فرصة للإنقاذ في لبنان والعراق

بقلم عرفان نظام الدين*

هناك تشابه كبير بين مظاهرات العراق وانتفاضة لبنان من حيث الشكل والمطالب والدوافع والظروف، إلّا أن من حظّ اللبنانيين أن دولتهم كانت حليمة وصابرة تجاههم وعالَجت الأوضاع بالحسنى، بينما كان المتظاهرون العراقيون ضحيّة ردعٍ دمويّ من قبل الدولة وتنظيمات موالية لإيران ذهب ضحيته مئات الشهداء وآلاف الجرحى ومئات المُعتقَلين.

فبالنسبة إلى المطالب الواحدة، فإن السَيلَ بلغ الزبى، وتكاثرت أسباب الشكوى والبلوى والحاجة والبطالة والفساد ونهب أموال الشعب وغياب معطيات الحياة العادية البسيطة من كهرباء وماء وبنى تحتية وخدمات صحية واجتماعية وإنسانية .

والأكيد أن هذه الأحداث لم تكن بنت ساعتها بل هي وليدة سلسلة من الإحباطات والتمادي في تجاهل مطالب الشعب، فحدث ما حدث ووقع ما وقع من أحداث مُؤلمة ومسيرات واعتصامات لمئات الألوف على امتداد الوَطَنَين من شمال الى جنوب.

وما جرى في العراق كان مختلفاً بشكل بارز لأنه تركّز على التدخلات الايرانية السافرة في كل شاردة وواردة، وفرض تنازلات من العراقيين بالسيادة والأمن والتحيّز والمذهبية، إضافة الى ممارسات تنظيمات تابعة للحرس الثوري الايراني مثل الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق (هي أيضاً جزء من الحشد) التي تمارس أعمالاً عنصرية ضد العراقيين العرب مع عدم إهمال القضايا الحياتية المُلحّة.
اما في لبنان فالوضع مختلف إذ أن الإحتجاج قد تركّز على الجانب الحياتي والمطالب المكررة مع بعض الإنتقاد للدور الإيراني بدعم “حزب الله”.

وبعد أسبوعين من انطلاقة الأحداث فإن من المؤكد ان الزمام سيفلت وتدخل البلاد في دوامة عنف وحالة انهيار في حال لم يتم تغليب العقل والقبول بخطوات تدريجية تُحقّق المطالب، وتعمل على اجتثاث آفة الفساد. ويجب أن لا تتغلب عقلية العناد والمُكابَرة والمُبالغة وتسهيل مُهمّة أطراف لها أجندات خاصة مُقابل تغليب سياسة الإنكار لدى المسؤولين.

صحيح أن مئات الألوف قد شاركوا في المظاهرات ولكن بعضهم كان غير مُسيَّس وشارك في التعبير أو لمُجرّد إثبات الحضور، لكن الصحيح أيضاً الإعتراف بأن أطرافاً أخرى لديها شارع قوي وواسع مثل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” وقوى أخرى قادرة على حشد مئات الألوف ايضاً بلحظة واحدة.

لا بدّ إذاً من الحكمة والبراغماتية لاستغلال هذه الفرصة السانحة، والبحث عن حلولٍ وسط على غرار مبدأ “خُذ وطالب”، وألّا يضيع كل شي بدلاً من الإصرار على شعار “كلّن يعني كلن” كما ضاعت القضية الفلسطينية بسبب شعار “كل شيء او لا شيء”.

 

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى