هل يُمكن أن يُستخدَم فيروس “إيبولا” كسلاح بيولوجي؟

في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مقالاً للكاتب مارك تيسين يدّعي فيه أنه بإمكان تنظيم “الدولة الإسلامية” إستخدام فيروس “إيبولا” كسلاح بيولوجي لمهاجمة الغرب، الأمر الذي أثار لغطاً وقلقاً بين الناس. ولكن إلى أي حد يصح هذا الكلام؟

واشنطن – مازن عزاوي

هجوم طائفة "أوم شنريكيو" في مترو طوكيو: إستخدمت غاز السارين
هجوم طائفة “أوم شنريكيو” في مترو طوكيو: إستخدمت غاز السارين

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أخذ الناس يتساءلون عبر محاضرات أو أحاديث: ماذا لو فكّر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أو بعض الجماعات المتشددة الأخرى في إستخدام “إيبولا” كسلاح بيولوجي؟ أو إذا كان بإستطاعة مثل هذه المجموعات فعل ذلك في المستقبل؟ هذه الأسئلة والمخاوف ليست مفاجئة بالنظر إلى الضجيج الإعلامي المكثّف الذي أحيط بهذا الوباء، على الرغم من أن عدد الذين ماتوا من جرّائه كان قليلاً جداً في العالم ولو أنه إستشرى في بعض الدول الإفريقية الغربية بسبب ضعف الإمكانات الصحية. كما أن الضجيج الإعلامي حول التهديد الذي يشكّله تنظيم “الدولة الإسلامية” بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغرب هو تقريباً بالسوء عينه. وقد تمّ الجمع بين هذين الموضوعين مع كل هذا الضجيج في حزمة مرتّبة في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت عندما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” إفتتاحية بقلم الكاتب مارك تيسين الذي إدّعى أنه سيكون من السهل على مجموعة مثل “الدولة الإسلامية” إستخدام “إيبولا” في هجوم إرهابي. وعلى الرغم من مزاعم تيسين، فإن إستخدام إيبولا كعامل للحرب البيولوجية أصعب بكثير مما قد يبدو للوهلة الأولى.

إنفجار 2014

في الماضي، كانت هناك حالات تفشٍّ عدة لإيبولا في أفريقيا. شملت بلداناً مثل السودان وأوغندا وجمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وإنتشر بنسبة صغيرة نسبياً في الغابون أيضاً. في معظم الحالات، كان الناس الذين إختلطوا أو أكلوا حيوانات مصابة بالمرض هم الذين بدأوا بنشر المرض. إن “لحوم الطرائد”، أو أجزاء من اللحم المشوي من مجموعة متنوعة من الحيوانات البرية، يعتبرها الكثيرون طعاماً شهياً في أفريقيا، وفي قارة حيث الجوع ينتشر على نطاق واسع، فهي أيضاً ضرورة لكثير من الناس الذين يتضوّرون جوعاً. بعد أشهر من الفحوصات الطبية، يعتقد علماء الأوبئة على الأرجح بأن إندلاع التفشي الحالي بدأ عندما لمس طفل يبلغ من العمر عامين في غينيا، أو ربما أكل، جزءاً من حيوان مصاب مثل الخفاش (الوطواط) أو القرد.
إن مصدر المرض يعني أنه من غير المرجح للغاية أن بعض الأفرقاء الحاقدين تسببوا عمداً بالإندلاع الأخير للوباء. بالإضافة إلى حقيقة أن سبب التفشي الحالي قد تم تحديده على أنه طبيعي، فإنه حتى لو إستطاعت مجموعة مسلّحة عبر الحدود الوطنية مثل “الدولة الإسلامية” بطريقة ما تطوير سلاح “إيبولا”، لكان إختار التنظيم الجهادي إستخدام هذا السلاح ضد هدف مرغوب فيه أكثر من قرية صغيرة في غينيا. كنا رأينا المسلّحين المتشدّدين يستخدمون سلاحهم في مكان مثل نيويورك أو باريس أو لندن، أو ضد الأعداء المحليين في سوريا والعراق.
إذا أخذنا النية بالإعتبار، ليس هناك أدنى شك أن مثل هذا الفريق سوف يستخدم سلاحاً بيولوجياً لو حصل عليه. كما لاحظنا في الشهر الفائت كان هناك حديث متزايد عن إمكانية إستخدام “الدولة الإسلامية” الطاعون كسلاح لهجوم بيولوجي، ذلك أن الهجمات الإرهابية تهدف إلى إحداث أثر نفسي يفوق الأضرار المادية التي تسبّبها. علماً أن تنظيم “الدولة الإسلامية” نفسه لديه تاريخ طويل من تنفيذ أعمال وحشية لتعزيز نشر الذعر.
في عامي 2006 و2007، إستخدم التنظيم السالف ل”الدولة الإسلامية”، تنظيم “القاعدة في العراق”، كميات كبيرة من الكلور في سيارات مفخخة ضد القوات الاميركية والعراقية في محاولة لإنتاج عدد كبير من الضحايا. وقد قُتل أشخاص بفعل المتفجرات في السيارات المفخّخة أكثر من الذين قتلوا من الكلور، لذا بعد محاولات فاشلة عدة، توقّف هذا التنظيم عن إستخدام تفجيرات الكلور لأن النتائج لم تكن تستحق كل هذا الجهد. وقد شملت ترسانة تنظيم “القاعدة في العراق” أيضاً قذائف مدفعية كيميائية من العبوات الناسفة إستعملت في الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق في مناسبات عدة. مرة أخرى، فشلت هذه الهجمات في إنتاج عدد كبير من الضحايا. أخيراً، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية” إستخدم أخيراً بعض قذائف المدفعية التي تحتوي على غاز الخردل ضد أعدائه في سوريا؛ ويفترض الخبراء بأن التنظيم حصل على هذه القذائف من منشأة أسلحة كيماوية سابقة في العراق تعود إلى عهد صدام حسين أو من المخزونات السورية.
المشكلة إذن، لا تكمن في نية “الدولة الإسلامية”، بل في قدرته على الحصول على فيروس “إيبولا” وتحويله إلى سلاح. إن خلق سلاح بيولوجي هو أصعب بكثير من إستخدام المواد الكيميائية مثل الكلور أو الذخائر الكيميائية المصنّعة. على عكس ما تُصوّرها وسائل الإعلام في كثير من الأحيان، إن الأسلحة البيولوجية ليس من السهل الحصول عليها، كما أنها ليست سهلة للإستخدام بفعالية وهي لا تسبب دائماً إصابات جماعية.

صعوبة التسليح

ليس إيبولا والإرهاب شيئين جديدين. ولا إمكانية إستخدام الجماعات الإرهابية لفيروس إيبولا في هجوم هي أمر جديد أيضاً. كما لاحظنا سابقاً في تسعينات القرن الفائت، حاولت طائفة “أوم شينريكيو” اليابانية الحصول على فيروس إيبولا كجزء من برنامجها للحرب البيولوجية. لذا أرسلت فريقاً طبياً الى أفريقيا تحت غطاء كونه فريق عمل للإغاثة بقصد الحصول على عيّنات من الفيروس. وقد فشل في تلك المهمة، ولكنه حتى لو نجح، فإن الفريق كان سيواجه تحدياً متمثّلاً في إيصال العينات إلى مختبر متخصص بالحرب البيولوجية في اليابان. إن فيروس “إيبولا”، كما يفيد أهل الطب، ضعيف وهشّ وسريع العطب نسبياً. إن ديمومته على الأسطح الجافة خارج جسم مضيف ليست سوى بضع ساعات، وبينما أظهر بعض الدراسات أن الفيروس يمكن أن يعيش على الأسطح لأيام عدة عندما يكون لا يزال في سوائل الجسم، فإن هذا يتطلب ظروفاً مثالية التي سيكون من الصعب تكرارها أثناء النقل.
ولو تمكّنت المجموعة في إيصال الفيروس إلى المختبر، لكانت ستواجه التحدّي المتمثّل في إعادة إنتاج فيروس إيبولا بما يكفي من حجم لإستخدامه في هجوم مسلح بيولوجي واسع النطاق، على غرار هجماتها الفاشلة في طوكيو والمدن اليابانية الأخرى حيث رشّت المجموعة آلاف الغالونات من “توكسين البوتولينوم” وجراثيم الجمرة الخبيثة. إن إستنساخ فيروس إيبولا سوف يكون تحدياً إضافياً لأنه فيروس خطير للغاية للعمل والتعامل معه. فقد أصاب الباحثين، حتى عندما كانوا يعملون في مختبرات تحتوي على تدابير السلامة الحيوية المتقدمة. على الرغم من أن مجموعة “أوم شينريكيو” كان لديها عدد كبير من الموظفين والعلماء المدرّبين ومختبر متقدم وحديث للأسلحة البيولوجية، فلم تكن قادرة على تسليح فعال للفيروس أو تحويله إلى سلاح.
إن التحديات التي واجهها برنامج الأسلحة البيولوجية لمجموعة “أوم شينريكيو” ستتضاعف بالنسبة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”. لقد مُنح عناصر “أوم شينريكيو” قدراً كبيراً من الحرية التشغيلية والعملية حتى تم إكتشاف خططهم بعد هجمات غاز السارين التي قاموا بها في 1995 في مترو الأنفاق في طوكيو. (كانت هجمات المجموعة السابقة بواسطة الأسلحة البيولوجية فاشلة إلى حدّ لم يلحظها أحد أو يعرف أحد أنها قد نُفِّذت إلّا بعدما تم القبض على أعضائها وجرت مداهمة مصانع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التابعة لها). خلافاً للمجموعة اليابانية، فإن كل حركة من حركات “الدولة الإسلامية” هي تحت المجهر الثقيل من قبل معظم وكالات الإستخبارات والأمن في العالم. وهذا يعني أن لدى العناصر الجهادية صعوبة أكثر بكثير لإيجاد وتجميع الأفراد والمعدات اللازمة لإنشاء مختبر للإسلحة البيولوجية. ولما كان العثور على مريض مصاب بإيبولا بشكل عشوائي أمراً صعباً، فإن على العناصر الجهادية السفر إلى بلد ينتشر ويتفشّى فيه المرض. وهذا سيكون مهمة صعبة للفريق لإنجاز المهمة من دون لفت الإنتباه إليه. وعلاوة على ذلك، بمجرد وصول أعضاء المجموعة إلى الدول المصابة بالمرض، سيكون عليهم دخول مناطق الحجر الصحي للمرافق الطبية، وسرقة عينات ومن ثم الفرار من البلاد من دون أن يلاحظهم أحد، لأنه لا يمكنهم التعويل على العثور عشوائياً على مريض مصاب بإيبولا في منطقتهم.
حتى لو إستطاع عملاء “الدولة الإسلامية” بطريقة أو بأخرى تحقيق كل هذا – من دون قتل أنفسهم في العملية – فإن إيبولا ليس ناقلاً مثالياً لحرب بيولوجية. إنه فيروس من الصعب أن ينتقل من شخص إلى آخر. في الواقع، في المتوسط، إن معدل توالده أو تناسله الأساسي (متوسط عدد الناس الذين يصابون من قبل مريض واحد بإيبولا) هو فقط ما بين واحد واثنين من الأشخاص. هناك أمراض معدية أكثر مثل الحصبة، التي لديها معدل توالد أساسي بين 12 و18، أو الجدري، الذي لديه معدل توالد أساسي بين خمسة إلى سبعة. حتى فيروس نقص المناعة البشرية، والذي ينتقل فقط من طريق الإتصال الجنسي أو نقل الدم إلى الوريد، لديه معدل تناسل أساسي بين 2 إلى 5.

ضعف “إيبولا” كسلاح

إن مرض “إيبولا” هو أيضا بطيء نوعاً ما حتى يصبح نافذ المفعول، ولا يصير الأشخاص المصابون معرَّضين ومُعدِيين للغير إلّا بعد مدة متوسطها 8-10 أيام. إن فترة حضانة هذا المرض الكاملة في أي مكان يمكن أن تستمر من يومين إلى 21 يوماً. وعلى سبيل المقارنة، إن الإنفلونزا، التي يمكن أن تنتقل بسرعة بعد ثلاثة أيام على الإصابة بها، يمكنها أن تنتشر قبل بدء ظهور الأعراض. وهذا يعني أن أي هجوم ل”إيبولا” سيستغرق وقتاً أطول للإنتشار وسيكون من الأسهل إحتواءه لأن الناس المصابين سيكون من الأسهل تحديدهم.
بالإضافة إلى حقيقة أن “إيبولا” لا يمكن أن ينتقل إلّا من خلال سوائل الجسم للشخص الذي تظهر عليه أعراض في ذلك الوقت، يجب على الفيروس في سوائل الجسم هذه أيضاً بطريقة أو بأخرى تجاوز حماية جلد الشخص. إن السائل المعدي يدخل الجسم من طريق جرح أو خدش، أو يأتي في إتصال مع الأغشية المخاطية في العينين والأنف أو الفم. وهذا يختلف عن الفيروسات المعدية أكثر مثل الحصبة والجدري، واللذان هما من الفيروسات المحمولة جوّاً و لا تتطلب أي إتصال مباشر أو نقل سوائل الجسم. بالإضافة إلى ذلك، فإن فيروس “إيبولا” هو سريع العطب جداً وحساس للضوء والحرارة والبيئات منخفضة الرطوبة، والتبييض والمطهرات الشائعة الأخرى يمكن أن تقتله. هذا يعني أنه من الصعب إنتشار الفيروس من طريق تلوث الأسطح منه. إن الطريقة الوحيدة لتصيب كمية كبيرة من الناس مع “إيبولا” يكون برشهم بالسوائل التي تحتوي على الفيروس، وهو أمر سيكون من الصعب القيام به، ويمكن كشفه بسهولة.
وزعم مقال تيسين في “الواشنطن بوست” أن تنظيم “الدولة الإسلامية” قد يقوم بتنفيذ إستراتيجية هجومية من طريق إصابة عناصر إنتحارية من الجهاديين ب”إيبولا” ثم جعلهم يفجّرون أنفسهم في مكان مزدحم، حيث يرشّون الناس بسوائل الجسم المصابة. مشكلة واحدة مع هذا السيناريو هو أنه سيكون من الصعب للغاية إيصال ناشط مصاب من مختبر التنظيم إلى الولايات المتحدة أو أوروبا من دون أن يتم إكتشافه. وقد ناضلت الجماعات الجهادية كثيراً لإيصال عملاء إلى الغرب لتنفيذ هجمات إرهابية تقليدية باستخدام البنادق والقنابل ولكن لم تفلح كثيراً، وهذا يشكل عائقاً من شأنه أن يؤثر أيضاً في قدرة المجموعات الإرهابية على إستخدام سلاح بيولوجي.
حتى لو إستطاعت مجموعة معادية تجنيد ناشط وإيصاله، فسيواجه العديد من العقبات المهمة. بحلول الوقت الذي يصبح فيه مرضى “إيبولا” شديدي العدوى، فهم عادة مرضى جداً وطريحو الفراش مع إرتفاع في درجة الحرارة ويعانون من التعب والتقيؤ والإسهال، وهذا يعني أنهم ليسوا أقوياء بما يكفي للسير في منطقة مزدحمة. ان الحرارة والصدمة من إنفجار الجهاز الإنتحاري من المرجح أن تقتلان معظم الفيروس. أي شخص قريب بما فيه الكفاية للتعرض للفيروس من المرجح أيضاً أن يكون أصيب في الانفجار ونقل الى المستشفى، حيث سيتم بعد ذلك وضعه في الحجر الصحي ومعالجته من هذا الفيروس.
الواقع أن الأسلحة البيولوجية تبدو كبيرة في الأفلام، لكنها صعبة ومُكلفة للتطوير في الحياة الحقيقية. هذا هو السبب في أننا نادراً ما رأيناها تُستخدم في هجمات إرهابية. وكما لاحظنا على مدى عشر سنين الآن، يمكن للجهاديين قتل عدد أكبر من الناس بنفقات وجهد أقل بكثير من خلال إستخدام تكتيكات إرهابية تقليدية، ما يجعل التهديد بشن هجوم ناجح بإستخدام فيروس “إيبولا” غير مرجح للغاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى