نظرية المؤامرة بين الواقع والخيال

بقلم يوسف صَدَقة*

بعد انتشار فيروس “كوفيد-19” (Covid 19) في مدينة ووهان الصينية، وانتقاله منها لاحقاً إلى جميع أنحاء العالم، حيث تحوّل إلى وباءٍ وفق منظمة الصحة العالمية، طَفَت إلى السطح ظاهرة “نظرية المؤامرة”، والتي تتمثّل  بقوى خفيّة ومؤامرات وراء ظهور الفيروس. وقد ساهم في سريان هذه الظاهرة الإعلام بشكل عام، ووسائل التواصل الإجتماعي بشكل خاص، وذلك عبر تعميم أخبارٍ تهدفُ إلى تحميل المسؤوليات إلى دول وأجهزة سرعان ما أثبتت تطورات الأحداث عدم دقّتها وصحّتها. نذكر منها: دور المخابرات الأميركية في نشر الوباء في مدينة ووهان، وأن الفيروس قد انتقل الى الصين عبر أستاذ في جامعة هارفارد يُدعى “تشارلز ليبِر” (Charles lieber).

ومما ساهم في انتشار نظرية المؤامرة بشكل واسع، إعادة التركيز على رواية “عيون الظلام” للكاتب الأميركي “دين كونتز” (Dean Koontz)، والتي تحدّثت عن فيروسٍ سيتفشّى في مدينة ووهان الصينية في رواية خيالية مُفعَمة بالتشويق والأسرار.

على صعيد الولايات المتحدة، تم إعادة نشر مقابلة أرون روسو حول أحداث 9/11/2001 والتي تضمّنت دوراً خفياً لأجهزة المخابرات الأميركية في الأحداث.

على صعيد آخر، أُعيدَ نشر مقتطفات من كتاب ” التقرير الجديد لوكالة المخابرات المركزية: كيف سيكون العالم غداً”  (Le Nouveau rapport de la CIA Comment sera le monde demain) للصحافي والمؤرخ الفرنسي “ألكسندر أدليه” (Alexandre Adler).

وقد قام أدليه بتحليل التقرير الصادر عن ال”سي آي إي” في العام 2010، والذي تضمّن توقعات عدة، منها: “ظهور فيروس خطير في العام 2020 سيتسبّب بوباءٍ عالمي، ولا يتوفّر له العلاج المناسب، وسيتم القضاء على الوباء في العام 2025. وسيظهر هذا الوباء في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية في آسيا مثل الصين، وقد يُسبّب موت الآلاف من الناس في أوروبا، وملايين من البشر سيموتون في القارات الأخرى.

ما هي نظريـــة المؤامــــرة؟

نظرية المؤامرة هي مصطلحٌ إنتقاصي لتفسير حدث أو موقف وفقاً لمؤامرة لا مبرّر لها تُعدُّها جماعات فاعلة في المجتمع، وذلك لأسباب سياسية، عندما تغيب التفسيرات المنطقية والواقعية للأحداث الجارية، وعدم وجود أدلة حاسمة لتحميل المسؤولية لطرف أو أطراف لها علاقة بالأحداث. وعموماً تقوم هذه المؤامرة في مضمونها على أفعال غير قانونية أو مؤذية تجريها حكومة أو جهات أخرى قوية. وتُصبح نظرية المؤامرة كملاذٍ إذا لم يتم تفسير الوقائع بشكل واضح ومفهوم. وقد أصبحت نظرية المؤامرة شائعة في وسائل الإعلام، وصارت ظاهرة ثقافية في القرنين الماضي والحالي.

عَرّفت جامعة أوكسفورد نظرية المؤامرة؛ بأنها حدث أو ظاهرة تحدث، نتيجة لمؤامرة بين أطراف معنية، حيث تُتّهَم جهة سياسية بمسؤوليتها عن حدث سياسي غير مفهوم.

وقد عرّف الأكاديمي والكاتب الأميركي “مايكل باركون” (Michael Barkun) نظرية المؤامرة، باالتالي: “وجود جماعة غير مرئية صنعت أحداثاً داخلية أو خارجية في بلدان عدة، أو في محطات في التاريخ، وهي متاحة لإقلية نخبوية، ولا يُتاح للعامة الإطلاع، إلّا على الرواية الرسمية الصادرة عن الحكومة”.

نظريــة المؤامـــرة فــي الولايـــات المتحــدة

يُعتبر مقتل الرئيس الراحل جون كنيدي، أكثر حدث حظي بنظرية المؤامرة في الولايات المتحدة، يليه الهجوم الإرهابي في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع الأميركية في واشنطن. وقد ساهمت وسائل الإعلام في إشاعة نظرية المؤامرة، وترتبط المسألة أيضاً وبعدم الرضا عن توجهات الحكومة، والتي تحاول المس بالحريات العامة،
وقد أجرى الباحث والأكاديمي الأميركي مايكل باركون دراسة إحصائية في أميركا في العام 2016، حول تأثر الشعب بنظرية المؤامرة، وقد أظهرت النتيجة أن 10% يعتقدون بصحة نظرية المؤامرة، بينما يعتبر 20 إلى 30% من الأميركيين أن النظرية ترتكز على شيء من الحقيقة.

وقد حدد باركون ثلاثة نماذج لنظرية المؤامرة:

  • إعتُمدت النظرية لتفسير موت الرئيس كنيدي، وأحداث أيلول 2001 الإرهابية، وإنتشار الإيدز؛
  • تفسير الأحداث، حيث يتمثل الفاعل بالإنخراط في المؤسسات الموجودة، لإنتاج سياسات قائمة على سيناريو المكائد، والفاعلون هم من فئات: اليهود، الماسونية، الشيوعية.
  • المؤامرة الكبرى: تتمثل بتراكم مؤامرات من خلال تنظيم هرمي تقوم به قوى غير منظورة.

أما المفكر نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) فيعتبر أن نظرية المؤامرة لا تقوم على دليل، ولكن على إيمان الذين يعتقدون بها. يناقض تشومسكي نظرية المؤامرة، ويعتمد على التحليل القائم على دراسة سير المؤسسات والوثائق العلمية، وليس دراسة التحالفات السرية وتحليل أنشطتها المزعومة.

المؤامــــرة كمقاربـــة دوليـــة

يعتبر الصحافي المالي والإقتصادي جاستن فوكس (Justin Fox) في مجلة “تايم” أن نسبةً مهمّة من الأميركيين تعتبر أن التبادل المالي في “وول ستريت” يُمثل أسواق مالٍ تتآمر على مصلحة الشعب الأميركي، وأن بعض التحقيقات الصحافية يُغذّي ما يُسمّى بنظرية المؤامرة.

أما الكاتب ماثيو غراي (Mathieu Gray) فيعتبر أن نظرية المؤامرة هي من خصوصيات الثقافة العربية: فالأحداث الكبرى التي توالت في المنطقة يقف وراءها الإستعمار، الصهيونية، القوى العظمى. وأن الحرب على الإرهاب، تخفي وراءها حرباً على الإسلام. وأشار إلى أن التذكير في بعض الأحيان بكتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” يهدف إلى تعويم خطة يهودية للهيمنة على العالم.

على صعيد آخر فإن الكاتب سعيد المؤمن، قد حذّر من خطورة نظرية المؤامرة، والتي هي ملجأ الطبقة الفقيرة، وهي لا تساعد على معرفة الحقيقة لكي لا تتم مواجهة الواقع وأخطاء الحكام.

البُعـــد النفســي لنظريــة المؤامـــرة

إنتشرت نظرية المؤامرة وتوسّعت، في القرنين العشرين والواحد والعشرين، كظاهرة ثقافية في المجتمعات المتقدمة والفقيرة. وتأخذ أبعاداً تقترن بجنون العظمة واضطراب في الصحة النفسية.

يعتبر الكاتب باركون أن نظرية المؤامرة هي مقاربة خبرات للشعوب، فهي تعتمد على تفسير الأحداث بطريقة رومانسية من خارج المؤسسات السياسية القائمة. حيث تتمثل حركية الحدث ونتائجه، بقيام جماعة سرّية بإطلاقه وتحريك خيوطه. كما تعتمد نظرية المؤامرة على تقسيم العالم بين محورين قوى الخير، وقوى الشر، فالأحداث الكبرى يقف وراءها المتآمرون وعملاؤهم.

مفاعيــل نظريــة المؤامــرة علــى الصعيــد الإنســاني

تعتبر نظرية المؤامرة، حاجة إنسانية لبعض المجتمعات، فوجود قوى سرية وراء الأحداث يُعطي دفعاً للمُنظّرين، ويُبعد عن الأنظمة المسؤولية المباشرة، ووضعها في خانة أشخاص لا تمسهم الرقابة.

وقد تكون نظرية المؤامرة من صنيعة المجتمع، لتفسير قوة وعظمة فئات إجتماعية حيث توجد قوى شريرة تُحرّكها. وتدخل مسألة “شيطنة” العدو في إطار نظرية المؤامرة، فهو يعمل على التآمر على المصلحة العامة وعلى ضرب الإقتصاد، واستغلال أحزاب لمصلحته. فالعدو يضمر الشر للمجتمع حيث يعمل على الهيمنة والسيطرة على الوطن.

فالكاتب جون بيرتش (John Birch) يُعيد التذكير برسم الشر والتآمر للخلايا الشيوعية وعملياتها السرية ووجوب ملاحقتها لضرب مرجعيتها الرئيسة والداعمين لها.

أما الكاتب ريتشلرد هوفستاكتر (Hofstacter Richard) فيشير إلى دور نظرية المؤامرة في تحميل الجماعات الماسونية في تعميم الحرية الجنسية في سبعينات القرن الماضي.

على الصعيد الإجتماعي، تؤدي نظرية المؤامرة إلى إراحة الفئات المُهيمنة بتحميل فئات أخرى من المجتمع  مسؤولية التدهور الإقتصادي والإجتماعي للدولة.

الإســـتغــلال السياســي لنظريــة المؤامـــرة

إعتبر الكاتب الأميركي كارل بوبر (Karl Popper) أن نظرية المؤامرة قد استُعملت للإستغلال السياسي فالتوتاليتارية تأسست على الترويج للرأي العام عن وجود مؤامرات وهمية، تقوم بها قوى شوفينية عنصرية أو رأسمالية.

وفي تقديرنا أن النظام الرأسمالي قد روّج منشورات ودعايات في وسائل الإعلام تُحمّل الأنظمة الشيوعية مسؤولية الشرّ والتعدّي على حقوق الإنسان الأساسية. في المحصلة فإن حلف وارسو وحلف الناتو قد روّجا معلومات ودعايات تُشيطن الآخر في مواضيع تتعلق بالهيمنة والتوسّع وخرق المكوّنات الإجتماعية في كلا المُعسكرَين.

تبقى نظّرية المؤامرة، أكثر النظريات جذباً للرأي العام في العالم عامة، وفي دول العالم الثالث خاصة، في فترة الأزمات الكبرى. أما في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان، فتأخذ مداها الأرحب، حيث يبدي عدد كبير من اللبنانيين، وغير المطلعين على أسس العلاقات الدولية والثقافية السياسية على إطلاق التوقعات والتحليلات، وتحميل مسؤولية أحداث كبرى إلى مخابرات أجنبية أو الماسونية، أو اعتبار مؤسسة روتشيلد المالية كأهم مؤسسة تُدير الإقتصاد العالمي، بينما هي مؤسسة مالية متوسطة لا تُصنَّف ضمن أهم 50 مصرف في العالم. وينسب بعض اللبنانيين معلوماتهم إلى مصادر أجنبية، تصل إلى أعلى الهرم في دولة أجنبية إلى موظف في سفارة أجنبية أو إلى أنسبائهم الذين يعملون في بلدان أجنبية.

تبقى نظرية المؤامرة ملاذاً للرومانسيين والمُنظّرين الذين تستهويهم المعلومات الإستخبارية والشخصيات التي تملك قدرات خارقة والتي تصنع الأحداث من وراء الستار.

  • يوســــف صدقــــة هو ديبلوماسي وسفير لبناني سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى