الرعاية الصحّية هي حقٌّ من حقوق الإنسان

بقلم أسعد الخوري*

وباءُ الكورونا المُستَجِدّ وآلاف الضحايا، وحق الناس في الصحة والحياة مسؤولية حكومات ودول ومنظمات دولية. وحقوق المرضى هل يُكرّسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

في الذكرى السابعة والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 2015، ‏حلّ البروفسور فيليب سالم ضيفاً على منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث ألقى خطاباً بالمناسبة، اعتبر فيه هذا الإعلان “وثيقة تاريخية بغاية الأهمية”، كونها تُشدّد على أن حقوق الإنسان هي “أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم”.

لكن سالم دعا في كلمته إلى “إعادة النظر في هذه الوثيقة لجعل الحق في الرعاية الصحّية الأكثر قدسية بين حقوق الإنسان”، لأن “أي وثيقة لا تتم مراجعتها وتحديثها بصورة مُنتَظمة، تُصبح مُجمَّدة ومُتحجّرة في التاريخ”.

واقترح الطبيب اللبناني بتغيير المادة الثالثة في الإعلان العالمي ‏لحقوق الإنسان لتُصبح على الشكل الآتي: “الحقُّ الأهم والأكثر قدسية بين حقوق الإنسان هو الحق في الحياة، لكنّه غير مُمكن في غياب‏ الحق في الرعاية الصحية، فالحياة رهنٌ بالصحة”.  ودعا سالم جميع الحكومات والمجتمعات بإلحاح، الى إيلاء الأولوية للرعاية الصحية، والسعي جاهدة إلى تأمينها بأعلى المعايير المُمكنة لجميع ‏مواطنيها.

‏يرى سالم انه من شأن ‏تعديلٍ من هذا النوع، أن يساهم في تطوير التزام الدول والحكومات بالكرامة البشرية، وتُحوّله حقا من حقوق الإنسان … إذ يصبح الحق في الرعاية الصحية أولوية في السياسات والاستراتيجيات المُتّبعة من الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وذلك على النقيض من الوضع الراهن ‏حيث تأتي الرعاية الصحية في أسفل قائمة الأولويات.

يُذكّر الطبيب العالمي، إبن بلدة بطرّام الكورانية ( في شمال لبنان) بأن نسيبه وابن بلدته الدكتور شارل مالك هو أحد واضعي شرعة حقوق الإنسان، وهو الإعلان الذي أبصر النور في العام 1948، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتُعتبر المحاولة الأولى التي تبذلها منظمة دولية من أجل “الإعتراف بالحقوق المُتساوية والثابتة لجميع أعضاء الأسرة البشرية”.

ويتساءل سالم: ما معنى الحق في الرعاية الصحية؟ مُوضّحاً أنه يعني ثلاثة أمور: الحق في الوقاية من الأمراض، والحق في الكشف المُبكر للأمراض، والحق في العناية الطبية عند الحاجة. وبغية تحقيق هذه الأهداف، يجب وضع سياسات صحّية جديدة، وتعبئة المجتمع المدني.

‏لكن تأمين الرعاية الصحية ليس من مسؤولية الحكومات فقط، بل إنها مسؤولية المجتمع في شكل عام. يعني “أن السياسات الصحية يجب أن لا تكون من مسؤولية السياسيين، بل يجب أن يُعهَد بها إلى المهنيين العاملين في مجال الرعاية الصحية، لأن الصحة تعلو على السياسة”.

وقال سالم في كلمته القيمة والمفيدة على منبر المنظمة الدولية، إنه لعار أننا لا نزال نعتبر حتى يومنا هذا أن الابطال هم من يشنّون حرباً تتسبب بالكثير من الدمار والموت.  وأوضح انه، على النقيض، فإن البطل هو من يُنقذ حياة البشرية، وليس من يُدمّرها.

‏في هذه المرحلة الصعبة من واقع الحياة البشرية، ومع وباء خطير ورهيب مثل (كورونا) فإن دعوة سالم من على منبر الأمم المتحدة إلى “الحق في الصحة والحق في الحياة”، تبدو في منتهى الأهمية الأخلاقية والإنسانية، لأنه ماذا ينفع الإنسان إذا أعطيته كافة حقوقه، وسلبته الحق في الصحة والحياة!

‏في آخر كلمات خطابه على أعلى منبر دولي، ردد سالم أنا ملتزم بقدسية الحياة، وبناء عليه أنا ملتزم في قدسية الصحة، وبالتالي بالحاجة إلى إدراج الرعاية الصحية على قائمة الأولويات.

  • كاتب وصحافي لبناني مخضرم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى