هكذا كرَّست إسرائيل الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في قانون

أقر الكنيست الإسرائيلي أخيراً قانوناً مثيراً للجدل يصف البلاد بأنها دولة يهودية بشكل رئيسي، ما أثار غضب الأقلية العربية فيها.
ويقول قانون “الدولة القومية” اليهودية إن لليهود حقاً فريداً بتقرير مصيرهم، كما يجعل من العبرية اللغة الأساسية للدولة، مُهمّشاً إستخدام العربية التي كانت تُعد لغة ثانية في الدولة.

بنيامين نتنياهو: “إنها لحظة حاسمة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة اسرائيل”

رام الله – سمير حنضل

في التاسع عشر من تموز (يوليو) الجاري، أقرت الحكومة الإسرائيلية قانون “الدولة القومية اليهودية” رسمياً. مع إقتراب عطلة الصيف في الكنيست، تمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تمرير القانون قبل حلولها.
“إنها لحظة حاسمة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة اسرائيل”، قال نتنياهو للكنيست بعد التصويت.
إحتلّت المبادرة أجندة الأخبار الرئيسية في إسرائيل، مع تدخلات رفيعة المستوى من المعارضين والمؤيدين. وقبل يومين من عملية التصويت، (في 17 تموز (يوليو))، حذّر الرئيس روفين ريفلين في رسالة علنية حول ما يعتقد أنها أخطار مُتأصّلة في القانون – وخصوصاً ذلك البند الذي يهدف إلى حماية وتعزيز وجود مجتمعات يهودية فقط.
قبل التصويت، حثّ عدد من القادة اليهود الأميركيين نتنياهو بقوة على إعادة النظر، مكثّفين جهودهم في الضغط لمنع تمرير مشروع القانون.
هذه الإستجابات كانت، للأسف، تتميز بفشلها في فهم أو الأخذ ما يكفي في الإعتبار كيف أن وضع إسرائيل ك”دولة يهودية” إنعكس على الدوام في التشريعات والممارسات، وبشكل حاسم، كيف أثر هذا على الفلسطينيين منذ العام 1948.
لقد صدر العديد من القوانين التمييزية والطرق القانونية لإنشاء مجتمعات منفصلة في إسرائيل موجودة بالفعل. لا يوجد حق في المساواة، وإسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها. إن إعلان الاستقلال ليس قانوناً دستورياً، والقانون الأساسي يمنح بالفعل حماية “دولة يهودية” ويفضّلها على مساواة المواطنين غير اليهود.
وكما قال مقرر خاص للأمم المتحدة في العام 2012، فإن السلطات الإسرائيلية تسعى بالفعل إلى “نموذج لتنمية الأراضي يستبعد الأقليات ويُميّز ضدها ويزيلها”. كما أشارت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إلى “سن عدد من القوانين التمييزية في قضايا الأراضي التي تؤثر بشكل غير متناسب في المجتمعات غير اليهودية”.
في الواقع، فإن قضية مجتمعات يهودية فقط، التي هيمنت على الانتقادات الأخيرة بشأن القانون الذي صدر في 19 تموز (يوليو)، غالباً ما يتم مناقشتها من دون الإشارة إلى حقيقة أن إسرائيل لديها بالفعل مئات من هذه المجتمعات المنفصلة، وذلك بفضل دور “لجان القبول”.
قبل حوالي عشر سنين، ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” كيف أن هذه اللجان “تتكوّن من ممثلين عن الحكومة والمجتمع بالإضافة إلى مسؤول كبير في الوكالة اليهودية أو المنظمة الصهيونية، وقد إشتهرت باستبعاد العرب من العيش في المجتمعات اليهودية الريفية”.
هذا التمييز المؤسسي الذي مضى عليه عقود من الزمن والذي يمكن تتبعه إلى النكبة، يُشكل سخرية لإدعاء موردخاي كريمنيتزر من معهد الديموقراطية الإسرائيلية بأن القانون الجديد سيشكل بطريقة ما “نهاية إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية”.
ومع ذلك، فإن القانون الجديد يمثل إبتكاراً قانونياً وسياسياً على حد سواء، حسب تحليل مركز الحقوق القانونية “عدالة” في موقف جديد نشره وأعلنه في 15 تموز (يوليو) الجاري. من خلال تمتعه بشرعية القانون الأساسي، فإن قانون الدولة القومية اليهودية سوف يرسي الممارسات العنصرية في الدستور.
إن التغطية التي تُقدّمها وسائل الإعلام الغربية، على وجه العموم، أعادت إنتاج الثغرة لدى نقاد القانون الإسرائيليين. ومع ذلك، فإن إغفال تجربة المواطنين الفلسطينيين في هذه الدولة “اليهودية والديمقراطية” تَضَاعفَ من خلال تحليلٍ فشل في النظر بشكل أعمق إلى سبب إقتراح هذا التشريع أصلاً.
إن قانون “الدولة القومية اليهودية” ليس نتاج صراع يميني بين الليكود والبيت اليهودي، أو نتنياهو ونفتالي بينيت. وبدلاً من ذلك، فإن تتبع أصول هذا التشريع المقترح يكشف أنه، في جوهره، صدٌّ للجهود التي يبذلها المواطنون الفلسطينيون منذ عقدين لتأكيد هويتهم الوطنية والمطالبة بوضعية قانونية لهم.

مضاعفة التمييز

لم يمضِ وقت طويل على مساعي “آفي ديختر”، رئيس مخابرات “شين بِت” السابق، لتمرير مشروع قانون “الدولة القومية اليهودية” في العام 2011 ، حتى أشاد الصحافي الإسرائيلي لاهاف هاركوف – وهو الآن محرر الأخبار في صحيفة جيروزاليم بوست – بالمبادرة من خلال الإستشهاد ب”تصاعد الحملات لنزع الشرعية عن إسرائيل في داخل وخارج البلاد”.
وبالتالي، فإن الرد من المؤسسة السياسية الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين الناشطين الذين يطالبون بالمساواة الحقيقية، كان في مضاعفة التمييز، والتأكيد بشكل أكثر جدية وبوضوح على وجود “دولة يهودية” وحمايتها قانونياً.
لكن هذا لا يخلو من إيجابيات، كما هو واضح من الضجة حول القانون الجديد. لأن ما يهدد مشروع القانون ليس وجود إسرائيل “ديموقراطية”، بل فكرة النقاد عن دولة “يهودية وديموقراطية” (أو على الأقل معقولية الحفاظ على هذه الفكرة).
ومن خلال فظاظته وخشونته، يهدد القانون قدرة إسرائيل على الاستمرار في التمييز المؤسسي الطويل الأمد من دون تكلفة دولية، وهو إحتمال تبلور من خلال تحذيرات المدعي العام الإسرائيلي والزعيم الأميركي اليهودي الحاخام ريك جاكوبس.

الحرب الديموغرافية

كتب “أورلي نوي” في مجلة “+972” في الأسبوع الماضي: “الوجه الحقيقي للصهيونية في إسرائيل هو حرب ديموغرافية كامنة ومتأصّلة دائمة ضد مواطنيها الفلسطينيين. إذا كانت إسرائيل تسعى إلى أن تكون يهودية وديموقراطية، فإنها تحتاج إلى ضمان أغلبية يهودية”.
إن قانون “الدولة اليهودية” هو جزء من هذه الحرب الديموغرافية التاريخية والمستمرة – وهو شهادة على نشاط المواطنين الفلسطينيين والجهد لقمعه.
مع قيام إسرائيل بدمج وتوحيد دولة واحدة، بحكم الواقع، بين النهر والبحر، فلن تكون هذه هي المحاولة الأخيرة لرؤية واقع وحقيقة الفصل العنصري على الأرض الذي إنعكس في التشريع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى