السعودية والإمارات تبنيان قوساً من النفوذ في القرن الإفريقي
تسعى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شيئاً فشيئاً إلى بناء قوس من النفوذ السياسي في القرن الأفريقي، من خلال التوسط في النزاعات ودمج إمكاناتهما معاً في المنطقة.
بقلم كميل لونز*
في 16 أيلول (سبتمبر) الفائت، وقّع رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد علي والرئيس الإريتري إسياس أفورقي، إتفاق سلام في جدّة. وهذه الخطوة، التي أطلقها إنتخاب أحمد علي ودعمَتَها ديبلوماسية مكثّفة من القناة الخلفية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية، ساهمت في وضع حدٍّ للحرب والتشنّجات المستمرة منذ عقدٍ من الزمن بين البلدَين. وفي اليوم التالي، إستضافت المملكة العربية السعودية أيضاً أول محادثات مباشرة بين إريتريا وجيبوتي بعد نزاعات حدودية مستمرة منذ أكثر من عشر سنين، على إثر إتفاق سلام وقّعه البلدان في السادس من أيلول (سبتمبر). وقد لقيت الوساطة السعودية ترحيباً حاراً من رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله الذي صرّح، في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، أن الدور السعودي أساسي من أجل تطبيع العلاقات بين بلاده وإريتريا.
يكشف هذا الدور الذي تؤدّيه كلٌّ من السعودية والإمارات عن استعداد متزايد لدى الحليفَتين الخليجيتين إلى الظهور في موقع الجهة التي تسعى إلى بسط الإستقرار في المنطقة والتوسّط من أجل السلام في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وعبر القيام بذلك، فضلاً عن العمل بمهارة على دمج علاقاتهما وإمكاناتهما في القرن الأفريقي، فإنهما تُرسيان شيئاً فشيئاً دعائم قوسٍ من النفوذ السياسي عبر المنطقة.
بعدما خسرت منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي نسبياً أهميتها الإستراتيجية في أعقاب نهاية الحرب الباردة، فقد إستعادت مكانتها تدريجاً خلال العقد المنصرم لتتحوَّل من جديد ساحةً للخصومات الإقليمية والعالمية. لقد تنافست السعودية والإمارات وإيران وتركيا وقطر وإسرائيل ومصر والصين وروسيا لترسيخ نفوذها السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة. حتى الآن، كانت الأولوية بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي إبعاد النفوذ الإيراني من جوارهما القريب. بيد أن القرن الأفريقي إكتسب أيضاً أهمية إستراتيجية بسبب النزاع اليمني، وقد أظهر هذا الثنائي النافذ والطموح إهتماماً مطّرداً بممارسة نفوذ جيوسياسي في المنطقة.
وفي سياق السباق على النفوذ، شكّل القرن الأفريقي مسرحاً للخصومات المتزايدة بين تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية. في الصومال مثلاً، حيث تدعم قطر وتركيا الحكومة المركزية، عمدت الإمارات إلى تعزيز علاقاتها الإقتصادية والعسكرية مع دويلات تتمتع بشبه حكم ذاتي، مثل أرض الصومال وأرض جوبا وأرض البنط، ما أدّى إلى إضعاف نفوذ مقاديشو. إن تداعيات هذه المنافسات والخصومات الخليجية يُمكن أن تكون لها تأثيرات مُزَعزِعة للإستقرار في منطقة تُعاني أصلاً من الهشاشة. ومع ذلك، يبدو أن التقارب بين إثيوبيا وإريتريا يحمل في طياته إمكانية ممارسة الإمارات والسعودية تأثيراً إيجابياً وبنّاء أكبر في المنطقة، ويعكس إلتقاءً قوياً للمصالح بين البلدان الأربعة.
من جهتها، تأمل إريتريا، التي تسعى إلى الخروج من عزلتها الديبلوماسية، بأن تساهم الهدنة مع جيبوتي في وضع حدّ للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة لأنها لم تسحب قواتها من الحدود المتنازع عليها بين البلدَين. لقد أرسلت إريتريا نحو 400 جندي لدعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وتستضيف أيضاً قاعدة عسكرية إماراتية على مقربة من ميناء عصب، وتُشكّل هذه القاعدة موطئ قدم أساسياً في النزاع اليمني، وفي المقابل، تحصل إريتريا على المساعدات الضرورية جداً والإعتراف الدولي من شركائها في الخليج.
أما أثيوبيا الواقعة عند الحدود الجنوبية لإريتريا، فتحتل المرتبة الثانية بين البلدان لناحية عدد السكان في أفريقيا، كما أنها من الإقتصادات الأسرع نمواً في القارة السمراء. لكن بعدما فقدت أي منفذ إلى البحر منذ إغلاق الحدود مع إريتريا في العام 1998، فقد باتت تعتمد بالكامل على ميناء جيبوتي. ومن شأن التقارب مع إريتريا أن يؤدّي إلى تجدّد الوصول إلى موانئها، الأمر الذي يُمكن أن يعود بمنافع جمة على إقتصادَي البلدَين، كما أيضاً على شريكتيهما الخليجيتين. بالفعل، سيؤدّي فتح الحدود والطفرة في إحتياجات البنى التحتية في أثيوبيا، إلى توليد فرص إستثمارية مهمة. وتسعى شركة موانئ دبي العالمية إلى المساعدة على تطوير ميناء عصب التجاري، وفي آب (أغسطس) 2018، أعلنت الإمارات عن مشروع لمد خط أنابيب بين أديس أبابا في أثيوبيا وعصب في إريتريا. وسوف يُتيح ذلك أيضاً للإمارات والسعودية وصولاً أفضل إلى الإنتاج الزراعي الأثيوبي الذي يُعتبَر أساسياً من أجل أمنهما الغذائي. بعد التقارب بين إريتريا وجيبوتي، قد يكون السعوديون أيضاً في موقع يُخوّلهم التوسط في الخلاف الحالي بين جيبوتي وموانئ دبي العالمية على خلفية السيطرة على ميناء دوراليه.
يبدو أن جيبوتي، التي تؤمّن حالياً المنفذ الوحيد لأثيوبيا إلى البحر والتي يتولى ميناؤها إدارة أكثر من 95 في المئة من التجارة الأثيوبية، هي طرفٌ خاسر في التقارب بين إريتريا وأثيوبيا. بيد أن المحادثات التي إستضافتها السعودية بين إريتريا وجيبوتي هدفت إلى طمأنة هذه الأخيرة التي تُقيم الرياض علاقات جيدة معها وحيث تعمل راهناً على بناء قاعدة عسكرية.
تلعب الإمارات والسعودية على وتر إلتقاء المصالح بين إريتريا وأثيوبيا وجيبوتي، فتُفيد كل منهما بمهارة من علاقات الطرف الآخر وإمكاناته في القرن الأفريقي من أجل أداء دور الوساطة. وفي حين أن الدور الذي لعبته الدولتان في التقارب الأثيوبي-الإريتري لقيَ ترحيباً واسعاً من المجتمع الدولي، فليس أكيداً إذا كان بإمكانهما أداء دورٍ يساهم في بسط الاستقرار في المنطقة في المدى البعيد.
فيما أظهرت أبو ظبي على وجه الخصوص ديبلوماسية متطورة باطراد وقدرة لافتة على التوسّط في الخصومات، فإن سياستها في مجال المساعدات الخارجية تبقى قائمة على منطق تجاري يسعى إلى تحقيق عائدات سريعة من الاستثمارات وهذا يفتقر إلى رؤية بعيدة المدى. ويكشف سلوكها في الصومال عن أن رغبتها في تأكيد هيمنتها على الخصوم في المنطقة لا تزال تتفوق أحياناً على السعي إلى بسط الإستقرار. في غضون ذلك، يساهم إنخراطها مع الأنظمة السلطوية في إضفاء شرعية على الوضع القائم السياسي الذي قد لا يكون متلائماً مع إستقرار المنطقة في المدى البعيد، والإبقاء عليه.
على الرغم من أن دور السعودية والإمارات في التقارب الإريتري-الأثيوبي يُعتَبَر خطوة إيجابية يجب تشجيعها، إلا أن الخصومات الجيوسياسية فضلاً عن النزعات السلطوية الأوسع نطاقاً وتعذُّر توقُّع السياسات الخارجية الخليجية، يمكن أن تتسبّب بردود فعل مزعزِعة للاستقرار في مختلف أرجاء القرن الأفريقي.
• كميل لونز منسِّقة برامج في إطار برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. لمتابعتها عبر تويتر: CamilleLons@
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.