كيف تتنافس القاهرة والرياض على قيادة العالم العربي

على الرغم من التقارب العلني بين المملكة العربية السعودية ومصر، فإن تنافساً على قيادة العالم العربي، وخصوصاً السني، يشتعل تحت الرماد بالسر، وقد برز في أمكنة عدة أهمها كان في سوريا. لكن يبدو أن نشوء التحالف التركي – القطري قد أخر ظهور هذا التنافس إلى العلن إلى حين.

الرئيس رجب طيب أردوغان والشيخ تميم بن حمد: حلفهما يُقرّب مصر من السعودية

بقلم إلياس كوسكوفيليس وكونستانتينوس زاراس*

في أول رحلة رسمية له إلى الخارج في آذار (مارس) 2018، إختار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة القاهرة، حيث كان في استقباله الرئيس عبد الفتاح السيسي معتبره “ضيفاً عزيزاً في وطنه الثاني مصر”. خلال هذه الزيارة وافق الإثنان على تعزيز التعاون الثنائي عبر الطيف السياسي، وتنفيذ مشاريع التنمية الطموحة وتعزيز العلاقات الإستراتيجية الثنائية. وعلى الرغم من هذا المزاج التعاوني، فإن الدولتين لم تتغلبا بعد على الإختلافات السياسية الاستراتيجية والخارجية الكبيرة التي غالباً ما شوّهت العلاقة الثنائية، أولها وقبل كل شيء: ما الذي يُشكل أخطر تهديد للإستقرار الإقليمي؟

علاقة متأرجحة

إدّعت كلٌّ من المملكة العربية السعودية ومصر دوراً إقليمياً رائداً، وتأرجحت علاقاتهما منذ فترة طويلة بين التعاون والمواجهة غير المباشرة. خلال حكم جمال عبد الناصر (1954-1970)، برزت القاهرة كمُدّعية رئيسية للهيمنة الإقليمية. ثم جاء العداء السعودي – المصري إلى الواجهة وتُوِّج بالحرب بالوكالة في اليمن (1962-1970) حيث وجدت الدولتان أنفسهما تُقاتلان على الجانبين المُتعارضين. ومع ذلك، فإن هزيمة مصر في حرب حزيران (يونيو) 1967 ووفاة عبد الناصر في أيلول (سبتمبر) 1970 كانا أمرين بشّرا بذوبان الجليد بين الدولتين. فقد تحوّلت القاهرة تدريجاً نحو المعسكر الغربي واعترفت بدور الرياض البارز في العالم الإسلامي، في مقابل دعم إقتصادي سخي. وتحت حكم حسني مبارك، أصبحت العلاقات الوثيقة مع المملكة الصحراوية أحد أعمدة السياسة الخارجية لمصر.
أدّت الإضطرابات الثورية في العام 2011 وصعود جماعة “الإخوان المسلمين” إلى قيادة مصر إلى إنهاء التسوية المؤقتة لعصر مبارك الذي استمر ثلاثة عقود. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الرئيس محمد مرسي لطمأنة نظرائه العرب بأن حكومته لن تزعزع النظام الإقليمي، إلّا أن السعوديين كانوا غير مرتاحين للتحوّل السياسي في مصر. ولم يكن نموذج حكم الإخوان يُهدد النظام الملكي السعودي فحسب، بل أدّى التحالف الناشئ بين مصر وقطر وتركيا إلى إنشاء محور سني قوي منافس هدّد قيادة الرياض الإسلامية. والأسوأ من ذلك أنه لم يكن في الإمكان إستبعاد أن يحدث تقارب بين المحور الناشئ المرتبط بالإخوان وطهران. وقد ساهم كل هذا في تصنيف الرياض رسمياً جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمة إرهابية، وتولّيها الدور القيادي للدفاع عن ملكيات الخليج العربي وحلفائها الإقليميين في مواجهة دعم إدارة باراك أوباما للثورات المدعومة من الإسلاميين.
وقد اعتبر السعوديون الإطاحة بمرسي من قبل الجيش المصري في صيف العام 2013 خطوة رئيسية نحو وقف المدّ الثوري في جميع أنحاء المنطقة. وكانوا أول من إعترف بنظام السيسي الجديد وقدّموا له الدعم الإقتصادي والمالي. في المقابل، أملت الرياض دعماً ديبلوماسياً وعسكرياً مصرياً، بخاصة لاحتواء نفوذ طهران المتزايد.
شهدت العلاقات المصرية – السعودية تدهوراً مؤقتاً بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش في العام 2015. وحاول الملك الجديد مد الجسور مع الشخصيات والحركات الإسلامية، لحشدهم من أجل الكفاح ضد إيران. لكن هذا التقارب لم يتماشَ بشكل جيد مع النظام المصري، الذي كان مشغولاً في قمع سلطة الإخوان المتبقية. وقد أدّى إنتخاب دونالد ترامب، إلى جانب عدد من التطورات الإقليمية (لا سيما الصدع المتعمق بين الرياض والدوحة)، إلى توحيد القوتين السنّيتين مرة أخرى. ومع إلقاء واشنطن ثقلها وراء الجهود الإقليمية لاحتواء طهران، لم تعد الرياض بحاجة إلى قوى إسلامية مرتبطة بقطر والإخوان من أجل تحقيق هذا الهدف. وهكذا استأنف السعوديون إمدادات النفط إلى مصر. ومع رد السيسي بالمشاركة النشطة في الحصار المفروض على الدوحة، أصبحت المعارضة المشتركة لمحور قطر-تركيا-جماعة “الإخوان المسلمين” رابطاً حاسماً بين القاهرة والرياض.

وجهات نظر متباينة ومصالح متضاربة

خلال الأشهر الأولى من حكم السيسي، سارت القاهرة على ما يبدو مع سياسة الرياض، وذلك لاعتمادها على المساعدة السعودية لتجنّب الإنهيار الإقتصادي. لكن إذا كان السعوديون يتوقعون أن دعمهم المالي سيضمن إمتثال مصر غير المشروط والمستمر لموقفهم بالنسبة الى القضايا الإقليمية، فسيواجهون خيبة أمل سريعاً.
حدث أول نزاع بالنسبة إلى السياسة الخارجية في الحرب الأهلية اليمنية. بينما أذعنت القاهرة للرياض وأيّدت الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عندما هاجم الحوثيون صنعاء واحتلوها في أيلول (سبتمبر) 2014، فقد قاومت بعناد النداءات المتكررة للانضمام إلى التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، واكتفت بإيفاد قوة رمزية. ويُمكن أن يُعزى هذا الإحجام جزئياً إلى الصدمة المستمرة للحرب الأهلية اليمنية السابقة (1962-1970)، حيث تكبّد الجيش المصري فيها خسائر فادحة، وجزئياً لرفض القاهرة التنازل عن دورها القيادي التقليدي في العالم العربي من خلال اللعب كلاعب ثان للرياض. من هنا، إقترح السيسي في قمة جامعة شرم الشيخ في آذار (مارس) 2015 تشكيل قوة عربية تُدافع عن سيادة الدول الأعضاء، والتي من المفترض أن تلعب فيها مصر دوراً قيادياً.
هناك مصدر آخر للخلاف السعودي – المصري يتعلق بنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير على البحر الأحمر، الموقعان الاستراتيجيان عند مصب خليج العقبة، من مصر إلى السعودية. خلال زيارة الملك سلمان إلى القاهرة في نيسان (إبريل) 2016، توصّل الطرفان إلى اتفاق بشأن الجزيرتين الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من الجمهور المصري، الذي اعتبر هذه الخطوة تعبيراً عن تفوّق الرياض الإقليمي على حساب مصر. ثم أوقفت محكمة مصرية الصفقة، تاركةً السعوديين في حالة غموض، ولم يُصادق البرلمان والرئاسة المصريين على اتفاقية النقل إلّا في حزيران (يونيو) 2017، مما أثار أول احتجاج كبير ضد السيسي.
الواقع أن الإختلافات في السياسة أصبحت أكثر وضوحاً. لقد انشغلت القاهرة بالحفاظ على الإستقرار الداخلي في مواجهة التمرّد الجهادي في سيناء وهياج التشدّد الإسلامي في الداخل، وتبنّت موقفاً واضحاً ضد أي جهة فاعلة غير حكومية تُهدد مصالحها. في المقابل، نظرت الرياض إلى السياسة الإقليمية من خلال تنافسها مع طهران ولم تكن لديها أي مخاوف بشأن دعم الجهات الفاعلة غير الحكومية شريطة أن تُعارض إيران وحلفاءها. طفت هذه الإختلافات إلى السطح خلال الحرب الأهلية السورية، والتي كانت السبب الرئيسي لتدهور العلاقات الثنائية في العام 2016.
كانت الرياض أول قوة إقليمية تُدين نظام بشار الأسد وتُطالب بإطاحته بعد أحداث 2011 الأولى التي أشعلت الحرب الأهلية السورية. أصبح السعوديون أيضاً مساهمين رئيسيين في المساعدات المالية والعسكرية للمتمردين في محاولة لتقويض المصالح الإيرانية في سوريا. ومع ذلك، فإن تصميم الرياض على منع بعض الجماعات الإسلامية المسلحة من الحصول على اليد العليا في سوريا وضعها في مسار تصادمي مع قطر وتركيا، اللتين فضّلتا العناصر الجهادية المرتبطة بالإخوان. ومع تعميق طهران لوجودها العسكري في سوريا، مباشرة (مع “لواء القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي) وبالوكالة (عبر “حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى)، ومع وصول المتمردين الى حافة الهزيمة، تحرّكت الرياض لدعم بعضٍ من الجماعات الإسلامية التي امتنعت حتى الآن عن دعمها. في المقابل ، نظرت القاهرة إلى الحرب السورية من خلال منظور الحرب الإقليمية ضد الجهادية، واعتبرت بقاء نظام الأسد بمثابة فوز حاسم في هذا الصراع، ورفضت الضغط السعودي المستمر لدعم التمرد المناهض للنظام.
وهناك مثال لا يقل وضوحاً عن إحجام مصر عن إثارة أي تصعيد للتوترات الإقليمية خلال الحادثة الغريبة لاستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة في لبنان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 خلال زيارته للرياض. لم تكتفِ القاهرة بدعم تراجع الحريري في ما بعد عن الإستقالة، بل إنها منعت محاولة تعليق عضوية الحكومة اللبنانية، التي يكون “حزب الله” عضواً فيها، في الجامعة العربية. وهذا يعكس الأولوية المصرية للاستقرار اللبناني في ما يتعلق باحتواء “حزب الله”، وبشكل أعم، الإحجام عن التورط في مواجهة مع وكلاء إيران.

المصالح التكميلية

على الرغم من مفاهيم السياسة المتباينة بينهما، فإن القاهرة والرياض لا تشتركان في أهداف استراتيجية مشتركة فحسب، بل إن التطورات الأخيرة فتحت إمكانية التغلب على الخلافات وتحسين العلاقات الثنائية. وهكذا، على سبيل المثال، أدى تدخل موسكو العسكري المباشر في سوريا إلى تضييق الفجوة بين النهجين السعودي والمصري للنزاع. من خلال تحفيز الهزيمة الحاسمة للثورة، فقد جعل الروس الإطاحة بنظام الأسد نقطة جدلية، في حين أن وجودهم العسكري الهائل في سوريا قد خلق ثقلًا هائلاً موازناً لهيمنة طهران على البلاد. في ظل هذه الظروف، ونظراً إلى مكانة السيسي الجيدة مع نظام الأسد، يُمكن للرياض أن ترى فوائد قيام القاهرة بدور الوسيط في سوريا لتقييد نفوذ طهران وعملائها. وقد توسطت مصر بالفعل في وقف لإطلاق النار بين الحكومة السورية والفصائل المتمردة في شرق الغوطة في تموز (يوليو) 2017، وعلاقاتها الوثيقة مع موسكو تضعها في موقع ميمون لتلعب دور الوسيط النشط في المستقبل.
من العوامل الإضافية التي تُعزز التعاون المصري – السعودي هي العلاقات الدافئة بين الرياض وإسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني المتزايد. ترى كلتا الدولتين طموحات الهيمنة الإيرانية بمنظار واحد، وقد تابع كل منهما التطورات في سوريا ولبنان بقلق كبير وقامتا بتنسيق جهودهما لنزع الشرعية عن “حزب الله” وتقييد سلطته ونفوذه. وبينما لم تُقيما بعد علاقات ديبلوماسية بينهما، فقد تبادلت الدولة العبرية والرياض زيارات عمل، وهناك دلائل على وجود تعاون استخباراتي ثنائي مهم.
من جانبه، وصل التعاون الأمني المصري – الإسرائيلي إلى ذروته بعد الإطاحة بالرئيس مرسي. ووصلت الثقة المتبادلة إلى مستوى عالٍ لدرجة أن حكومة نتنياهو وافقت على نشر الآلاف من القوات المصرية بالقرب من الحدود المشتركة (في انتهاك لمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية لعام 1979) لهزيمة التمرّد الإسلامي في سيناء. إن إقامة سيطرة كاملة على شبه الجزيرة هي مصلحة مصرية ـ إسرائيلية ـ سعودية مشتركة، لا تأخذ في الاعتبار الجوانب الأمنية فقط – قتال الجماعات الجهادية والسيطرة على “حماس” – ولكن أيضاً تخطيط المشروعات الكبرى الإقليمية. والأهم من ذلك، أن تحقيق الإستقرار في سيناء يعمل كتدبير لبناء الثقة بين الدول الثلاث ويُسهّل المزيد من التعاون.
من العوامل التي لا تقل أهمية لتدعيم التعاون المصري – السعودي العلاقات مع تركيا. منذ العام 2013، قادت أنقرة المعسكر المعادي لمصر حيث نظرت القاهرة إلى الأتراك باعتبارهم من كبار مزودي التطرف الإسلامي. بالمقارنة مع العداء السياسي المستمر بين الرئيسين السيسي ورجب طيب أردوغان، تراجعت العلاقات التركية – السعودية بسبب إختلاف التصوّرات حول القضايا الإقليمية وكذلك التنافس على الزعامة والقيادة بين المسلمين السنة. كانت هناك إعادة تسخين مؤقتة للعلاقات خلال الفترة الأولى من حكم الملك سلمان عندما كان على استعداد للتعاون مع الجماعات الإسلامية لمواجهة النفوذ الإيراني. ولكن بحلول صيف 2017، كان السعوديون والأتراك مرة أخرى على خلاف. إن قرار أنقرة بوضع نفسها بشكل قاطع خلف قطر في نزاعها مع الرياض، وبخاصة نشر القوات التركية في قاعدة طارق بن زياد العسكرية في جنوب الدوحة، نظرت إليه الرياض باعتباره إهانة مباشرة. لقد ساهم التدخل التركي في شؤون الخليج العربي بشكل كبير في الرفض القطري لمطالب اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب (الإمارات العربية المتحدة ، المملكة العربية السعودية ، البحرين ومصر) وسهّل تعاون أنقرة اللاحق مع طهران – الأمر الذي أثار غضب السعوديين أكثر.
في الإطار الاستراتيجي الحالي، يبدو أن الأنشطة التركية والقطرية تتعارض مع المصالح المصرية والسعودية على مستويات مختلفة. مثالٌ على ذلك الصراع الليبي، الذي تعتبره القاهرة جزءاً من الحرب الإقليمية ضد التطرف الإسلامي وقضية حيوية لأمنها القومي. وبينما دعمت كلٌّ من قطر وتركيا القوى ذات الميول الإسلامية المرتبطة بحركة “الإخوان المسلمين”، ساعدت مصر والإمارات العربية المتحدة الجيش الليبي الوطني للجنرال خليفة حفتر، القوة الرئيسية المناهضة للإسلاميين في الصراع. وفي شباط (فبراير) 2015، بعدما إعترضت قطر ومنعت إصدار قرار في الجامعة العربية يسمح لمصر بالتدخل ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في ليبيا، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً أدانت فيه الدوحة لدعمها الإرهاب. ليس لدى السيسي أي نية للسماح لجماعات تتعاون مع القوى الإسلامية في سيناء والبر الرئيسي المصري بالسيطرة على الحدود الليبية – المصرية التي يسهل اختراقها.
إن التنافسات في الشرق الأوسط (ومكوّناتها المؤيدة والمناهضة للإخوان المسلمين) شديدة أيضاً في مناطق البحر الأحمر وشرق إفريقيا حيث تتنافس دول عدة على النفوذ. تُولي كلٌّ من مصر والمملكة العربية السعودية أهمية كبيرة لوجودهما في المنطقة لأنه يؤثر في قضايا أمنية أخرى. إن هدف القاهرة الأساسي هو تأمين المرور الحر عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو أمر حيوي لتشغيل قناة السويس. بالإضافة إلى ذلك، يُعزز الوجود القوي في البحر الأحمر مصالح مصر في حوض النيل الأزرق حيث توجد نزاعات مستمرة مع السودان وإثيوبيا.
من ناحية أخرى، أدّى وجود المحور التركي-القطري في المنطقة إلى تحوّل في التحالفات وأثار من جديد النزاع الإقليمي بين القاهرة والخرطوم في ما يتعلق بالسيادة على مثلث حلايب. لقد تدهورت علاقات السودان مع مصر تدهوراً شديداً منذ وصول السيسي إلى السلطة بسبب موقف الرئيس عمر البشير المؤيد للإخوان. إنحازت الخرطوم إلى المعسكر التركي – القطري في حالات عدة، مثل الحرب الليبية. كما نسّقت سياستها مع إثيوبيا بشأن قضية مشروع سد النهضة من أجل ممارسة المزيد من الضغط على مصر. وساهمت الصفقة الأخيرة بين الخرطوم وأنقرة حول جزيرة سواكين، والتي قد تشمل بناء قاعدة عسكرية تركية، في زيادة التوترات بشكل كبير بين الدولتين الجارتين. لن يكون الميناء العثماني الذي تم ترميمه نقطة انطلاق للحج إلى مكة فحسب، بل سيحتوي أيضاً على رصيف للسفن المدنية والعسكرية. وبالنظر إلى أن أنقرة أنشأت قاعدة عسكرية في الصومال في العام 2017، فإن الوجود الدائم في البحر الأحمر يدل على توقع تأثير تركي في الساحات الخلفية المصرية والسعودية. كان رد فعل القاهرة على هذه التطورات من خلال إقامة علاقات أوثق مع إريتريا وجنوب السودان وإرسال المزيد من القوات إلى القاعدة العسكرية في عصب.
إن سياسة أنقرة المتمثّلة في استغلال المنافسات المحلية لتوسيع نفوذها عبر شرق إفريقيا، بدعم قطري، قد قدّمت المزيد من الحوافز للتعاون بين القاهرة والرياض. إن صفقة جزيرة سواكين قد تجعل الرياض أكثر استجابة للمخاوف المصرية والإماراتية. وطالما ظل الصدع السعودي – القطري نشطاُ، ستسعى الرياض إلى تنسيق سياساتها مع القاهرة وأبو ظبي في منطقة البحر الأحمر. وتُشير عودة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية إستعداد المملكة لتولي دور أكثر نشاطاً في المنطقة. هناك مشاريع طموحة، مثل تطوير مدينة “نيوم” الكبرى، تُسلط الضوء على هذا الجانب من السياسة السعودية.
لقد أدّت الحرب الأهلية اليمنية إلى زيادة القيمة الاستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة إلى الرياض. إن السيناريو الذي يفيد بأن طهران، من خلال وكلائها الحوثيين، يُمكنها أن تعرقل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مع الأخذ في الإعتبار أن لديها بالفعل إمكانية إغلاق مضيق هرمز، سيكون أمراً غير مرحب به لدى السعوديين. من خلال هذا المنطق، فإن تشكيل كتلة مصرية ـ سعودية قوية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا سيُعيق أي محاولة إيرانية لتزويد المتمردين الحوثيين، ومواجهة الجهود التركية – القطرية لنشر نفوذهما في المنطقة، وتعزيز موقع القاهرة في نزاعاتها الثنائية مع السودان وإثيوبيا.

الخلاصة

بالنظر إلى خلافاتهما حول ما ينبغي اعتباره التهديد الإقليمي الأول، من الصعب التنبؤ بأي طريقة سوف تسير العلاقة الثنائية بين مصر والسعودية. تُعطي القاهرة أولوية لاحتواء الجماعات الإسلامية بينما تسعى الرياض إلى كبح مساعي طهران للهيمنة الإقليمية (وطموحاتها النووية الجامحة). بالإضافة إلى ذلك، تحجم مصر عن لعب دور ثانوي في معسكر سني تقوده السعودية. ومع ذلك، فمن الواضح أنه طالما استمرت تركيا وقطر في توحيد تحالفهما والإقتراب من إيران، ستحتاج الرياض والقاهرة إلى بعضهما البعض لكبح النفوذ الإقليمي لمنافسيهما وتعزيز مصالحهما الخاصة.

• إلياس كوسكوفيليس أستاذ العلاقات الدولية، قسم الدراسات الدولية والأوروبية ، في جامعة مقدونيا، اليونان. وكونستانتينوس زاراس أستاذ مساعد للعلاقات الدولية، قسم الدراسات الدولية والأوروبية، في جامعة مقدونيا، اليونان.
* كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى