تركيا وقطر: إلى متى يدوم هذا الحب؟

هناك كلامٌ كثير يدور في واشنطن حول التحالف الثنائي التركي-القطري وهدفه، وبعض السياسيين هناك يُطالب بمحاسبة قطر على عدم التزامها بالعقوبات الأميركية، إن بالنسبة إلى إيران أو تركيا، فيما يغض آخرون الطرف عن هذا التحالف بحجة المصالح المشتركة. ولكن هل هذا سيدوم؟

إفتتاح مقر القيادة العسكرية التركية – القطرية في الدوحة

 

بقلم بوراك بكديل*

قلّةٌ من القطريين الذين قاتلوا المُستَعمِرين العثمانيين للحصول على استقلالهم في العام 1915، وإنهاء الحكم التركي الذي استمر في شبه الجزيرة 44 عاماً، كانت تتصوّر أن أحفادها سيُصبحون يوماً أقرب الحلفاء الاستراتيجيين لتركيا.

قطر، الإمارة الصغيرة الثرية جداً، لديها دستورٌ قائمٌ على الشريعة الإسلامية، في حين أن دستور تركيا علماني تماماً (رسمياً، إن لم يكن في الممارسة). في قطر، يُعَدُّ الجَلد والرَجم – اللذان لا يُمكن التفكير فيهما في تركيا – أشكالاً قانونية للعقاب. الردّة في قطر تُعَدُّ جريمة يُعاقَب عليها بالإعدام، بينما في تركيا لا تُعتبَر جريمة جنائية.

لكن القرابة الإيديولوجية بين البلدين المُسلمين السنّيين، التي تقوم على الدعم السياسي الحماسي لحركة “حماس” ولجماعة “الإخوان المسلمين” (والكراهية الدينية لإسرائيل)، يبدو أنها أسفرت عن رابطة باتت تُهدّد المصالح الغربية.

في العام 2014، وقّعت تركيا وقطر إتفاقية أمنية استراتيجية أعطت أنقرة حقّ إقامة قاعدة عسكرية في الدولة الخليجية، والتي هي أصلاً موطن أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط (قاعدة العُديد). نقلت تركيا بعدها حوالي 3,000 جندي بري إلى قاعدتها القطرية بالإضافة إلى وحداتٍ جوية وبحرية ومُدرّبين عسكريين وقوات العمليات الخاصة.

في العام 2017، في دراما سنية-سنية في الخليج، فرض تحالفٌ مؤلّفٌ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، حصاراً على قطر مُتّهماً إياها بدعم الإرهاب وتعزيز العلاقات مع القوة الشيعية المنافسة، إيران. سارعت تركيا على الفور إلى مساعدة قطر، وأرسلت سفن شحن ومئات الطائرات المُحمَّلة بالأغذية والإمدادات الأساسية لكسر الحصار. كما نشرت أنقرة المزيد من القوات في قاعدتها العسكرية في قطر في لفتةٍ تُشير إلى أنها ستساعد على حماية البلاد عسكرياً.

العام 2018 كان عام تسديد الدين من قبل الإمارة الخليجية الصغيرة. تعهّدت الدوحة باستثمار 15 مليار دولار في البنوك والأسواق المالية التركية عندما فقدت العملة الوطنية التركية 40٪ من قيمتها مقابل العملات الغربية الرئيسة في مواجهة العقوبات الأميركية. بعبارة أخرى، كان أحد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يساعد مالياً حليفاً آخر للولايات المتحدة على تجنّب العقوبات الأميركية.

أعقب الجميل القطري للأمة التركية هدية ضخمة لقائدها عندما أهدى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طائرة “بوينغ 747-8″، أكبر وأغلى طائرة خاصة في العالم، والتي يبلغ ثمنها حوالي 400 مليون دولار.

وأثمرت علاقة الحب التركية-القطرية نتائج جيدة في مجال التعاون في صناعة الدفاع أيضاً، خصوصاً بعد الإعلان عن تأسيس مجلس تعاون بين البلدين في 19 كانون الثاني (يناير) 2015 يُسمى “مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى”. واشترى صندوقٌ استثماري قطري حصة 49٪ في شركة “بي أم سي” (BMC)، وهي شركة تركية مُصَنِّعة للمركبات المدرعة، وشركاؤها الأتراك معروفون بكونهم من حاشية أردوغان. في نتيجة مناقصة لم تُفاجئ أحداً، فازت “بي أم سي” بعقد الإنتاج التسلسلي لـ”ألتاي” (Altay)، دبابة القتال الرئيسية التركية من الجيل التالي التي كانت في طور التكوين. بموجب الصفقة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، ستنتج الشركة في نهاية المطاف أكثر من 1,000 دبابة “ألتايز”. (وفي خطوة مثيرة للجدل، خصصت حكومة أردوغان أيضاً منشأة دبابات يديرها الجيش لشركة بي أم سي). في واحدة من العديد من صفقات صناعة الدفاع، وقّعت “هافيلسان” (Havelsan)، وهي شركة برمجيات عسكرية تسيطر عليها الدولة في أنقرة، اتفاقية شراكة مع شركة “المسند القابضة” في قطر لمشروع مشترك متخصص في حلول الأمن السيبراني للإمارة.

إلى الآن كل شيء سار بشكل جيد. لكن الإختلالات الإقتصادية الأساسية في تركيا مُستمرة، ومن المرجح أن تتفاقم في فترة ما بعد وباء كورونا. ومن المتوقع أن يصل معدل البطالة، الذي كان رسمياً 13.6٪ في شباط (فبراير)، إلى 17.2٪ بنهاية العام. وقد انخفضت قيمة العملة الوطنية بشكل حاد كما حدث خلال أزمة 2018: لقد تم تداول الدولار الأميركي الواحد ب7.26 ليرات تركية في منتصف أيار (مايو) 2020 بعدما كان يُتداول ب3 ليرات في أيلول (سبتمبر) 2016. بعد ارتفاعٍ بنسبة 20 ٪ في غضون عام، بلغ إجمالي التزامات تركيا من العملات الأجنبية 300 مليار دولار (صافي المطلوبات الأجنبية 175 مليار دولار). تسبب سوء الإدارة والجهود المُلطِّفة لإبقاء الليرة طافية في قيام البنك المركزي التركي بحرق وصرف احتياطات 65 مليار دولار منذ كانون الثاني (يناير) 2019.

من أجل إيقاف انزلاق الليرة وتزويد البنوك التركية بالسيولة الأجنبية التي تحتاجها، سعى البنك المركزي بشكل يائس ولكن غير ناجح إلى اتفاقات مبادلة/مُقايضة العملات مع الاقتصادات الكبرى في العالم، بما في ذلك مع بنك الإحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك اليابان، و بنك إنكلترا. (خط مقايضة العملة هو اتفاق بين بنكين مركزيين لتبادل العملات، تم إعداده لتحسين ظروف السيولة وتوفير التمويل بالعملة الأجنبية للبنوك المحلية خلال فترات ضغوط السوق).

يأتي كل سوء الحظ المالي هذا في وقتٍ يستعد فيه الإقتصاد التركي لمزيد من التدهور بسبب العقوبات الأميركية المُحتَملة. لقد حذّرت واشنطن من فرض عقوبات على أنقرة كجزء من “قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال قانون عقوبات” (CAATSA) لحيازتها نظام الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى “أس-400” (S-400) الروسي الصنع. وستدخل العقوبات حيز التنفيذ إذا قامت أنقرة بتفعيل النظام الروسي. بالإضافة إلى ذلك، هددت محكمة أميركية بفرض عقوبات على مليارات الدولارات لبنك الإقراض الحكومي التركي، “هالك بنك” (Halkbank)، بسبب التهرب من العقوبات الأميركية على إيران. إذا دخلت تلك العقوبات حيّز التنفيذ، فقد تتحوّل المشاكل الاقتصادية التركية إلى أزمة مالية / سياسية قائمة ستُهدّد أردوغان.

عرف أردوغان إلى أين يلجأ للمساعدة. أعلن البنك المركزي التركي في 20 أيار (مايو) أنه ضاعف ثلاث مرات اتفاقية مبادلة/مقايضة العملات مع قطر، مما يعني أنه حصل على تمويل بالعملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها. وقد رفعت الصفقة حد المبادلة لعام 2018 البالغ 5 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار، وعزّزت على الفور وضع الليرة التركية.

مرة أخرى، سارعت قطر حليفة الولايات المتحدة لتقديم مساعدة مالية لتركيا حليفة الولايات المتحدة لمساعدتها على الصمود في وجه العقوبات الأميركية. تماماً كما فعلت في العام 2018، عندما أحبطت قطر جزئياً تأثير العقوبات الأميركية على أنقرة.

هل قطر هي حليفة لأميركا أم لا؟ يبدو أنها ليست كذلك.

  • بوراك بكديل مُحلّل سياسي مُقيم في أنقرة وزميل في منتدى الشرق الأوسط. @Bekdil
  • كُتِبَ هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى