تَدابيرُ تَقَشُّفٍ جديدة قد تَضرُب أضعف وأفقر الفئات في مصر

فيما نجحت مصر إقتصادياً بدعمٍ من صندوق النقد الدولي على صعيد الإقتصاد الكلي، هناك قلقٌ كبير من أن لجوءها أخيراً للصندوق مرّةً أخرى للحصول على قرضٍ جديد قد يُهدّد المكاسب التي حققتها حتى الآن، ويضرب الفئات الأكثر ضعفاً وفقراً في البلاد.

العملة المصرية: فقدت 50% من قيمتها بعد تعويمها

 

بقلم ميريت مبروك*

وسطَ ظروفٍ مُحبِطة إجتماعياً واقتصادياً بسبب وباء “كوفيد-19″، قد يُواجه المصريون قريباً تجربةً أخرى صعبة: المزيد من إجراءات التقشّف. بالنسبة إلى الأفراد الذين يُعانون أصلاً من آثار الجولة الأخيرة من إجراءات التقشف، والتي كانت من الآثار الجانبية لبرنامج الإصلاح الإقتصادي والقرض المدعوم من صندوق النقد الدولي، من المُرجَّح أن تكون الإجراءات الجديدة “حبَّة” ً مريرة يصعب بلعها.

إن التداعيات الإقتصادية للوباء سوف تُزيل ركائز الدعم في جميع أنحاء العالم، ومصر ليست استثناءً. بعد أكثر من عام، أو نحو ذلك، على إعلانها عن أنها ستلجأ إلى صندوق النقد الدولي فقط للحصول على المساعدة التقنية ولكن ليس للحصول على قروض، كان على مصر أن تتماشى مع مجموعة من البلدان الأخرى للحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي. والآن، تطلب الدولة مبلغاً لم يتم الإفصاح عنه بعد بموجب “أداة التمويل السريع” (Rapid Financing Instrument) التابعة للصندوق وترتيبه الإحتياطي (Stand-By Arrangement)، وهو الترتيب التمويلي عينه الذي تقدمت إليه القاهرة وفشلت في الحصول عليه بين العامين 2011 و2013. ولكن هذه المرة، أشار صندوق النقد الدولي، مع ذلك،  إلى أنه من المرجح جداً أن يوافق على القرض. لم يكن هذا مفاجئاً بشكل خاص، ذلك أن مصر، قبل بضعة أشهر فقط، نجحت في تنفيذ برنامجٍ للإصلاح الإقتصادي مرتبط بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، في إطار آلية “تسهيلات الصندوق المُمدَّدة” (Extended Fund Facility). وعادة ما يتم استخدام هذه القروض في البلدان التي تحتاج بشدة إلى إصلاحات هيكلية وتعثّرت بسبب النمو البطيء وضعف ميزان المدفوعات.

المشكلة هي أن هناك تكاليف إجتماعية واقتصادية كبيرة مُرتبطة بهذه القروض. لقد سبَّبَ آخر قرضٍ ضغوطاً شديدة على المصريين بسبب ارتفاع التضخّم (والذي، للإنصاف، نجحت الحكومة في خفضه)، مما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بشكل شبه مُوَحَّد في جميع المجالات. إن تقليص الدعم والإعانات لتخفيض الديون يعني وقوداً أكثر تكلفة، مما يرفع سعر أي سلعة تقريباً يُمكن تسميتها. ومن ناحسة أخرى، أدى تعويم الجنيه المصري إلى انخفاض قيمته بنسبة 50 في المئة تقريباً مقابل الدولار الأميركي، مع ارتفاعٍ مقابل في الأسعار. لقد ضربت تدابير التقشف بشكل غير مُتناسب ذوي الدخل المُنخَفض. وقفز معدل الفقر نحو خمسة في المئة. في حين أن هذا الأمر لم يكن مُذهلاً كما لو أنه ظهر لأول مرة – فقد كان الفقر يتصاعد بشكل مطرد منذ عقدين على الأقل لأسباب مُتنوعة؛ بالنظر إلى تخفيض قيمة العملة، كانت النسبة المئوية للإرتفاع متواضعة بشكل مدهش؛ ووفقاً للأرقام الحكومية، سيتم تغطية ما يقرب من 60 في المئة من أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر من خلال برامج التحويلات النقدية “تكافل وكرامة” – علماً أنه لا يزال هناك خلل إجتماعي واقتصادي خطير يجب معالجته.

القرض الجديد سيعني المزيد من الضغط. بالنسبة إلى أولئك الذين يراقبون الإقتصاد، هناك مؤشرات واضحة إلى تفكير الحكومة. لقد تحركت بسرعةٍ لمحاولة التخفيف من التداعيات الإقتصادية، ولكن هناك مجالات لن تتزحزح فيها. دعم الوقود، على سبيل المثال؛ في حين تتلقى الوقود الأكثر تكلفة تخفيضات طفيفة، يبقى سعر وقود الديزل على حاله. وذلك لأن الديزل يُمثّل ضعف استخدام جميع أنواع الوقود الأخرى مُجتمعةً، ما يعني أنه يُمثل أكبر عبء على الموازنة العامة. سيساعد إبقاء الموازنة مُنخفضة على الحفاظ على التصنيف الإئتماني للبلاد، ويُسهّل الإقتراض بأسعارٍ مُناسبة. لا يعني ذلك أن الحكومة لا تُدرك أن ارتفاع الوقود يعني ارتفاع الأسعار، ولكنها تجد نفسها في وضعٍ يكون فيه التضخم الأعلى هو الخيار الأقل سوءاً.

مع ذلك، من المرجح أن يكون هناك المزيد من التداعيات. لقد أظهرت موازنة الدولة التي عُرضت على البرلمان في 20 نيسان (أبريل) أن الإنفاق على المجالات الإجتماعية أي “الإنفاق الإجتماعي” (الإعانات، والرعاية الصحية، وبرامج التحويلات النقدية، والرواتب، وما إلى ذلك) إما أنه ظل ثابتاً أو أظهر نمواً ضعيفاً أو حتى سلبياً. على الرغم من الركود العالمي غير المسبوق، فإن هذا ليس وقتاً مثالياً لخفض الإنفاق الإجتماعي. مع وجود أكثر من 11 مليون شخص في مصر مُصنَّفين كجزء من الإقتصاد غير الرسمي، ليست لديهم معاشات تقاعدية أو عقود أو تأمين صحي أو أي دخل ثابت، فإن الدعم الإجتماعي هو شريان حياةٍ أساسي للغاية لهم. كما يبدو أن الرعاية الصحية أيضاً سوف يلحقها التخفيض – وهو تطور غريب خلال الوباء.

لقد عملت مصر باستمرار للوصول إلى مكانة مرتفعة من خلال التنمية الاقتصادية، التي عادلتها بالإستقرار. وقبل الوباء، كانت الحكومة تقوم بعمل جيد على جبهة الإقتصاد الكلي. في حين أن هذه المكاسب قد تتضرر بشدة بسبب الركود العالمي، فإن الأمر الآن متروك للحكومة المصرية لتخفيف التداعيات على أضعف وأفقر مواطنيها. وإلّا، فقد تُترَك البلاد من دون فوائد النمو التي تريدها أو الإستقرار الذي تحتاج إليه.

  • ميريت مبروك زميلة ومديرة برنامج مصر في معهد واشنطن للشرق الأوسط. الآراء الواردة في هذا المقال هي خاصة بها. يُمكن متابعتها على تويتر: @mmabrouk

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى