سقوط الهالات والهامات المنحولة

بقلم راشد فايد*

كان ينقص “أمين عام الجمهورية” أن ينهي خطابه الأخير بنص منسوج على منوال بشار الأسد، حين أبلغ الرئيس الشهيد رفيق الحريري: التمديد لإميل لحود أو “بكسّر البلد” على رأسك ورأس وليد جنبلاط، أو على نسق شعار شبّيحته في وجه الثورة السورية “يبقى الأسد أو يفنى البلد”.

صحيح أن السيّد حسن نصرالله بدأ خطابه بسعي إلى احتضان الإنتفاضة الشعبية، وكاد يدّعي أبوّتها، واتخاذ دور الحامي لأهدافها، لكن الأصح ان المضمون زعم البراءة من الفساد، والتطهّر من الإرتكابات، لكأن التهرّب الجمركي إختصاص كائنات مرّيخية، ومثله تصنيع الكابتاغون، وكذا خوض حروب إقليمية لحساب دولة ايران، وتعطيل الحياة السياسية السليمة بديموقراطية تواطئية، وثلث مُعطّل، وقانون انتخاب تشارك الجميع، تحت مظلّة حزبه، في تبنّي الخزي والعار الذي يلصقه بأي مفهوم للديموقراطية. وهل يغيب عن الفساد إختلاق صدام مع الدول العربية، ورميها بأقذع الشتائم السياسية، خنوعاً لمصالح طهران، فيما الموارد السياحية، قبل زمن الحزب، كانت تأتي من أهلها.

يوحي الجزء الأول من الخطاب بأن قائله مُراقبٌ أجنبي يسرد ما رآه في أيام الإنتفاضة، وينسى أنه، وجماعته الحزبية، في أساس ما بلغته الدولة اللبنانية من ترهّل وخواء، بفضل وصايته “السرية المُعلَنة” على مقدّراتها، ومعابرها، التي لا تُمارى. مشكلته هنا أنه لا ينظر إلّا “قدّامه”، فلا يلمح الفساد على يمينه ويساره، ووراءه وفي حضنه. ربما الإستماع إلى أصوات صور وبنت جبيل والنبطية، والضاحية، أي ما سمّاه يوماً بـ”البيئة الحاضنة”، يُعطيه الصورة الحقيقية، لما يعنيه الغضب الشعبي. هي من المرّات النادرة، والجماعية التي يرفع فيها الجنوبيون صرختهم الى ما فوق مظلة “الثنائية الشيعية”. ففي العام 2000 توّج “حزب الله” سنين المقاومة، التي انطلقت في العام 1982 مع “جمّول”، بطرد الإحتلال الإسرائيلي من الجنوب، لكنه احتل إرادة الجنوبيين، حتى اندلاع الثورة الراهنة: لم يعد باستطاعة اللبنانيين أن يكونوا شهوداً على موتهم ووطنهم، لتحقيق هيمنة الولي المرشد في ايران.

تدرّج الخطاب من توصيف الوقائع، وتفهّمها، وحتى تبنّيها، إلى رفع  ثلاث لاءات في وجه الثورة الشعبية: لا لإسقاط العهد، ولا لاستقالة الحكومة، ولا لانتخابات نيابية مُبكرة. وأغرق صاحبه في تبرير، غير مقنع، لتعطيله البلاد والحياة العامة سنتين ونصف باحتلال وسط بيروت، وتجميد العمل بالدستور بإغلاق مجلس النواب. وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية حتى يخنع خصومه لاختياره. فما يفعله، حلال له، وحرامٌ على الآخرين.

شبّ الشعب عن الطوق، وأسقط الهويات الطائفية التي استخدمها الحزب (وغيره) لكن جماعته حاولت خرق الحشود بأعلامها الحزبية، فبدت المواجهة واضحة: شارع ضيق ضد ساحات مفتوحة. ما حدث أوضح للحزب أزمته. فالأمين العام، السيّد حسن نصرالله،  لم يستغنِ عن التلويح بسبابته بعد 19 سنة من سعيه لـ”تقريش” النصر جنوباً، بالهيمنة على الدولة. رسائل الإصبع المرفوع لم تُجدِ، ولن تُجدي، ولم تَعُد تُخيف.

  • راشد فايد صحافي ومُحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى