العالمُ أمامَ خمسةِ تحدّيات أحلاها مُرّ

بقلم كابي طبراني

يكشف “تقرير المخاطر العالمية 2020″، الإصدار الخامس عشر للمنتدى الإقتصادي العالمي، الذي صدَرَ أخيراً، أن العالم يُواجه 5 تحديات رئيسة: النَزعات القومية والشَعبوية، تفاقم الظروف الإقتصادية وتفاوت الدخل، التغيّرات المناخية السريعة، تقنيات العصر الرقمي والأوبئة.

المدّ المُتصاعد للشعبوية والقومية دُفِعَ من قبل بعض القوى السياسية الدولية لتشكيل توازنٍ جديد للقوى من خلال تبنّي نهجٍ أحادي الجانب قائم على المواقف الوطنية لتحقيق مجموعة من الأهداف التي من شأنها أن تؤدّي إلى مشهدٍ عالمي جيوسياسي تنافسي مُضطَرِب يُهيمن عليه بالكامل، ويُسيطر، ملوك المال ودعاة الحرب والإقتصاديون والسياسيون الذين يسترشدون بأجندات مُعيَّنة.

إن هذا المدّ المُتصاعد لا يُهدّد فقط بتقويض قدرة المجتمع الدولي على التخفيف من حدة النزاعات والصراعات العسكرية، ولكنه يحدّ أيضاً من قدرة البلدان على مواجهة التحدّيات الإقتصادية والتكنولوجية والبيئية العالمية الأكثر إلحاحاً. على سبيل المثال، لا يزال المجتمع الدولي مُنقَسِماً بشأن مكافحة تغيّر المناخ. لقد أصبحت منطقة القطب الشمالي نقطة جذب للعديد من البلدان التي تتنافس على الهيدروكربون والمواد الخام والمواقع الاستراتيجية ومصايد الأسماك.

أما التهديد الثاني فهو الأداء الإقتصادي السيئ للعديد من البلدان، حيث يواجه الإقتصاد العالمي ركوداً نتيجة للحواجز التجارية والإستثمارات المُنخفضة والديون الخاصة والعامة الضخمة في جميع أنحاء العالم، والتي خلقت جميعها حالة من عدم اليقين. لذلك، قد تؤدي الحرب التجارية وتدهور الثقة في المناخ إلى مزيد من التباطؤ في الإقتصاد العالمي. إن التفاوت في فجوة الدخل في العديد من البلدان قد إزداد، ووصل إلى مستويات تاريخية في بعض البلدان، حيث يحصل أقل من 1 في المئة على معظم الثروة. هذا بالطبع سيكون بمثابة زنادٍ، عاجلاً أم آجلاً، يُثير الغضب والإحباط بين أفراد المجتمع، ما سيؤدي إلى مظاهرات وثورات.

علاوةً على ذلك، فإن معدلات الفساد آخذة في الإزدياد والتضخم يرتفع أيضاً. وقد يؤدي عدم المساواة إلى اضطرابات إجتماعية واسعة النطاق تُلقي بظلالها على الإستقرار السياسي للدولة، وتُثبط عزيمة المُستثمرين. وبالتالي، فقد كان لتغيّر المناخ بعض التداعيات المُدمّرة، والتي ستزداد أضعافاً مضاعفة بمرور الوقت، مع العديد من الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والجفاف. إن تغيّر المناخ يؤدي إلى انقراضِ العديد من أنواع الحيوانات والنباتات. من المرجح أيضاً أن تنخفض المحاصيل الزراعية في العديد من المناطق، وسيضرب الجفاف العديد من البلدان، ما يؤثر في الأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم بحلول العام 2050.

يعتقد بعض الخبراء في مجالات الدفاع والإستخبارات أن مثل هذه التغييرات الكبيرة في المناخ ستكون مُقدّمة لصراعات عسكرية حيث سيحاول الكثيرون حماية أنفسهم ومصالحهم وتأمين موارد المياه والغذاء للأجيال المُقبلة. وبالتالي، ينبغي على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي العمل الآن قبل فوات الأوان للتحوّل إلى الطاقة الخضراء وإنقاذ طبيعتنا من التلوّث والأخطار التي تسبّبت في وفيّات مجهولة العدد وأوبئة غير معروفة.

العالم الآن في عصر الثورة الصناعية الرابعة، حيث يستخدم أكثر من 50 في المئة من سكان العالم الإنترنت، وينضم ما يقرب من مليون شخص إلى الإنترنت كل يوم، ويمتلك ثلثا سكان العالم جهازاً محمولاً. يجب على كل دولة أن تُدرك أن التقنيات الجديدة الثورية تعمل بطريقة دراماتيكية لإعادة تشكيل الإقتصادات والمُجتمعات. إن التقنيات والشبكات الرقمية تُحقّق بالفعل فوائد اقتصادية واجتماعية للعديد من سكان العالم، ومع ذلك فإن لها عواقب غير مقصودة قد تكون مُدمّرة، وتُساهم في إعاقة النمو الإقتصادي، وتفاقم المنافسات والعداوات الجيوسياسية، وتزيد من انقسام المجتمعات بسبب النقص الحالي في قوانين الحَوكمة في التكنولوجيا العالمية والأمن السيبراني.

في الآونة الأخيرة، إزدادت هجمات القرصنة الإلكترونية على الأفراد والشركات، وبدأت الحرب الإلكترونية على المراكز الحكومية والبنية التحتية في الظهور كامتداد للحرب العسكرية. من ناحية أخرى، تُهدّد تقنيات التجسّس خصوصية الناس، وقد يتحوّل بعض الحكومات إلى الإستبدادية البائسة المُطلقة. ويزداد التحدّي مع التقنيات الثورية الجديدة، والتي من المتوقع أن تُوسّع الفجوة بشكل كبير بين الدول الغنية، التي تمتلك رأس المال والخبرة للمشاركة والإنخراط في المنافسة التكنولوجية عالية التقنية، والدول الفقيرة التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى في العصر الرقمي.

التحدّي الخامس الذي يواجه البشرية والعالم هو الأوبئة، وآخرها “كوفيد -19″، الذي تسبب في خسائر بشرية ومالية واقتصادية فادحة في جميع البلدان. لقد أظهرت جائحة فيروس كورونا بوضوح أن النُظُم الصحية في العالم لا تزال غير مُجَهّزة للتعامل مع تفشّي الأوبئة المُستَجدّة، كما أنها ضعيفة في احتواء نتائجها وتداعياتها الإجتماعية والإقتصادية. إن عدم وجود تعاون دولي لإيجاد لقاحات للقضاء على مثل هذه الأوبئة يُقوّض التقدّم البشري ضد الأوبئة. نتيجة لذلك، ينهار الإقتصاد العالمي حيث يؤثر في 99 في المئة من سكان العالم، باستثناء واحد في المئة الذين تتزايد ثروتهم وفقاً لذلك، بغض النظر عن التطورات أو المشاكل التي تواجهها البشرية.

  • كابي طبراني هو رئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى