الدول الخليجية قد تُعارِضُ الضمّ الإسرائيلي، لكن يبدو أنها ساعدت على ذلك!

يتهيّأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإعلان عن ضم بعض الأجزاء من الضفة الغربية في أوائل تموز (يوليو) المقبل، على الرغم من معارضة الإتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية، بما فيها الخليجية لذلك.

 

السفير يوسف العتيبة: حذّر من عملية الضمّ ولكن…

 

بقلم إليزابيث تسوركوف*

في 12 حزيران (يونيو)، ظهر مقالٌ غير عادي على صفحات صحيفة “يديعوت أحرونوت” الشعبية الإسرائيلية، كتبه يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن. في المقال، وصف العتيبة بإسهاب خطوات التطبيع المعروفة التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، وحذّر من أن الضم الإسرائيلي للضفة الغربية “سيُقوّض بالتأكيد وعلى الفور التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والإقتصادية والثقافية مع العالم العربي ومع دولة الإمارات بشكل خاص”. إن قادة دول الخليج العربي ينتقدون الآن محاولة تنفيذ رؤية اليمين الإسرائيلي، التي تهدف إلى منع إقامة دولة فلسطينية. لكن سياسات هذه الدول بالضبط، من خلال تطبيع علاقاتها مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، هي التي ساهمت بشكل مباشر في صعود اليمين الإسرائيلي وجعلت هذا الضم أكثر احتمالاً.

خلال العقد الفائت، قامت دول الخليج العربي بتحسين العلاقات مع إسرائيل. قامت المملكة العربية السعودية والبحرين وسلطنة عُمان ودولة الإمارات بتوسيع التعاون مع إسرائيل في مختلف المجالات، بما في ذلك مبيعات الأسلحة وبرامج التجسس والتدريب العسكري وتبادل المعلومات الإستخبارية والجهود الديبلوماسية المشتركة المُتعلّقة بالمصالح المُتبادَلة. في السنوات الأخيرة، إتّخذت هذه الدول خطوات غير مسبوقة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مثل السماح بحقوق التحليق لشركات الطيران الإسرائيلية، والمشاركة في التدريبات العسكرية إلى جانب سلاح الجو الإسرائيلي، والترحيب بكبار المسؤولين الإسرائيليين على أراضيها، والإنخراط علناً مع المسؤولين الإسرائيليين في المؤتمرات، وتغيير لهجة التغطية ومناقشة الشؤون الإسرائيلية في وسائل الإعلام الحكومية. العتيبة أقام شخصياً علاقة وثيقة مع السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، أحد المؤيدين الرئيسيين للضمّ.

مجموعة جديدة من الأولويات

لاتخاذ مثل هذه الخطوات نحو التطبيع، كان قادة الخليج مدفوعين بمجموعة جديدة من الأولويات، الأمر الذي عنى إهمال القضية الفلسطينية التي أصبحت هامشية بشكل متزايد ليس فقط في الخطاب العربي، ولكن أيضاً الدولي، على مدى العقد الماضي، نظراً إلى الإضطرابات السياسية في الشرق الأوسط والنزاعات والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وموجات النزوح.

تبلورت هذه المجموعة الجديدة من الأولويات على مدى العقدين الماضيين، حيث تلاقت مخاوف القيادة الإسرائيلية ومعظم دول الخليج تدريجاً. لقد تزايد نفوذ إيران في الشرق الأوسط بعد حرب العراق في العام 2003، وحتى أكثر بعد أن غيّرت الإنتفاضات العربية التي بدأت في أواخر العام 2010 الحسابات في أبو ظبي والرياض وعواصم أخرى. التهديدات الرئيسة التي حدّدتها كانت إيران، جماعة “الإخوان المسلمين” والأنظمة الإسلامية (خصوصاً قطر وتركيا)، والشعوب المنتفضة في المنطقة. كانت إسرائيل، على غرار البلدان الخليجية، تنظر بعين الشك إلى الإنتفاضات العربية، خوفاً من تحوّلها إلى “شتاء إسلامي متشدّد”. أعرب المسؤولون الإسرائيليون باستمرار عن شكوكهم حول قدرة العرب على إقامة ديموقراطيات، وبخاصة تلك التي لن يتفوّق فيها الإسلاميون.

في حين ربطت الدول العربية سابقاً التطبيع بإحراز تقدم في القضية الفلسطينية، فقد شهد العقد الفائت عدم نيّة ورفض إسرائيل في إنهاء الإحتلال. منذ العام 2000 ، تحوّلت السياسة والخطاب العام والسياسات في إسرائيل إلى اليمين: تضخّم النمو الإستيطاني، ولا يزال الحصار المفروض على غزة خانقاً، وتم تمرير قوانين مُتعددة تهدف إلى إضعاف المجتمع المدني واستقلال وسائل الإعلام والمحكمة العليا. لا يبدو أن هذه التغييرات ردعت اللدول الخليجية عن اتخاذ خطوات أكثر جرأة تجاه التطبيع.

عوامل محلية وخارجية

ينبع هذا التحوّل في السياسة الإسرائيلية من عوامل داخلية مُتعدّدة. على مدى السنوات العشرين الماضية، إنتقل الجمهور اليهودي الإسرائيلي بوضوح إلى اليمين. يُمكن تفسير هذا التغيير من خلال تطورات متعددة: التأثير الراديكالي للإنتفاضة الفلسطينية الثانية في أوائل العقد الأول من هذا القرن بعد انهيار محادثات السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية؛ وغياب مفاوضات السلام طوال هذه الفترة؛ والتغيير الديموغرافي مع نمو المجتمع المتشدد ووفاة كبار السن الإسرائيليين، الذين يميلون إلى أن يكونوا أكثر اعتدالاً من الشباب الإسرائيليين؛ والسيطرة المستمرة لليمين الإسرائيلي على وزارة التربية والتعليم ووزارة الاتصالات، الأمر الذي سهّل إدخال المحتوى اليميني في المناهج والخطاب الإعلامي السائد؛ وحكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمدة 10 سنين، حيث تبنّى بشكل متزايد الخطاب والسلوك المُناهضَين للديموقراطية للبقاء في السلطة، وتغيير قواعد السلوك السياسي في إسرائيل.

لكن هناك أيضاً عوامل خارجية ساهمت بشكل كبير في انهيار اليسار والوسط الإسرائيليَين، وكان قرار الدول الخليجية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تدريجاً قبل نهاية الإحتلال عاملاً رئيساً في العملية. لقد وجّه التطبيع ضربة قاضية لليسار الإسرائيلي المُعتَلّ. وزادت الإنتفاضة الثانية من أهمية المخاوف الأمنية حيث انخفضت معها الآمال بالنسبة إلى السلام، مما قلّل إلى حدّ كبير من شعبية اليسار الإسرائيلي، الذي يُنظر إليه على أنه ضعيف في مجال الأمن. لكن استطلاعات الرأي تُظهر أن الجمهور الإسرائيلي ما زال يريد السلام، وليس الأمن فقط. كانت هذه هي الميزة التنافسية الرئيسة لليسار الإسرائيلي.

قبل التطبيع الخليجي، كان اليسار وحده هو القادر على تقديم رؤية ذات مصداقية للسلام، والتي تستلزم إنهاء الإحتلال مقابل قبول وتطبيع العلاقات مع العالم العربي. وقد قوّضت الخطوات التي اتخذتها الدول الخليجية هذه الحجة. أثبت اليمين الإسرائيلي أنه يُمكن للإسرائيليين أن يأخذوا “كعكاتهم” ويأكلوها أيضاً – ولا يقدموا تنازلات للفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم مصدرٌ للتهديدات الأمنية، ولا يزالون يكسبون السلام. إن التطبيع مع إسرائيل يُشجّعها على الحفاظ على حكمها العسكري على ملايين الفلسطينيين. ويُمكنها الآن الحصول على ما تريده – إعتراف وقبول من دول الجوار – من دون دفع أو تقديم أي شيء في المقابل، أي إنهاء الاحتلال أو حتى الإنخراط في مفاوضات جادة.

غير قادرٍ على تقديم بديل من اليمين الإسرائيلي، تقلصت قوة اليسار أكثر فأكثر مع كل انتخابات عابرة. إن تطبيع الأنظمة العربية، إلى جانب عدم الإهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، وعدم قدرة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات من اكتساب الزخم والقوة، والدعم القوي من الرئيس دونالد ترامب لسياسات نتنياهو اليمينية، أكدت كلها للجمهور الإسرائيلي بأن تحذيرات اليسار الإسرائيلي من العزلة الدولية التي تلوح في الأفق لا أساس لها من الصحة. بقي المعسكر الإسرائيلي اليساري التقدمي بلا رؤية ولا بُعبعٍ فعّال.

ترافق تآكل اليسار الإسرائيلي مع صعود اليمين المتطرف في إسرائيل وتعميم فكرة الضمّ. كان مفهوم ضم أجزاء أو كل الضفة الغربية سابقاً فكرة هامشية في السياسة الإسرائيلية. فقط في العام 2013، بدأ حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف الدعوة إلى ذلك، وفقط في العام 2017 صوتت اللجنة المركزية لحزب نتنياهو، وهي هيئة تتكوّن من أعضاء مُتشددين، لجعل ضم الضفة الغربية هو الموقف الرسمي لليكود .

نقاشٌ داخلي ساخن حول الضمّ

ظهر مقال العتيبة في سياق نقاش داخلي ساخن في إسرائيل بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية. أصبح نقاش الضم جزءاً من الخطاب السائد بسبب محاولة نتنياهو جذب الناخبين اليمينيين قبل الانتخابات الإسرائيلية الثانية في العام 2019. في 10 أيلول (سبتمبر)، قبل أسبوع من الانتخابات، أعلن نتنياهو أنه إذا تمّت إعادة انتخابه، فإنه سيضم غور الأردن. كان ينوي الإعلان عن الضم نفسه، لكنه انسحب من حافة الهاوية بعد معارضة إسرائيلية حقيقية هذه الأيام، المؤسسة العسكرية و”شين بيت”، التي حذرت من تداعيات أمنية خطيرة.

الوسط الإسرائيلي، الذي كان من المفترض أن يكون معارضة إسرائيل السياسية لحكم نتنياهو الطويل الأمد، لم يُقدّم رؤية بديلة للقضية الفلسطينية. في الجولة الثالثة من الانتخابات، تبنّى تحالف الوسط والأزرق فكرة ضم غور الأردن، لكنه تعهّد بأن يفعل ذلك باتفاق دولي (وليس فلسطينياً). هذه المعارضة السياسية إنقسمت بعد الانتخابات، حيث انضم ما يقرب من نصف أعضاء الكنيست من الأزرق والأبيض إلى حكومة نتنياهو.

أصبح ضم أجزاء من الضفة الغربية إحتمالاً حقيقياً وليس مجرّد شعار انتخابي مع طرح “صفقة القرن” من قبل إدارة ترامب في 28 كانون الثاني (يناير) 2020، في خطوة نُظِر إليها على أنها تهدف إلى مساعدة فرص نتنياهو في الانتخابات. الخطة تُحوّل فلسطين إلى دولة أولية صغيرة، ويبدو أنها صُمِّمت لضمان رفضها من قبل الفلسطينيين. في مثل هذه الحالة، تسمح الخطة لإسرائيل بضم ما يصل إلى 30٪ من الضفة الغربية. وقد حضر سفراء ثلاث دول خليجية في واشنطن حفل إعلان الخطة، مما منحها درجة من الشرعية العربية: البحرين وعُمان والإمارات العربية المتحدة.

هذا الدعم الضمني لـ “صفقة القرن”، إلى جانب الاستجابة الصامتة للدول الخليجية لقرارات ترامب بالإعتراف بالضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، من المحتمل أن يشجع قيادة إسرائيل على النظر بجدية في ضم أجزاء من الضفة الغربية. إذا لم تحرّك مثل هذه الخطوات ساكناً ولم تؤدِّ إلى أزمة، فسيكون لدى نتنياهو ما يدعو إلى الأمل في أن ينطبق الأمر نفسه عندما يتعلق الأمر بضم أجزاء من الضفة الغربية.

إن دول الخليج العربي تجني الآن ما زرعته. لقد اتّخذت قرار إعطاء الأولوية لمواجهة التهديد الإيراني، “الإخوان المسلمين” والمنظمات المتشددة، على حساب الفلسطينيين. إن احتجاجها الآن على خطة الضم يبدو غير جدي بعد أن أمضت سنوات في تطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية التي رسّخت حكمها العسكري المُسيء على الفلسطينيين. حتى مقالة العتيبة، فقد هدّدت فقط بوقف المزيد من التقدم في مسار التطبيع، وليس بإنهاء العلاقات وقطعها بين البلدين. إذا مضت إسرائيل بالفعل في ضم أجزاءٍ من الضفة الغربية، فإن الدول الخليجية سوف لن تلوم سوى نفسها فقط.

  • إليزابيث تسوركوف زميلة في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادِلفيا، بنسلفانيا، تُركز أبحاثها على المشرق العربي. الآراء الواردة في هذا المقال تُمثّل وتخص كاتبته.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى