خلجات عرفان نظام الدين تنثر الحب في منطقة مزروعة بالحقد والكره والحرب

صدر أخيراً عن “دار الساقي” في بيروت كتاب جديد للكاتب والصحافي المخضرم عرفان نظام الدين بعنوان “خلجات العمر: إلى عينيها”، بعد كتابيه “خلجات بين الأبيض والأسود” و”خلجات الحب”.

غلاف الكتاب

بيروت – “أسواق العرب”

صدر للكاتب والصحافي المخضرم عرفان نظام الدين كتاب جديد بعنوان “خلجات العمر: إلى عينيها” يضم مجموعة من النصوص عن الجمال والحب تضاف إلى مجموعة من الأعمال التي قدمها المؤلف في السياسة والإعلام والصحافة.
ويقول الكاتب في مقدمة كتابه الصادر عن دار الساقي في بيروت: “إنطلقت ‘الخلجات’ التي ولدت زاوية صغيرة أعبر فيها عن حالة شوق وحنان، وأرسم بالكلمات صورا مشرقة لهذه العاطفة النبيلة”.
ويضيف نظام الدين بأن “الكتاب ليس ديوان شعر، بل هو نتاج قصائد منثورة في قلوب آمنت بالحب واختارت طريق الوجدانيات لتسير عكس السير، وتسبح ضد التيار في عالم اليوم، من تيار المادة وسرابها، واللهاث من أجل التمتع بزيفها وبريق لمعانها الذي يخطف الأبصار، ثم يصيبها بالعمى”.
“إنها قصائد وجدانية تطلق آهات الحب وتحمل لواء العودة إلى الرومانسية بكل ما فيها من روعة وجمال وكل ما في العشق من عذاب وأشواق وسهر ومتاعب وحقول ألغام يزرعها أعداء النجاح وأعداء الحب وأعداء الوفاء وأصحاب الجحود والحقد والكراهية ونكران الجميل”، كما بقول.
والواقع أن عرفان نظام الدين ينحو في كتابه الجديد منحى يقع في منزلة بين منزلتين. فهو لا يقترب من الشعر من حيثما يخيّل إليه ان العالم قد انتهى. وأنه قد فَقَدَ مشروعيته في اللغة بعد أن لعب أوراقه كافة وخسر رهانه على ذاته. ولا يهمّ في الوقت عينه، على أن يستخدم الشعر ذريعة لتغيير وجه العالم والقيام بعملية جذرية هي أشبه بمحاولة عنيفة لتجميل ملامحه القبيحة. أو استبدالها بما ينبغي أن تكون على قاعدة أن ما يستعصي على التغيير يستعصي على الحياة.
الكتاب الذي يشتمل على 3 أجزاء تضم قرابة 45 نصاً يغلب الإسهاب على معظمها. ولعلّ نظام الدين يتطلّع من خلالها إلى أن يروي سيرة ذاتية مفترضة، على الأغلب، تتناول الكيفية التي يكتشف من خلالها أبعاداً غامضة وواضحة حيال علاقة مديدة مع ذاكرة المفردات التي توقظ في نفسه مشاعر الحب ومشاهده والتجربة الناتجة عنهما. وهو يجتهد في أن يستثير دفقاً عاطفياً غزيراً من خلال الذهاب بالمعنى من حافة الذاكرة إلى متاهتها البعيدة في اللغة. العاطفة، في هذا السياق، ليست تعبيراً عن حالة من الإنسياق التلقائي إلى الآخر، فقط، إنّها وسيلة مُثلى في النصوص لحمل المفردات على أن تتخفّف من أثقالها. أن تُعنى بذاتها، أن ترى نفسها في مرآة نفسها، أن تجعل من الحب والعاطفة المنبثقة منه ضرباً من الانسجام مع العالم، أو ضرباً من التنافر معه. وبين التنافر والانسجام، يقترب الشاعر من الفكرة التي تحيل الحب شريكاً حقيقياً في إعادة اكتشاف العالم في اللغة. ولعلّ نظام الدين لا يؤثر تجاوز هذا المسلك نحو الكشف عن الدلالات المحتملة في إعادة تشكيل العالم في اللغة، وبالتالي إعادة تشكيل الحب في احتمالاته المختلفة. نكاد لا نقع على شيء من هذا القبيل في نصوص الكتاب. لا يبدي الشاعر إهتماماً يُذكر بهذه المسألة التي تفترض بالضرورة منحى شعرياً مغايراً على مستوى العلاقة باللغة والعالم والحب والكون. ولا يزعم الشاعر، في هذا المجال، أنّ مقاربة كهذه من شأنها أن تُحدث تغييراً جذرياً في بنية العلاقة المشار إليها. ولا يزعم كذلك أنّه يتوخى هذا المنحى في الكيفية التي يلجأ بها إلى الشعر من أجل أن يفرغ جعبته من الدلالات المحدّدة التي يُحسن التصرف بها في ما قد يؤول إليه حبّه للآخر ورهانه عليه.
ومع ذلك، لا يبدو أنّ عرفان نظام الدين الذي يستنفد منظومته الواسعة من المفردات التي ينسج بها خيوط تجربته العاطفية. اللافت في هذه النصوص ان المفردات مشحونة بطاقة لا يتوقف تدفقها من الذاكرة إلى المعنى إلى دلالة المعنى إلى الصورة إلى المشهد المتكوّن من صور متعدّدة. كلما تكثفت هذه الطاقة في الرؤية توسّعت المفردات في اتجاه مثيلاتها ثم مفردات اخرى لا يوحي النص بأنها كانت في الحسبان على نحو مسبق. هذه الميزة، على وجه التحديد، تضفي على النصوص أبعاداً لا تجعلها عرضة للاختناق. على النقيض من ذلك، قد تبدو النصوص منفتحة على نمط من الرؤية المستمرة التي تستولد مفرداتها من دون معوقات تحول دون ذلك. والأغلب أنّه يسترشد بهذه الرؤية بغية أن يتمكن من أن يستجمع عناصر مشاهده من مكونات لا تبتعد كثيراً من مجال الرؤية إلى الواقع الملموس. وقد تقترب هذه كثيراً من هذه المكونات بحيث لا يعود بمقدوره الإستغناء عنها. صور مرهفة تولد من هذا الواقع المقفل إذا جاز التعبير. يسعى الكاتب إلى التقاطها كما هي أحياناً، أو يحاول النفاذ إلى دلالاتها القريبة أحياناً أخرى. يسخرها جميعاً ليتسلّل من خلالها، قدر المستطاع، إلى تجسيد إحساسه العميق بعاطفته الوجدانية من جهة، وربط مشاعره بمن يكنّ له هذا الحب الكبير، من جهة أخرى. عاطفة جيّاشة لا تخرج من هذه البوتقة، ولا ترى سبباً موجباً يدعو إلى ذلك.
وهنا يخاطب الكاتب الأنثى التي قد تكون حبيبة أو أختا أو أمّاً. وهي الأخرى التي يسعى الرجل للمبيت في ظلالها. وتفصح سطور الكتاب عن تصدّع الرجل أمام ما تختزنه المرأة من قوة في الحب الذي يعطي بسخاء.
ونظام الدين معروف في الوسط الإعلامي بفضل خبراته المتعددة في الصحافة المكتوبة والمرئية منذ أكثر من أربعة عقود.
وقد بدأ حياته الصحافية في جريدة “الحياة” في بيروت التي أسسها الراحل كامل مروة. وقد شارك في تأسيس جريدة “الشرق الأوسط” في لندن قبل أن يصبح رئيساً لتحريرها.
وكتب نظام الدين أعمالاً في السياسة والإعلام والأدب من ضمنها “آخر كلمات نزار”، “ذكريات وأسرار 40 عاماً في الإعلام والسياسة”، “خلجات الحب”، و”ربيع الدم والأمل”.
وفي كتابة الجديد يسعى نظام الدين إلى القفز عن البيئة البكائية التي تبثها أوضاع المنطقة والعالم، والذهاب مباشرة إلى لمس الذائقة الإنسانية من خلال نصوص تغرّد حباً وهياماً وشوقاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى