إخراج صندوق النقد الدولي من بيروت: الدرسُ القذر!

بقلم البروفسور بيار الخوري*

هل وَصَلت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي الى الحائط المسدود؟

تُذكِّرنا اللحظات الحرجة التي تمرّ بها المفاوضات بين الحكومة اللبنانية مع هذه المنظمة المالية الدولية بتلك التي عبّر عنها بغضب المندوب الفرنسي لمؤتمر المانحين في “سيدر”، بيار دوكان، أو تلك التي كتبها رئيس مجموعة العمل الأميركية الخاصة بلبنان، إدوارد غابرييل، قبل اندلاع إنتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

إن استقالة مستشار الحكومة اللبنانية لشؤون التفاوض مع الصندوق، هنري شاوول، والتي تَبعتها استقالة المدير العام لوزارة المالية، ألان بيفاني، وبالإضافة إلى المقابلة التي أدلى بها المستشار الإقتصادي لرئيس الجمهورية، شربل قرداحي، لموقع “فوربس” العربي، تُعتبَر كلها إشاراتٍ سلبية وإعلانَ نعيٍ غير رسمي للمفاوضات. كلامُ مستشار الرئيس اعترف صراحةً بالقوة الراجحة لأخصام الخطة الإقتصادية والتفاوض على قاعدتها مع المنظمة المالية الدولية.

الصندوق الذي اعتبر أن الخطة الإنقاذية للحكومة تُعتبَر أساساً صالحاً للتفاوض (وهذا لا يعني الموافقة على الخطة بل على المقدمات التي تسمح باللجوء الى مساعدة الصندوق)، تصرَّفَ بشكل غير مُعتاد في سياق المفاوضات، إذ لا زال ينتظر أن يُقدّم له اللبنانيون خطةً ناجزة تُعتَبَر اساساً للتفاوض. في مثل هذه المفاوضات، عادةً ما يتقدّم الصندوق برؤيته للحلّ من خلال رأيٍ استشاري، أو برنامجٍ للتكييف الهيكلي يعرضه خبراؤه على الدول التي تطلب المشورة، أو الدخول في برامج تكييف مع المنظمة المالية الدولية.

لماذا حصل ذلك؟ هل لأن الصندوق لا يعتبر نفسه مُستَعجلاً؟ فلبنان ليس اليونان ولا البرازيل ولا تركيا، وانهياره لن يؤثّر في أيّ بنكٍ عالمي، أو أية دولة دائنة للبنان. إن ديون لبنان الدولية مبنية في جزر معزولة عن الحواضر المالية الدولية، ولن تكون لانهياره أيّ انعكاسات على النظام المصرفي الدولي.

يبدو خبراء صندوق النقد الجالسون بهدوء قرب نهر البوتوماك في واشنطن كالمراقب بدهشة: ألا يعرف اللبنانيون ما المطلوب منهم؟ أم يعرفون ولا يُبالون؟ يستغرب هؤلاء كيف أن لبنان لم يُقدِم بعد على أي خطوة إصلاحية لا تحتاج الى اتفاق مع الصندوق أو غيره!

وبالنسبة إلى الصندوق فهو يعتبر أن توحيد أسعار الصرف أمرٌ لا يحتاج إلى أيّ إطار مع الخارج، وهو وحده الكفيل بالقضاء على تفلّت السوق السوداء. كما هي الحال مع تطبيق “كابيتال كونترول” حقيقي وشامل وغير استنسابي للحفاظ على ما تبقى من العملات الصعبة لدى البنك المركزي. وتبقى الطامة الكبرى… توحيد الأرقام! هل ينتظر اللبنانيون أن يقوم الصندوق بتوحيد أرقامهم؟ أم هم مستعدون للقبول برقم تسووي سحري يطرحه الصندوق في نهاية الطريق شرط حفظ مصالحهم؟ هناك سياقٌ واضح يسعى إلى الحل بالتضخم من خلال طبع العملة وزيادة الكتلة النقدية الحرجة (M0)، والتي تؤدي للزيادة الخيالية للمستوى العام للأسعار.

كأن اللبنانيين يتعاملون مع أُحجية في صفّ رياضيات، والأستاذ يجلس ويتفرّج بانتظار انتهاء الحصّة حيث يتقدم أخيراً بالحلّ الذي لم يخطر ببال أيّ تلميذ: بيع أملاك الدولة بديلاً من الإصلاح الهيكلي.

في واحدة من اسوأ قذارات دروس التاريخ، يتحوّل صندوق النقد الدولي الى حامٍ لاستقرار الدولة في المدى البعيد، وحامٍ لعدالة توزيع الخسائر بين الطبقات الإجتماعية واللاعبين الاقتصاديين، ويتحوّل اللبنانيون الى جلّادين خاصين لمستقبلهم.

هل من قطبة مخفية لهذه البلادة والتعنّت؟ وهل المطلوب تحميل لبنان المزيد من الأعباء والأثمان، ورَهن المستقبل بانتظار شاطئ ما؟ كل شيء يشي بذلك.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وخبير إقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى