إبن سلمان ضد إبن نايف: الحقيقة والخيال في لعبة العرش السعودية
منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش والإشاعات تملأ المملكة العربية السعودية حول الصراعات على السلطة بين أمراء آل سعود. وأخيراً إرتفعت وتيرة الهمس وتزايدت الإشاعات حول الإستيلاء على السلطة والعودة إلى الحكم والمؤامرات في دوائر العائلة المالكة. وإذا حدث ذلك، سيكون له تداعيات خطيرة في المملكة وخارجها. ولكن إلى أي حد تَصدُق هذه الإشاعات؟
بقلم الدكتورة مضاوي الرشيد *
لا يزال صعود محمد بن سلمان المفاجئ وغير المُتوَقّع إلى مكانة مرموقة ومتميّزة في السلطة تحت مظلة والده يُثير فضول الكثير من المراقبين داخل وخارج المملكة العربية السعودية، حيث تنتشر الإشاعات بأنه يُخطط لقفز صف التراتبية إلى الملكية وإطاحة إبن عمه ولي العهد محمد بن نايف، بموافقة الملك سلمان.
عندما أصبح ملكاً في العام 2015، تجاهل سلمان تماماً هيئة البيعة التي أنشأها الملك الراحل عبد الله لتنظيم الخلافة، ورغبة الأخير في أن يحترم سلمان خطة الخلافة التي وضعها قبل وفاته.
مع عدم وجود قيود قانونية على الإمتيازات الملكية في مَلَكِيّة مُطلقة، قام سلمان بتعديل وترتيب وضعية الأسرة المالكة من دون أي تحدّيات، ولكن هذا الأمر أدّى إلى التشويش والإشاعات حول التنافس الملكي الحالي.
الإشاعات
تُركّز إحدى الإشاعات على التنافس بين المُحمَّدَين. وتدّعي بأن محمد بن سلمان على وشك الإطاحة بإبن عمّه محمد بن نايف في محاولة لضمان وراثته للعرش فور وفاة والده.
وتعتمد هذه الإشاعة على الصعود المفاجئ لإبن سلمان البالغ من العمر 33 عاماً، والذي يقوم حالياً بتعزيز سلطته وتحقيق سمعة عالمية من خلال سلسلة من المقابلات في وسائل الإعلام الدولية المُحتَرَمة والزيارات المُنتَظمة إلى الولايات المتحدة. وتستفيد الإشاعة من بعض الحقائق وتعمد إلى تضخيمها، مما يضيف بُعداً سياسياً للصراع على السلطة بين كبار الأمراء.
أما الإشاعة الثانية فتدور حول أخوة وأشقاء الملك سلمان الساخطين، ومن بينهم الأميران أحمد وطلال. إن تهميشهما الكامل كثيراً ما يُفَسَّر بأنه علامة على أنهما يُخطّطان لعودة “شريرة”، مُتحدّيان رغبة الملك في تأمين وضمان العرش لإبن أخيه وإبنه.
لم يكن طلال راضياً عن إختيار نايف ولياً للعهد في العام 2005، وأعلن أنه ليس مُلزَماً بتقديم ولاء الطاعة له إذا أصبح ملكاً. وقد إبتعد طلال من الأضواء بسبب عمره وحالته الصحية الحالية، ولكن الإشاعة مع ذلك مُستَمِرّة.
وهناك إشاعة ثالثة تدور حول أمراء الجيل الثاني. وهذا يشمل قبل كل شيء أولاد أعمام محمد بن سلمان، مُتعِب، إبن الملك عبد الله، وعبد العزيز، إبن الملك فهد، بالإضافة إلى أمراء صغار ومُهمَّشين أقل شهرة، وبعضهم من أبناء الملك سعود.
أولئك الذين يعرفون
مع ظهور وسائل الإعلام الاجتماعية، فإن السعوديين إما أنهم سيُصفّقون إذا أطاح محمد بن سلمان إبن عمه الأكبر في الوقت الذي لا يزال والده على قيد الحياة أو ببساطة سوف يبقون مُشاهدين غير معنيين بالدراما الملكية. لكنهم سيواصلون تعميم الإشاعات حول الأمراء الغاضبين والمُهمَّشين.
مع وجود العديد من السلطات الآن بين يدي محمد بن سلمان، بما في ذلك القوة الناعمة من وسائل الإعلام السعودية والإنتشار العالمي من خلال شركات العلاقات العامة التي يستخدمها، فإنه من الصعب التنبؤ بأي تحديات حقيقية ستواجه تنصيبه ملكاً مستقبلاً. ولن يكون بمقدور محمد بن نايف إلّا أن يصبح ملكاً فخرياً، مثل الملك خالد (1975-1982) الذي لم يكن له دورٌ في القرارات الحقيقية التي كان يتّخذها ولي عهده القوي الأمير فهد، الذي كان يدير المملكة كإقطاعيته حتى العام 2005.
ولكن يبدو أن السعوديين هم اليوم أكثر إنفصالاً عن هذا التنافس على السلطة المزعوم بين المُحمَّدَين. في حال إندلاع صراع على السلطة بعد وفاة الملك سلمان، فمن المؤكد أنه سيشكل ضربة خطيرة لحكم السلالة في المملكة ومستقبل آل سعود. كما أن هذا الصراع سيُعجِّل حتماً بأزمة الشرعية.
وستكون الأزمة حادة لأن أي صراع على السلطة في القمة لن يعود من الممكن إحتواؤه سراً داخل الدوائر الملكية. وعلى الرغم من أن آل سعود قد أزالوا كل مجموعات الضغط ودوائر النفوذ التي يمكن أن تتوسّط في خلافات القيادة، فإن التنافس في الأعلى سيكون مُعطِّلاً ومُدَمِّراً بشكل خطير.
لقد أبعد الملك سلمان وإبنه محمد العديد من كبار الأمراء عن الحكم، على سبيل المثال أخوة الملك الأشقاء أحمد وطلال ومُقرن. وهم الآن صاروا جزءاً من ماضي المملكة وليس من حاضرها أو مستقبلها. كما قام الملك بتهميش كبار رجال الدين الذين كانت تتم إستشارتهم أحياناً في الماضي، وخصوصاً خلال التنافس الأميري مثل ذلك الذي إندلع في أوائل ستينات القرن الفائت، في الصراع على السلطة بين الملك سعود وولي العهد فيصل.
في ظل سلمان، وُضِع المُنشَقّون ونشطاء المجتمع المدني في السجن، وتم القضاء على المجتمع المدني الوليد ومنظمات حقوق الإنسان من خلال موجات متتالية من القمع والإحتجاز.
وفي غياب مؤسسات دائمة خارج البيت الملكي، والآن هناك فقط المُحمدّان، فإن صراعاً على السلطة أو فراغاً سوف يقود إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها والتي ستكون لها تداعيات خطيرة في وخارج المملكة العربية السعودية.
وبسبب إنقطاعهم أو قطعهم عن الدوائر الداخلية للسياسة الملكية، فإن السعوديين يلجأون إلى إشاعات حول هذه المؤامرات لإدراج أنفسهم في السرد السياسي لهذه الدراما الخفية، وإن كانوا لا يزالون مُهمَّشين كمجرد متفرجين على مؤامرات القصر.
العديد من السعوديين سُعداء بترديد مَثَلٍ سعودي: “أولئك الذين يعرفون مؤامرات الخلافة الملكية لا يتحدّثون وأولئك الذين لا يعرفون يُحدِثون كثيراً من الجَلَبة والضوضاء”. ومع ذلك، غالباً ما يتم الترويج لهذا البيان من قبل الموالين للنظام لتأكيد تهميش أكثر من 28 مليون شخص في ظل نظام ملكية مُطلقة لا يعتقد بأنهم يستحقون أن يستشيرهم، ناهيك عن السماح لهم بالحديث ومناقشة الشكوك السياسية المستقبلية المحيطة بأعلى المناصب السياسية في المملكة.
النجم الصاعد وأمير الظلام
لا يُمكن للشعب السعودي أن يقف في طريق طموح محمد بن سلمان، الذي وصل بسرعة إلى النجومية بفضل والده الذي روَّج له ليس على حساب إخوته الآخرين فقط، ولكن أيضاً على حساب دائرة واسعة من الأمراء الطموحين. ولا يمكن للسعوديين أن يُناقشوا أو يتكهّنوا بصراحة عن منافسات الخلافة من دون التعرّض للغضب الملكي.
من ناحية أخرى، لا شقيق سلمان الباقي، أحمد — الإخ الوحيد الذي يبدو أنه يُعوَّل عليه في الوقت الحالي، لأن الآخرين كبارٌ في السن، مثل طلال على سبيل المثال، أو مُهمَّشون مثل مقرن – ولا أبناؤه الكبار الآخرون يفهمون أو يفقهون التحرك الجريء الذي أدّى إلى تصعيد وتعزيز الأمير الصغير على حسابهم.
جميع أبناء سلمان الآخرين عُيِّنوا الآن في وظائف مهمة ولكن أقل رفعة، في حين أن مجموعة كبيرة من الأمراء المؤهّلين من الجيل الثاني والثالث — مثل مُتعب، وزير الحرس الوطني وابن الملك الراحل عبد الله — هي خارج الصورة.
ومن بين الأمراء الآخرين أبناء الملك الراحل فهد، الذين تمتّعوا بمراكز عالية خلال عهد والدهم كرؤساء للمحاكم الملكية أو حكام المناطق الغنية بالنفط، هم الآن من دون وظائف حكومية، ولكن مع الكثير من الثروة.
لقد أبعد سلمان هذه المجموعة الكبيرة من الأمراء القدامى والشبان الطامحين عندما إختار إبنه الصغير ليكون وجه المملكة محلياً وإقليمياً ودولياً. هذا التركيز الجديد للسلطة في يديّ الشاب محمد دفع التكهنات حول التوتر بينه وبين إبن عمه، الأعلى رتبة، ولي العهد محمد بن نايف. وقد ظهر هذا الأخير قليلاً في وسائل الإعلام وظلّ في الخلفية منذ آذار (مارس) 2015.
لكن محمد بن نايف لا يزال يحمل بين يديه سلاسل الدولة العميقة – فهو يسيطر على وزارة الداخلية الشائنة وأمن النظام الداخلي وجهاز مكافحة الإرهاب وأجهزة الاستخبارات، ناهيك عن رجال الدين، والقضاة في المحاكم والصناعة الدينية في المملكة.
وبالنظر إلى مخالبه المنتشرة في المجتمع السعودي، يجب أن يكون مشغولاً في هذه الأيام في مراقبة همسات ليس فقط السعوديين العاديين، ولكن الأهم من ذلك أقاربه، أي العدد الكبير من الأمراء الساخطين الذين قد يتحدّونه إذا أصبح ملكاً.
محمد بن نايف، المشهور بملء السجون السعودية بالمُنشَقّين والناشطين الذين منحوه لقب “أمير الظلام”، يعمل بإستمرار خلف ستار حديدي سميك من الأمن وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب. لذا يجب أن يكون المرشح المُفضّل لأجهزة المخابرات الغربية من واشنطن إلى لندن.
رَجُلنا في الرياض؟
لكن في ظل بن نايف، كان محمد بن سلمان يحظى بدعم قوي من والده، ومع ذلك، كان على الأمير الشاب أن يُعزّز سمعته وشرعيته كملك المستقبل في الداخل والخارج.
سافر إلى واشنطن مرات عدة لإقناع الرئيس دونالد ترامب وإدارته بأنه الملك المستقبلي، واعداً بإستثمارات ضخمة في الإقتصاد الأميركي، وطلب المزيد من الأسلحة، ومتعهداً بأن يكون رجل واشنطن الآخر في الرياض لمحاربة الإرهاب، وهو عمَلٌ طويل ويرتبط بإبن عمه ولي العهد.
وسرعان ما قدّم محمد بن سلمان نفسه كعاهل ليبرالي جديد مُستقبَلي الذي سيقوم بإعادة هيكلة زلزالية ليس فقط للإقتصاد السعودي القائم على النفط ولكن أيضاً للمملكة ككل.
مع ذلك، لم يكن هذا كافياً لضمان مستقبله داخل المملكة العربية السعودية. لقد نجح حتى الآن لأنه في تَودّده لترامب، يبدو أنه نسخة أصغر للزعيم الأميركي المُثير للجدل، الذي يطمس عشوائياً الحدود بين رجل الأعمال ورجل الدولة، ويستخدم الدولة لتعزيز مصالحه التجارية الخاصة. إن الزواج بين المال والسلطة الذي يمثّله محمد الشاب لقي صدى جيداً لدى الرئيس الأميركي.
إن حرب محمد بن سلمان في اليمن، التي أُطلِقت فور تعيينه ولياً لولي العهد ووزيراً للدفاع في العام 2015، والآن حربه الثانية ضد قطر، كلاهما عروض لإظهار القوة محلياً والتفوّق على إبن عمه، الذي يبدو أنه بقي صامتاً خلال التحالف السعودي – الإماراتي الحالي ضد الدوحة.
وحرباه الإقليميتان – الحرب اليمنية التي خاضها بأسلحة فتاكة وضربات جوية، والقطرية التي تتكشّف بشراسة في وسائل الإعلام، مع فرض عقوبات وتحالف مُسلِم شُكّل بسرعة ضد قطر — تشهدان على كيفية إدارة الأمير لشركاء مُتعَدِّدين، بمساعدة من مستشارين وشركات دولية للعلاقات العامة. ويبدو أنه إستوحى الكثير من مثاله الأعلى، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المُسلّحة في الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، الذي لديه طموحاته الإقليمية الخاصة.
القضاء على مطحنة الشائعات
خلال الأزمة القطرية الحالية، صار محمد بن سلمان طياراً يجلس في مقعد تجريبي، مُحلقِّاً على علوٍ شاهق ضد حاكم خليجي آخر، وهو الأمير تميم حمد آل ثاني، بينما لا يزال بن نايف صامتاً في ظل إبن عمّه الشاب المُتوهِّج.
وقد أثارت التحركات الجريئة الأخيرة التي قام بها بن سلمان ضد قطر إشاعات جديدة وتكهّنات حول مؤامرات ملكية. وقد تعزّزت هذه الروايات من حقيقة أن ولي العهد لم يُرزَق بعد وريثاً ذكراً، مما يحدّ من قدرته على تعيين إبنه على حساب إبن عمّه إذا أصبح قريباً ملكاً.
هذا الأمر يضع بن سلمان مباشرة في الخط لوراثة العرش، شريطة ألّا تحدث أي تغييرات أخرى بالنسبة إلى الخلافة خلال حياة الملك سلمان أو (إذا) عندما يصبح ولي العهد الحالي ملكاً.
لكن في المملكة العربية السعودية، لا شيء يمكن أن يكون أمراً مفروغاً منه أو مُتوَقَّعاً أن يحدث وفقاً لخطة عقلانية. إن بقاء ولغز الملكية يرتبطان إرتباطاً وثيقاً بعدم إمكانية التنبؤ بهما حتى على أعلى مستوى.
في حين أنه من غير المرجح أن يتحدّى الأمير الصغير ترتيب الخلافة في المدى القصير، فإن أي إشكال طفيف على أعلى مستوى يمكن أن يتردد صداه في جميع أنحاء المملكة والمنطقة بأسرها.
مع ذلك، في الوقت الحاضر، قرّر آل سعود وأمراؤهم البارزون أن يتلهّوا بالحروب الإقليمية ضد الجيران مثل اليمن وقطر بعيداً من الصراعات القاتلة على السلطة.
• الدكتور مضاوي الرشيد أستاذة زائرة في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، وحفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد الحاكمة في منطقة حائل السعودية (1830 – 1921).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.