السعودية تتحوّل إلى التجارة الإلكترونية خلال تَفَشّي مرض “كوفيد 19”

أدّت القيود المفروضة على الحركة والتجارة نتيجة لوباء “كوفيد-19” (Covid-19) إلى تحوّل كبير في سلوك المستهلك في المملكة العربية السعودية، مع توجه السكان المحليين بشكل متزايد إلى القنوات الرقمية.

 

الملك سلمان بن عبد العزيز: أمر بصرف 9 مليارات ريال لدفع أجور موظفي القطاع الخاص

الرياض – راغب الشيباني

تجاوزت حالات الإصابة بوباء كورونا في العالم عتبة ال1,200,000، وأعيد سبب وفاة حوالي 66,000 شخص إلى الفيروس اعتباراً من صباح الخامس من نيسان (إبريل). ومع ذلك، فقد شهدت المملكة العربية السعودية عدداً قليلاً نسبياً من الإصابات، مع 2385 إصابة و34 حالة وفاة حتى الآن.

وكانت المملكة سجّلت أول حالة ل”كوفيد – 19″ في 2 آذار (مارس) الفائت، وأول حالة وفاة بسبب الفيروس – أفغاني يبلغ من العمر 51 عاماً مقيم في البلاد – في 23 آذار (مارس).

تزامنت الوفاة الأولى مع تطبيق حظر التجوّل على مستوى البلاد لمدة 21 يوماً، والذي تمّ الإعلان عنه أيضاً في 23 آذار (مارس)، حيث حظّر على الأشخاص مغادرة منازلهم بين الساعة 7 مساءً و 6 صباحاً. وأعقب ذلك بعد يومين تشديد الإجراءات المُصَمَّمة لوقف انتشار الفيروس، حيث أعلنت الحكومة إغلاق العاصمة الرياض والمدينتين مكة والمدينة. كما مدّدت حظر التجوّل في جميع الأماكن الثلاثة، مقدمةً وقت بدء الحظر إلى الثالثة بعد الظهر، مع منع التنقل بين جميع محافظات المملكة.

من حيث التحركات الدولية، تم تعليق جميع الرحلات الدولية في 15 آذار (مارس) لمدة أسبوعين، وتم تمديد هذه الفترة في وقت لاحق حتى إشعار آخر.

دفعة كبيرة للتجارة الإلكترونية

على الرغم من التأثير الطبي المحدود نسبياً على المملكة، فإن التهديد الذي يُمثّله الفيروس – إلى جانب الجهود المبذولة للحفاظ على التباعد الإجتماعي – أدى إلى تحوّل كبير في نمط الحياة وعادات المستهلك، حيث شهدت التجارة الإلكترونية ارتفاعاً سريعاً في النمو.

في أواخر آذار (مارس)، أبلغت مجموعة بن داود القابضة المحلية للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت لوسائل الإعلام المحلية أنه منذ تصاعد أزمة “كوفيد-19″، ارتفع متوسط مبيعاتها على مدار 10 أيام بنسبة 200٪، بينما ارتفع متوسط قيمة الطلبات بنسبة 50٪ وعمليات تثبيت التطبيقات بنسبة 400٪.

تمتلك الشركة منصّتَي تجارة إلكترونية – “بن داود” و”الدانوب” – مُرتَبطتين بسلاسل المتاجر الكبرى والسوبرماركت الخاصة بهما، مما يتيح للعملاء شراء منتجات البقالة والسلع الأخرى عبر الإنترنت.

في حين أن الآثار الإقتصادية للفيروس قد أدت إلى إغلاق العديد من الشركات وفقدان الملايين من الأشخاص وظائفهم على مستوى العالم، يقول مسؤولو بن داود أن النمو السريع في النشاط ساعد الشركة على كسر هذه الإتجاهات.

لا تزال جميع متاجر الشركة البالغ عددها 72 متجراً مفتوحة، بما في ذلك أحدث متجر، الدانوب، الذي افتتح الأسبوع الفائت في حي الأندلس في الرياض. وقد وظّفت الشركة أيضاً المزيد من العتّالين والسائقين لمواكبة الطلب على عمليات التسليم عبر الإنترنت.

في مكان آخر، إستفادت شركة البقالة “نانا”، عبر تطبيقها السعودي، من التحوّل الأخير نحو التسوّق عبر الإنترنت، حيث جمعت 18 مليون دولار في جولة تمويل السلسلة “ب” (B) في أواخر آذار (مارس) لتوسيع العمليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مع المستثمرين بما في ذلك صناديق رأس المال الإستثمارية “مشاريع تكنولوجيا السعودية” (Saudi Technology Ventures) و”شركاء المبادرات في الشرق الأوسط” (Middle East Venture Partners) . يأتي هذا بعد جولة تمويل السلسلة “أ” (A) التي جمعت 6 ملايين دولار في العام الماضي.

وسّعت الشركة السعة ثلاثة أضعاف بعد ارتفاع الطلب المُرتبط بانتشار وباء كورونا. ومن المتوقع أن يستمر هذا في ضوء قرار الحكومة السعودية بفرض حظر تجوّل أكثر صرامة في المدن الكبرى.

واستشرافاً للمستقبل، قد يحتاج تجار التجزئة إلى تكييف سلاسل التوريد الخاصة بهم إستجابة لتحوّلات ديناميكية السوق. من جهته، قال سيف الله الشربتلي، المدير الإداري لشركة فاكهة الشربتلي: “التكامل العمودي هو استراتيجية تطوير محورية، خصوصاً بالنظر إلى الإرتفاع الكبير في الطلب على التجارة الإلكترونية وتوصيل الأغذية الطازجة في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي يصعب على المعروض السعودي توفيره”.

أهداف نمو القطاع

يتماشى ظهور البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وإن كان خلال وقت الأزمة، مع بعض أهداف الاستراتيجيات الشاملة للمملكة العربية السعودية.

كجزء من برنامج تطوير القطاع المالي – وهو نفسه جزء من رؤية 2030، خطة التنمية طويلة المدى للمملكة – تأمل الحكومة في زيادة نسبة المدفوعات عبر الإنترنت إلى 70٪ بحلول العام 2030، إرتفاعاً من هدف 2020 البالغ 28٪.

للمساعدة في تحفيز هذا النمو وضمان الإستدامة في المدى الطويل في هذا القطاع، سعت الحكومة أيضاً إلى تحسين الإطار التنظيمي.

في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، طبّقت الحكومة قانون التجارة الإلكترونية، المُصمَّم لتنظيم المدفوعات الرقمية وتحسين الشفافية، بينما في 31 كانون الثاني (يناير) الفائت، إعتمدت وزارة التجارة والإستثمار آنذاك – المُسماة الآن وزارة التجارة – النُظُم التنفيذية لقانون التجارة الإلكترونية، مُضيفةً المزيد من الرقابة على مجالات مثل حماية البيانات الشخصية وحقوق المستهلك والتزامات الإفصاح أو الإفشاء.

تأثير اقتصادي أوسع

وبصرف النظر عن التجارة الإلكترونية، كان لوباء “كوفيد-19” تأثيرات كبيرة في أجزاء أخرى من الإقتصاد السعودي.

قبل كل شيء، أدّى تفشّي الفيروس إلى انخفاض كبير في الطلب العالمي على النفط، مما ساهم في انخفاض السعر من أعلى مستوياته السنوية التي تقل قليلاً عن 69 دولاراً للبرميل في 6 كانون الثاني (يناير)، إلى 26.82 دولاراً بحلول نهاية آذار (مارس).

نظراً إلى أن النفط يُمثل 63٪ تقريباً من الإيرادات الوطنية، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الانخفاض الحاد في الأسعار سيضع ضغطاً كبيراً على الموازنة الحكومية.

“تأثير كوفيد-19 – وأحدث انخفاض في أسعار النفط – على التجارة الخارجية سيؤثر في ميزان المدفوعات السعودي هذا العام وما بعده. وسيعتمد حجم هذا التأثير إلى حد كبير على أسعار تصدير النفط السعودي”، قال هانز-بيتر هوبر، مدير الاستثمار في “الرياض المالية”.

من ناحية أخرى، نظراً إلى وجود قيود كبيرة على السفر على مستوى العالم، فإن الفيروس سيؤثر في السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، لذلك يجب أن يكون التأثير الصافي المباشر لوباء كورونا على الميزان التجاري صغيراً نسبياً. علاوة على ذلك، إن انخفاض أسعار النفط والإغلاق المرتبط بالوباء ينبغي أن يؤدّيا إلى انخفاض النمو المحلي، مما يؤثر بدوره في الطلب على الواردات”.

إضافة إلى ذلك، توقعت وحدة الاستخبارات الاقتصادية (Economist Intelligence Unit) أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 5٪ هذا العام، بانخفاض عن التوقعات الأولية للنمو التي قالت بأنه سيكون 1٪.

وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد أمر بصرف ما يصل إلى 9 مليارات ريال (2.4 ملياري دولار) لدفع جزء من أجور عمال القطاع الخاص لردع الشركات عن الإستغناء عن الموظفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى