ربيع 2024: متحف خاص للرسَّامات… فقط

… أَمام مدخل بنايته

هنري زغيب*

كان في الخامسة والعشرين يعمل في باريس مدير مبيعات لدى الفرع الفرنسي لـمؤَسسةٍ أَميركية مالية مركزُها الرئيس في نيوجرزي. لكنَّ شغفَه بالأَعمال الفنية تنامى لديه منذ 1995 حين كان يُمضي أَوقات فراغه بزيارة المتاحف (اللوفر، متحف أُورساي، متحف بيكاسو، …). وسنة 1997 قرر أَن يقتني لوحاتٍ فاشترى أُولاها: لوحة “حريق في دِلْفْت” (1650) لرسام من القرن السابع عشر هو الهولندي إِغبُرت فان در بويل (Egbert van der Poel)، وأَخذ يشتري دوريًا لوحاتٍ تلو لوحات حتى استقال سنة 2016 من وظيفته التجارية المالية وقرَّر أَن يتفرغ لجمع اللوحات والتماثيل والقطع الفنية والأَثرية النادرة.

هذا هو كريستيان لوفيت Levett الذي أَكتب عنه اليوم.

جناح من إِحدى الغرف في المتحف

متحف فقط لأَعمال الرسامات

بعد سنوات من شراء التُحف الفنية، تجمَّع لديه منها متحف كامل داخل بنايته الأثرية في موجين Mougins  (بلدة في منطقة الأَلْب، جنوبيّ فرنسا، على 15 دقيقة من مدينة كانّ ومدينة نيس على شاطئ الريفييرا الفرنسية).

سوى أَنه جمع القطع الفنية في حيّز كبير جانبي، وفي آخر أَيلول/ سبتمبر الحالي، سيقفل البناية أَشهرًا عدة، ليعيد فتحها في ربيع 2024 مخصِّصًا متحفه لمعارض دورية تقدِّم أَعمالًا فنية كلاسيكية وعصرية وحديثة من وضع رسامات فقط، بينهنَّ الأَميركية جوانا ميتشِل (1925-1992)، والأَميركية هاوردينا بِندِل (م. 1943)، والبريطانية سيسيليا براون (م. 1969)، والأَميركية لي كْراسْنِر (1908-1984)، والأَميركية آيلين دو كونِنْغ (1018-1989) وسواهن كثيرات، وهو سيكون أَول متحف في أُوروبا مخصص لفن الرسامات فقط، وسيكون اسمه “متحف الفن الكلاسيكي في موجين” (MACM= Musée d’Art Classique à Mougins)، ويعرف عندئذ بــ”متحف الرسامات في موجين”. وكان له بيت في فلورنسا (إِيطاليا) من طبقتين ممتلئتين أَعمالًا وقِطَعًا فنية لأَميركيات وبريطانيات، جاء بها إلى متحفه الفرنسي.

يتنقَّل بين روائع متحفه

3000 قطعة فنية

في حديث لوفيت إِلى “الفايننشال تايمز” أَنه تمكَّن في 25 سنة من اقتناء 3000 قطعة فنية وأَثرية من عصور قديمة وحديثة مختلفة، بينها قطع مصرية ويونانية ورومانية، وأَنه “منذ افتتح المتحف للعموم سنة 2011 زاره حتى اليوم 250 أَلف زائر”. وعن زاوية الأَغنياء في جريدة “صنداي تايمز” البريطانية أن قيمة موجودات المتحف سنة 2020 بلغت 240 مليون دولار.

وكانت جائحة كورونا… فغيَّر نمط شرائه المجموعات الفنية، وأَخذ يقتني فقط لوحات لرسامات منهن شهيرات وأُخريات أَقلّ شهرةً، بعضها سبق عرضه في متاحف، اشتراها في جلسات مزادات علنية، ومعظمها لفنانات من القرن العشرين، وأَعارها لمعرض “وايت شابل” في لندن، ثم أَعارها مُوَقتًا لمعرض “فنانات تجريديات بين 1940 و1970” المفتوح حاليًا لدى مؤَسسة فان غوخ في مدينة آرل والمستمر حتى 22 تشرين الأَول المقبل. ومن حبه الفن، يرعى لوفيت أَيضًا معرض فنانين بريطانيين في متحف أَشموليان (أُوكسفورد) حتى 14 كانون الثاني المقبل 2024.

مبنى المتحف من الخارج

فكرة إِنشاء متحف متخصص للفنانات

نقل معه إِلى بنايته الفرنسية أَعمالًا من بيكاسو (فنانه المفضَّل) وهنري ماتيس، ومارك شاغال، وأِندي وارهول، وسلفادور دالي، وداميان هيرْسْتْ، جمعها في تلك البناية العريقة التي اقتطف منها على مراحل نحو 800 عمل أَعارها لمتحف بول غيتي والمتحف البريطاني ومتحف مارك شاغال. يومها كان يُعيرها كهاوي لوحات، أَو يفرح بتكديسها لديه حتى 2009، قبل أَن تنضج في باله فكرة أَن ينشئ بها متحفًا افتتحه للعموم في حزيران/يونيو سنة 2011.

فكرة تخصيص متحفه لمجموعات نسائية فقط، وُلِدَت لديه حين قرأَ كتاب “فنانات الشارع التاسع” للكاتبة الأَميركية ماري غبريال (م. 1955) وفيه عالجَت شجون رسامات ظلَلْن ممحوّات تحت ظلال أَزواجهن فلم تظهر أَعمالهنّ. لذا قرر لوفيت أَن يُظهرها، لا ليبيعها بل ليَسعد أَن يعيرها لعرضها مُوَقتًا في أَكبر متاحف العالم، وكي يتركها إِرثًا لأَولاده وأحفاده.

ذكريات المطالع

ومع الأعمال والقطع يترك لورثته ذكريات صباه حين كان يزور مع والديه مواقع تاريخية بين كاتدرائيات وقلاع وحصون وكنائس ومتاحف ذات قطع تاريخية (بينها المتحف البريطاني). لكنه لم يزُر فترتئذ أَيَّ صالة تعرض لوحات فنية. وكان يرى في بيته الوالدي مجموعة كبيرة من المداليات العسكرية لأَن أَعضاء من عائلته، بينهم والده، كانوا عناصر في الجيش، فنمت في باله تدريجيًّا فكرةُ تكوين مجموعات فبدأ يجمع النقود المعدنية والمداليات العتيقة. وحين بلغ الخامسة والعشرين انتقل من لندن إِلى باريس التي عاش في بيئتها العابقة بالفنون، فكان في كل نهاية أُسبوع يزور متاحفها. وكان في السادسة والعشرين حين اشترى أَول لوحتين، أَهدى إِحداهما إِلى ابن شقيقه وبقيت الأُخرى مكتشفًا أَنها ليست ذات قيمة لبيعها.

متحف يقطف الجوائز

منذ 2016 أَخذ يركِّز أَكثر على شراء لوحات زيتية، لا لغاية استثمارها فقط بل لأَن عرضها سابقًا في متحف أَو مجموعة خاصة يعطيها قيمة أَكبر، وتحتفظ بتلك القيمة التي راحت تتنامى ماليًّا مع تكاثر الأَعمال المشتراة التي لاحظ فيها كم أَنَّ للفن الكلاسيكي تأْثيرًا على أَحدث أَعمال الفن المعاصر.

وهو اليوم ينعم بأَن يكون متحفه في منطقة ناشطة جميلة بين كانّ ونيس، وأَن تكون فيها مؤَسسات فنية ومتاحف، منها متحف فرنان ليجيه ومتحف بيكاسو ومتحف ماتيس، وأَن يُتْقن تنسيق متحفه في دقة حملت إِليه جوائز، وأَن يأْتيه زوَّار بالآلاف من معظم بلدان العالم.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى