حكومةٌ لتَرميمِ وطنيةِ الحزب

بقلم راشد فايد*

يقول نائب رئيس مجلس النواب الحالي إيلي الفرزلي في مذكراته الدسمة، “أجمل التاريخ كان غداً”، إنه كان عراب استقالة الرئيس عمر كرامي في أعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وانه أبلغ اقتراحه هذا الى رستم غزالي، رجل الوصاية السورية، ومن مكتب الأخير اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد مُلخّصاً الواقع الحكومي يومها بالقول: لا يَسَع الحكومة أن تستمر. ولا تقدر على أن تكمل.

مشهد الرئيس الفرزلي خارجا من بيت الوسط، قبل أسبوع، يُذكّر، بإلحاح، بما حدث في 2005 بعيد الإغتيال الكبير. صحيحٌ أنه جزءٌ من لوحة تختلط فيها الإجتماعات الثنائية، بتزاور الديبلوماسيين العرب والأجانب، ممن لدولهم وزنٌ وقرار، لكن الصحيح أيضاً أن حكومة كرامي واجهت أزمة وطنية أكبر منها، ولم يدَّعِ رئيسها القدرة على مواجهتها، بل بادر الى تقديم استقالته في جلسة مجلس النواب على وقع الإحتجاجات الشعبية.

أما حكومة حسان دياب فهي تتبرّأ من عجزها برمي المسؤولية على الماضي، وكأن رئيسها واعضاءها كانوا موعودين بأن يُشكّلوا حكومةً في لينشنشتاين. كان لكرامي من العنفوان ما أقنعه بترك السراي غير نادم، على عكس الرئيس الحالي المُستَحدَث الذي لم يُلاحظ، بعد، ان الندب الذي امتهنه منذ دخوله جنّة الحكم، لن يُنقذَ لبنان، وان المئة وخمسين يوماً وما فوق، كافية لحكومة تكنوقراط لتتفتّق أذهان وزرائها عن خريطة طريق لحلولٍ مُبدعة؟ الواضح ان بلادة الحكومة، وعجزها دفعتا الفرزلي الى “وقاحة” طارئة على سلوكه السياسي سمحت له بمناشدة دياب ان “يذهب”.

لكن ما يستعجل “اعادة النظر في التركيبة الحكومية” ليس الوضع الداخلي وحده، بل ما يعتمل في المنطقة ويُحضَّر لها، ومنه “صفقة القرن”، على حساب منطقة العرب، التي تنهش فيها، الى اسرائيل، ايران وتركيا، وتتكالب عليها.

الحاجة الى تغيير الحكومة تستشعرها كل القوى السياسية لكن العقدة اليوم أو غداً، لم تعد تُمارى: إنها سلاح “حزب الله”، ودوره الإقليمي والداخلي. فالتغاضي عنه، بحجة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، لم يعد مقبولاً، بعدما تحوّل الى سلاح قهر واحتلال في سوريا والعراق واليمن، وسلاح غدر، قبل ذلك، في الكويت وغيرها، وطبعا في بيروت والجبل، حتى صار التسامح مع السلاح، أشبه بتربية ذئب لا يُعرَف موعد غدره، أو بتنافس طرفين واحد يعتقد ان السياسة كلعبة الشطرنج، والآخر يمارسها كلعبة مصارعة.

لا يُخطئ مَن يعتقد اليوم، ان تغيير الحكومة ليس سوى للتعمية على الأزمة، وعلى سطوة السلاح، وليست تسمية الحريري سوى توريطة جديدة تُسبغ الوطنية على الحزب، وحليفه “العوني”. فلقد “اتسع الفتق على الرتق”، ولم يعد التغابي مُتاحاً. ولا تبدو المعطيات المحلية والإقليمية مؤاتية لتمرير نكتة الاستراتيجية الدفاعية، كغطاءٍ شرعي للسلاح الإلهي. فهذه طواها الزمن، بعدما أضاع السلاح هويته، ولم يعد سلاح مقاومة بينما يُستخدَم لصيد العصافير.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fayed.annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى