدنيين إلى الأراضي المحتلة.

إن عملية التطبيع بين إسرائيل والإمارات – والتي تشمل صفقات أسلحة وتبادل خدمات المخابرات مع إسرائيل – تُمكّن الدولة الخليجية من زيادة نفوذها الإقليمي. بموجب هذه الإتفاقية، يُمكن لأبو ظبي، المتورّطة في حرب اليمن، تعزيز سمعتها في واشنطن، ومواجهة النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، وزيادة فرصها في الوصول إلى أسلحة متطورة أميركية الصنع – بما فيها المقاتلة النفاثة الشبح “أف-35” (F-35). إن قدرة الجيش الأميركي على إنتاج الأسلحة المتقدّمة تُمكّنه من تزويد حلفائه في الشرق الأوسط – إسرائيل أولاً وقبل كل شيء – بميزة تكنولوجية على جميع الجيوش الأخرى في المنطقة.

في مواجهة هذه التحديات الإقليمية والمحلية، أصبحت القيادة الفلسطينية، مرة أخرى، مُتفرّجاً سلبياً – ولكنها أيضاً غير تمثيلية ومُستبدّة – أمام التحوّلات الجيوسياسية التي ستُشكّل مستقبلها. في غضون ذلك، ستعمل السلطات الإسرائيلية على تعظيم “الضم الهادئ” المستمر مع الضغط في الوقت عينه على الإتحاد الأوروبي لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، ودفع قطر لمواصلة تقديم ملايين الدولارات للحفاظ على قطاع غزة على قيد الحياة. ومن جهتها، ستُواصل دول الخليج إستخدام السياق الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل متزايد لتعزيز مصداقيتها الإقليمية.

في ضوء هذه التطورات الأخيرة، سيعمل العديد من النشطاء وصناع القرار على تعزيز الحلّ القائم على الحقوق للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال إطار دولة واحدة. ومع ذلك، فإن إعادة تعريف حق الفلسطينيين في تقرير المصير وتحويل التركيز بعيداً من إقامة دولة ليس وهماً إلى حد كبير فحسب، ولكنه أيضاً مقامرة محفوفة بالمخاطر. وعلى حد تعبير رجل الأعمال الفلسطيني سام بحور، في اللحظة التي يتحوّل فيها النضال إلى حقوق مدنية بحتة، “تنتهي اللعبة – حتى لو استمر النضال من أجل الحقوق المدنية الكاملة لمئة عام أخرى”. إن أي حل قائم على الحقوق للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني سيفشل في إحداث تغيير حقيقي، ويُمكن أن يُعزّز ديناميكيات ضارّة غير مقصودة، إذا لم يكن مُتجذّراً في ضرورة تعزيز حق تقرير المصير للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

بدلاً من ذلك، قد يكون تأمين الإعتراف بالدولة الفلسطينية – المُكوَّنة من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة – من قبل جميع الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، أكثر فعالية. يجب أن تقترن هذه المبادرة بتركيز أكثر دقة على “أجندة التمايز” وفرض عقوبات إقتصادية وسياسية صارمة ضد أي جهة فاعلة غير مُستعدة أو لا تريد الإمتثال للقانون والإجماع الدوليين. في حين أن أياً من هذه الإجراءات يُمثّل في حدّ ذاته وصفة للسلام، فإن كلاً منها يُشكّل خطوة ضرورية في هذا الإتجاه.

  • لورنزو كامل هو أستاذ مشارك في التاريخ في جامعة “تورين” الإيطالية، وهو أيضاً مدير الدراسات البحثية في معهد التجارة الدولي. يمكن متابعته عبر تويتر على: @lorenzokamel.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى