شريكٌ في الفشل

عندما أصبح حزب الله” جزءاً ناشطاً وشريكاً كاملاً للطبقة السياسية البغيضة في لبنان، فقد واجه غضب المتظاهرين أيضاً.

السيد حسن نصرالله: حاول وقف الإحتجاجات ولكن…

 

بقلم مُهنّد الحاج علي*

مع استمرار الإنتفاضة في لبنان ضد النخبة السياسية وفسادها وسوء إدارتها للسلطة، كان “حزب الله” هو الضحية المفاجئة للإضطرابات الشعبية. لقد اندلعت الإحتجاجات في المناطق الشيعية في لبنان، على الرغم من الجهود التي بذلها الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله ، لتقويض المظاهرات. وقد سلّط هذا الأمر الضوء على أن “حزب الله” اليوم ليس هو الحزب نفسه الذي لعب دوراً سياسياً مركزياً في لبنان في العام 2005.

إن قرار “حزب الله” دخول الحكومة اللبنانية الأولى بعد الإنسحاب السوري في العام 2005 حوّله إلى شريكٍ كامل للطبقة السياسية الفاشلة في البلاد. صورة الأسبوع الفائت عن “البلطجية” المدعومين من “حزب الله” والموالين له الذين هاجموا المتظاهرين المُسالمين سوف تُلطّخ سمعة الحزب “المُعلَنة ذاتياً” كحامي لبنان ضد العدوان الإسرائيلي وك”غريب” عن النخبة السياسية. في الواقع، لقد وقف “حزب الله” في الأسبوعين الماضيين كمدافع رئيس عن هذه النخبة، التي يحميه نظامها، حيث حاول نصر الله مراراً إنهاء حركة الإحتجاج.

تساعد نظرة إلى الوراء على تاريخ “حزب الله” الحديث على فهم سبب إنضمام الكثيرين في المجتمع الشيعي إلى حركة الإحتجاجات، بعد سجل طويل من إنضباط التجمّعات السياسية للجماعة الشيعية. كيف وصل الحزب إلى هذه المرحلة، بعد فترة كانت تُعتَبَر فيها “المقاومة” فوق المناورات التافهة والضيّقة الأفق للسياسة اللبنانية الداخلية؟

إن الأسئلة هي أكثر إثارة للدهشة، نظراً إلى أن الحزب لم يكن أبداً مُشاركاً كاملاً في فترة ما بعد الحرب التكوينية بعد العام 1990. وهذا هو الوقت الذي تمّ فيه تحديد النموذج الإقتصادي الحالي في لبنان، وتمكين أمراء الحرب اللبنانيين من توسيع شبكات عملائهم وأحزابهم الطائفية في المؤسسات الحكومية.

خلال تلك الفترة، قام النظام السوري بتقسيم أدوار مؤيديه وعملائه في البلد. كان “حزب الله” يركز بشكل أساسي على مكافحة الإحتلال الإسرائيلي حتى العام 2000. طوال تلك السنوات، كانت مشاركة الحزب في الحياة البرلمانية والسياسية اللبنانية محدودة نسبياً، مقارنةً بحركة “أمل”، التي كانت المُمثّل الرئيس للشيعة في الحكومة. وبينما كسبت “أمل” من خلال مكافأة الموالين لها، إلّا أن سلوكها شابته إتهامات بالفساد، مما قوّض شعبيتها.

في ذلك الوقت، راكَمَ “حزب الله”، كحركة مقاومة، إنجازاته العسكرية، وكان يُنظر إليه على أنه بقي بعيداً من السياسة اللبنانية الفاسدة. داخل الطائفة الشيعية، تم احترام الحزب واعتبروه ورعاً وجديراً بالثناء، بينما بدت “أمل” بأنها تُجسّد الجشع وشهوة السلطة.

توسّعت مكانة “حزب الله” في الإنتخابات نتيجة لذلك. بالنسبة إلى الكتلة الحرجة من الشيعة اللبنانيين، فإن نجاح “حزب الله” في فرض انسحاب إسرائيلي في العام 2000 قدّس المنظمة كمُحرِّرة. كما أن موت ابن حسن نصر الله في أثناء قتاله ضد الإسرائيليين في العام 1997، إدى إلى النظَر إليه على أنه “قطعة قماش” مختلفة عن معظم السياسيين اللبنانيين الآخرين. وقد ساعد هذا “حزب الله” على تصوير نفسه على أنه نقيض السياسة اللبنانية.

تردّد الحزب في البداية في دخول السياسة اللبنانية في العام 2005، عندما انسحبت القوات المسلحة والأمنية السورية من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وحدّد دوره الحكومي الجديد كمُكمّل لمقاومته. نظراً إلى الإنسحاب السوري، سعى “حزب الله” أساساً إلى حماية أسلحته من خلال إضفاء الشرعية على دور مقاومته من خلال تثبيت هذا في حكومة جديدة. وأقام علاقات وثيقة مع “أمل، التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا. العدوّان والمتنافسان السابقان أصبحا “الثنائي الشيعي”، الذي لا ينفصل في السياسة. كما وقّع الحزب مذكرة تفاهم مع “التيار الوطني الحر” الذي كان يترأسه العماد ميشال عون في العام 2006، مما مهّد الطريق لعلاقات أعمق مع وريثه السياسي جبران باسيل، الذي يرأس الآن “التيار الوطني الحر” وهو هدفٌ رئيس للمتظاهرين.

الصراعات الإقليمية كثّفت بدورها هذه التحالفات. لقد كان عقد 2005-2015 عقداً شديد التقلّب بالنسبة إلى “حزب الله”، حيث واجه العديد من الأزمات. وشمل ذلك الإنسحاب السوري، واتهامات المحكمة الدولية بأن الحزب متورط في اغتيال الحريري، وحرب مع إسرائيل في العام 2006، وصراع داخلي قصير الأجل في أيار (مايو) 2008، عندما سيطر “حزب الله” و”أمل” على غرب بيروت، وتورّط الحزب في الحرب في سوريا في العام 2013.

نجا “حزب الله” من كل هذه الأحداث من دون تأثير يُذكَر في قاعدة دعمه الشيعية. وسمح الإستقطاب الطائفي للحزب بالحفاظ على جماهيره الإنتخابية. من خلال مبالغته للتهديدات الداخلية والخارجية المزعومة التي تتربّص بالحزب والشيعة في لبنان، تمتّع “حزب الله” بهامش واسع من المناورة.

تغيّر كل هذا في العام 2016. بعد عام من تدخل روسيا في سوريا، إستطاع نظام الأسد إستعادة ما خسره تقريباً من أراضٍ وتحقيق إنتصارات عدة، ووجد “حزب الله” نفسه في الجانب الرابح هناك. في هذا هو الوقت إختار الحزب ترجمة هذه المكاسب داخل لبنان. لذا فقد لعب دوراً أساسياً في الحفاظ على فراغ في الرئاسة كوسيلة للضغط لتمهيد الطريق لانتخاب ميشال عون كرئيس للجمهورية. في المقابل، ساعد عون و”التيار الوطني الحر” “حزب الله” في تأمين إقرار قانون انتخاب مواتٍ سمح للحزب وحلفائه، بما في ذلك “التيار الوطني الحر”، بالفوز بغالبية مقاعد مجلس النواب في انتخابات 2018. لضمان إقبال كبير في البقاع وجنوب لبنان، تعهّد نصر الله بالإشراف شخصياً على جهود الحزب لمحاربة الفساد. في ذلك الوقت، شارك الشيعة باقي اللبنانيين التعب والإحباط مع تباطؤ الإقتصاد، وتزايد عدم المساواة، وانتفاضة الشباب، والبطالة.

لم يتحقق الوعد الذي قطعه نصر الله لمكافحة الفساد، ونظراً إلى ضغوط الولايات المتحدة المتزايدة ضد إيران و”حزب الله”، أعطى الحزب الأولوية لصراعاته الخارجية مرة أخرى. ومع ذلك، فإن التفويض الذي حصل عليه الحزب من الشيعة في لبنان في العام 2005 قد تجاوزه اليوم. إن فكرة المؤامرات الخارجية، الوجودية بطبيعتها والتي لا تنتهي أبداً، تبدو أقل تصديقاً. إذا فشلت النخبة الحاكمة مرة أخرى، فإن الأزمة الاقتصادية ستدفع الناس إلى الشوارع بقوة أكبر مما رأيناه حتى الآن.

لقد حاول نصر الله وراعيه، المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، بالفعل تشويه صورة المتظاهرين، وهو تكتيك تمّ استخدامه لتبرير بعض أعمال العنف ضد المُحتجّين. لكن هذا أثار انتقادات من داخل المؤسسات الموالية ل”حزب الله”. على سبيل المثال، استقال صحافيون في جريدة “الأخبار” إحتجاجاً على جهود الصحيفة لتشويه صورة المُحتجّين.

وهذا ما يُفسّر لماذا كان خطاب نصر الله الأخير أكثر حول السيطرة على الضرر. كان الأمين العام لـ”حزب الله” مُصالحاً ومُهادناً  تجاه المتظاهرين، وأشاد بهم وبدورهم، بينما كان يشرح كيف أن تصريحاته السابقة حول كيفية إخفاء الإحتجاجات تآمرات خارجية كانت خارج السياق. حتى لو حاول الحزب الظهور بمظهر الإصلاحي، فإن ذلك لن يوقف التصوّر الذي يكبر ككرة الثلج بأن “حزب الله” أصبح الآن ركيزة الطبقة الحاكمة الفاشلة والفاسدة.

  • مُهنّد الحاج علي مدير الإتصالات والإعلام وباحث مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى