تونس: هل يستطيع إلياس الفخفاخ تشكيل حكومة إنقاذ؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

لنَترك جانباً الجدل المُحتَدِم في تونس حول تكليف إلياس الفخفاخ تشكيل حكومة جديدة، وما إذا كان اختياره من طرف رئيس الدولة، قيس سعيّد، أمراً إحترم مُقتضيات الدستور وأحكامه، أم لا. وهل هو الأقدر فعلاً على إدارة شؤون الدولة في هذه المرحلة الصعبة، وما إذا كان وراء هذا التعيين يوسف الشاهد أم غيره، وما إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال يتمتع بحظوة كبيرة عند رئيس الجمهورية أم لا.

المهم أننا أمام رجل مُكَلَّف، يستجيب من ناحية الكفاءة العلمية والكاريزما والقدرة على التسيير، على المواصفات التي ينبغي أن يتمتع بها رئيس حكومة، بقدر النظر عن مدى الصحة في مقاييس الإختيار، ومدى موضوعيتها.

الأسئلة الآن متعددة تبدأ ب: كيف ستكون حكومته؟ وما هي تركيبتها؟ وما هو حجمها؟ وخصوصاً ما هو برنامجها؟ وما هي قدرتها على مجابهة ومعالجة التحديات الكبرى التي تواجهها تونس، والتصادم مع رأي عام عصيّ على الإصلاح؟

من وجهة نظرنا فإن الحكومة التي سيسعى الفخفاخ إلى تأليفها ستكون حكومة حرب على كل التقاليد الفاسدة المُتَوارَثة عن التسع سنوات الماضية، وعلى الجمود المُلاحَظ تصوّراً وإنجازاً خلال كل الفترة الفائتة، وبالتالي، فلا بدّ أن تكون مُصَغَّرة يتراوح عدد أعضائها بين 15 و20 وزيراً، وبدون كتاب دولة، وتكون مهام رئاسة الحكومة ومهام كل وزير مُحَدَّدة مضبوطة، حتى لا يكون  أيٌّ من أعضائها فقط مسؤولاً عن وزارته، بل وأيضاً مُحاسَباً دورياً على نتائج تصرّفه، ومدى النجاح في تحقيق الأهداف المُبرمَجة، ضمن البرنامج العام للحكومة.

هذا أولاً، وثانياً فإنه وَجَبَ، بسبب الوضع الحالي المتأزم جدا للبلاد، واعتبار كل النواحي، وبخاصة المالية العمومية، وارتفاع منسوب المديونية غير المُنتجة، وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وتقهقر نسبة النمو، واستشراء البطالة، وتدنّي الإستثمار الداخلي والخارجي وغيرها من المؤشرات، وضع الإصبع على مكامن الداء، والبحث الجاد عن حلول لها في أقصر وقت، والشروع في اجتثاث أسباب المعوّقات المُسجَّلة خلال السنوات الأخيرة منذ الثورة، وفي بعض البرامج  المطروحة من عدد من الأحزاب، ما يشفي الغليل.

ولعل رئيس الحكومة المُعَيَّن على اطلاع وقدرة، من وجهة نظرنا، على الإحاطة بكل أسباب انهيار بلادنا على كل الصعد. وهو مُسَيطرٌ على الأدوات النظرية للتشخيص أولاً، ولاتخاذ القرارات المعلومة بما ينبغي أن يكون عليه من الشجاعة، والقرارات هذه تتطلب شجاعة. والأمر الخطير هو أن يؤدي التهوّر في الأداء إلى الإصطدام برأي عام غير واعٍ لدرجة انهيار الوضع،  ولكن لا بد من مواجهة المجتمع بما فيه منظماته الجماهيرية وبالمرارة في حلوقنا جميعا كدواء لا بد من ابتلاعه لضمان الشفاء، قبل أن تضطر بلادنا إلى عيش ما عرفه اليونان وبلدان أخرى وجدت وراء ظهرها سنداً مُتمثّلاً في عضويتها في الإتحاد الأوروبي، وهو ما ليس مُتاحاً لبلادنا لتجاوز أزمتها. وحتى يكون الأمر واضحاً فإن تونس تشكو اليوم من أنها تعيش فوق إمكاناتها، ولو كفّ صندوق النقد الدولي عن دعمها فإن مرتبات الموظفين، ومعاشات المتقاعدين، ومُستحقّات المُزوّدين ستصبح في مهب الريح، وتتوقف مشروعات مثلما يروج عن 4 أو 5 محوّلات كبرى في واحدة من أكبر المدن التونسية متوقفة الأشغال فيها بسبب عدم صرف الفواتير الشهرية للمقاولين منذ أشهر عدة. ولعلّ البلاد ستعيش فترة ندرة في السيولة، فيصبح صرف ما يبقى من المرتبات خاضعاً لتقسيط حاد.

إنها ليست قصة من الخيال، بل إنه وضع مرشحة تونس لعيشه.

ومن هنا فلعله وَجَب القول أن هذه الحكومة المُصغّرة المُرتَقبة، لا بدّ أن تعتمد وزراء من أعلى طراز قدرة على التصور والبلورة والإنجاز، وإنه لمن الواجب أن ترى البلاد عدداً من أعلى الذين كانوا مرشحين لرئاسة الحكومة في هذه التشكيلة، ماسكين بالوزارات ذات الأثر الكبير في حياة الناس، لشخص تولى رئاسة الحكومة أو سيتولاها على الأصح معروف عنه ليبيراليته لكن المقيدة بإحساس اجتماعي كبير.

كل هذا مع القول بأن هذه التشكيلة وباتفاق يكاد يكون إجماعياً على أنها ستتجاوز عقبة الـ109 أصوات في البرلمان، ولكن هل هذا كافياً للقيام بالإصلاحات الكبرى المنتظرة والتي تتطلب تضحيات من الجميع من دون استثناء.

وفي هذه المهمة “الإنتحارية” والإنقاذية لحكومة كفاءات، لا ينبغي انتظار مكافآت انتخابية في آخر السنوات الخمس المقبلة بمناسبة الانتخابات، بل على العكس.

  • عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مُخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى