مع تَسارُعِ وَتيرة الإنهيار في لبنان، أين تقف حكومة حسّان دياب؟

 بقلم البروفسور بيار الخوري*           

في مقالٍ سابقٍ في “أسواق العرب” وَصَفتُ حكومةَ الرئيس حسّان دياب بأنها حكومةُ انتحاريين، وهو توصيفٌ استَخدَمَه لاحقاً أكثر من سياسي في لبنان.

لقد تسارَعت وتيرة الأزمة الإقتصادية في بلد الأرز مشفوعة بتداعيات جائحة كورونا، وتخطّي سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الحاجز النفسي لضعفي السعر الرسمي، وغلاء الأسعار المُرتبط بنَدرة المعروض وانعكاس سعر الصرف المتدهور، واشتداد أزمة تقنين الدولار في المصارف، وأخيراً الخوف من عدم قدرة البلاد على تأمين الإعتمادات اللازمة للسلع الاستراتيجية.

ومع هذا التسارع، تُواجه حكومة الرئيس دياب — رغم إنجازها الموصوف في استيعاب وباء “كوفيد-19”– ضغطاً قوياً من أخصامها السياسيين، ومن مجموعات الشارع غير المُرتبطة مباشرة بالقوى السياسية، ومن الرأي العام بشقَّيه من الميسورين ومحدودي الدخل.

كلٌّ لأسبابه، تجتمع بوجه الحكومة اللبنانية قوى مُتشعّبة من أقصى المُعارضة إلى بعض شركائها السياسيين.

إن التحليل الواقعي لوضع هذه الحكومة لا بدّ أن يعترف بأنها لم تكن لتوجد لولا استحالة إعادة إنتاج تسوية تَحكُم بموجبها القوى السياسية الرئيسة في البلاد. في ظروف مُشابهة تتقدّم حكومات وسطية تُمثّل مصالح القوى السائدة، ولكنها تنزع إلى تأكيد موقعها في وسط التوازنات.

يؤكد سلوك حكومة دياب هذه المُقاربة. فهي حكومة تُعطي صورةً سلوكية في أدب ممارسة السياسة يقوم على التضامن والابتعاد عن الأضواء لم يعهده اللبنانيون قبلاً. وقد وقفت في مناسبتين رئيستين في وجه سلوك المُحاصصة، وفرضت بعض القواعد غير المألوفة من قبل اللبنانيين.

شكّلت خطة الشركة الإستشارية “لازار” (Lazard) إمتحاناً قوياً للحكومة بما أفرزته من رفضٍ قاطع، من المتضرّرين الحقيقيين وأولئك المناورين، لمقاربة إعادة توزيع أعباء الإنهيار الإقتصادي.

تبدو حجّة مناوئي خطة “لازار” قوية جداً، إذ كيف يُمكن إعادة توزيع الأعباء بمدّ اليد إلى أموال المُودعين بإجراءات ملموسة فيما تبقى استعادة الأموال المنهوبة موضوعاً خطابياً شبه أجوَف؟

من الواضح أن أي خطة لا تبدأ بتجنيد الجهد الحكومي لاستعادة الأموال المنهوبة أوّلاً، وضمناً الأموال التي حُوِّلت إلى الخارج منذ العام الماضي، وإقفال مزاريب الصفقات والتهرّب الضريبي والتفلّت المالي (تماماً كما تتجنّد اليوم في مواجهة الوباء)، فإنه لن يكون مُمكناً التوجّه إلى القوى الإجتماعية، كبيرة كانت أم صغيرة، للسحب من ثرواتها ومداخيلها.

وهنا بالضبط يكمن مأزق الحكومة، فهي غير قادرة على مواجهة سياسية مع الفساد لانها ضعيفة سياسياً وشعبياً، وفي الوقت عينه غير قادرة على الإنجاز دون هذه المواجهة بالتحديد.

تستمر الحكومة في اللهاث خلف إنجاز يُوقف الإنهيار، لهاثٌ فيه من النوايا الطيبة قدر ما فيه من العجز عن القطع مع الماضي غير المُشرّف لممارسة السلطة في لبنان.

ومع هذا الإستمرار، يستمر الإنهيار الإقتصادي بوقعٍ مُتسارع، فإلى أين ستصل محاولة الرئيس دياب؟

هنا يكمن المأزق الثاني. بخبثٍ شديد سوف تُحمَّل حكومة دياب مسؤولية الإنهيار الكبير وزحف الجوع، وسيأتي يومٌ يتحضّر فيه فرسانٌ جدد لامتطاء الجواد وهم يلعنون ما أوصلت هذه الحكومة البلاد إليه.

وسيلعن معهم الشعب والقادة هذه الحكومة.

لعلّ زيارة الرئيس دياب لعائشة بكار (دارة الرئيس سليم الحص) بداية إحساسه بالظلم المُقبل الذي عانى منه الحص منذ عشرين عاماً.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وباحث لبناني في الإقتصاد السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى