كيف سيؤثر إنسحاب أميركا من الصفقة النووية في صناعة الطاقة في إيران
أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن إثني عشر مطلباً من إيران، بما في ذلك وقف إطلاق الصواريخ الباليستية وتطوير الأسلحة النووية ودعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى السماح للمفتشين الدوليين “بالوصول غير المقيد” إلى جميع المواقع وإلّا ستواجه أقصى عقوبات في التاريخ، وذلك في خطاب ألقاه في 21 الشهر الجاري حول الشروط الأميركية للتوصل إلى إتفاق نووي جديد. وعلّقت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الولايات المتحدة لم تبرهن بعد كيف سيؤدي خروجها من الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015 إلى جعل المنطقة أكثر أماناً.
لندن – هاني مكارم
بدأت الآراء حول العواقب المترتبة على إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي الإيراني تنتشر وتتطاير وتتوقّع فور إعلان الرئيس دونالد ترامب قراره.
العديد من النقاط الأساسية التي أثارها المعلقون حول قيام واشنطن بإدارة ظهرها لخطة العمل المشتركة الشاملة تعاملت مع النفط. ذلك لأن واشنطن من المرجح أن تعاقب صادرات النفط الإيرانية مرة أخرى، كما فعلت خلال إدارة أوباما.
وفي ما يلي بعض العواقب في المديين القصير والطويل للوجهة الأميركية في التعامل مع الإتفاق النووي الإيراني:
عواقب قصيرة الأجل
1. من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط الإيراني وصادراته — لكن الإنخفاض سيكون تدريجاً.
2. يتراوح الإنخفاض من 200,000 إلى 1.5 مليون برميل في اليوم.
3. من المحتمل أن يظل الطلب على النفط الإيراني في الصين والهند قوياً، في حين من المرجح أن يكون الشراء الأوروبي والكوري الجنوبي والياباني أكثر حذراً، خشية إغضاب واشنطن.
4. في الوقت الذي راقب وأيّد حلفاء أميركا العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على إيران، فمن المحتمل أن يكون التأييد لأي عقوبات من إدارة ترامب على مضض. ذلك لأن ترامب لم يقم فقط بإلغاء صفقة إيران من جانب واحد، ولكنه فعل ذلك على الرغم من الإعتراضات القوية لحلفاء أميركا.
5. من غير المرجح أن يؤثر الانسحاب الأميركي في أسعار النفط العالمية بطريقة مُستدامة. وهناك سببان آخران، الأول هو أن “أوبك” تتمتع بقدرات إحتياطية وثانياً، أن زعيمة التكتل (الكارتل)، المملكة العربية السعودية، قد تعهدت بالمحافظة على إستقرار السوق.
لقد إرتفع سعر الخام إلى 80 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، لكن الخبراء أشاروا إلى عدد من العوامل التي لعبت في ذلك، وليس فقط بسبب إنسحاب الولايات المتحدة من الصفقة الإيرانية.
وفي الشهر الفائت، وصلت إيران أخيراً إلى مستويات في تصدير النفط تساوي مستويات ما قبل العقوبات التي كانت تتمتع بها في العام 2012. وكان أحد الأسباب هو إطلاق الخام في ناقلات كانت تستخدمها كحاويات تخزين عائمة. وسبب آخر هو أنها زادت بعضاً من قدرتها في التكرير.
في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ظهر تقرير إخباري يفيد بأن شركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة باعت 2.88 مليوني برميل يومياً من النفط والغاز المُكثّف في نيسان (إبريل) الفائت، حيث بلغت كمية النفط الخام وحده 2.62 مليوني برميل يومياً. وفي كانون الثاني (يناير) 2012 ، كانت إيران تصدر حوالي 2.5 مليون برميل يومياً.
من جهتهم، طلب المسؤولون الإيرانيون بالفعل من أوروبا والصين الحفاظ على دعمهم للإتفاق النووي ورفض أي دعوة لإدارة ترامب بفرض عقوبات نفطية جديدة واسعة النطاق.
وكمثال على ذلك، سافر مسؤولو شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى بكين ليطلبوا من المسؤولين التنفيذيين في وحدة “سينوبيك” التجارية الاستمرار في شراء الخام الإيراني.
وقد أشارت كوريا الجنوبية بالفعل إلى أن العقوبات الجديدة قد تسبب لها مشاكل قصيرة الأجل. وطالبت واشنطن بعدم فرض العقوبات التي تفرضها على واردات النفط الإيرانية إليها في الوقت الذي تبحث مصافيها عن مصادر بديلة للخام.
عواقب في المدى الطويل
تواجه إيران مهمة شاقة في الحفاظ على إنتاجها النفطي في المدى الطويل في مواجهة تجديد العقوبات الأميركية. وهذا لأن أي دولة تتحدّى عقوبات واشنطن قد تواجه إنتقاماً من أكبر إقتصاد في العالم.
بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الإتفاق النووي، تعهد أهم حلفاء واشنطن الأوروبيين – بريطانيا وألمانيا وفرنسا – بمواصلة العمل وفق الاتفاق الإيراني. لكن من غير الواضح ماذا ستفعل هذه الدول إذا أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات صارمة ضد إيران وهددت بفرض عقوبات على الدول التي لا تحترمها.
إنتاج النفط والغاز
إستفادت إيران من تخفيف العقوبات الذي فُرِضَت عليها بموجب الاتفاق النووي إقتصادياً من خلال السماح لها بالحصول على عائدات تصدير النفط. لكن البلاد فشلت في جذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية لتطوير إحتياطاتها النفطية والغازية الضخمة.
والإنسحاب الأميركي من الإتفاق يُهدد مصير العقد الرئيسي الذي وقعته طهران مع شركة البترول الوطنية الصينية وشركة توتال الفرنسية الذي يتضمن تطوير حقل غاز جنوب فارس العملاق.
وقد أعلنت شركة توتال، وهي الشركة الأوروبية الوحيدة التي وقعت اتفاقية للتنقيب والتطوير مع إيران بعد سريان الاتفاقية النووية، أنها ستنسحب من المشروع ما لم “تُمنَح إذناً مُحدداً لتنفيذ المشروع من قبل السلطات الأميركية بدعم من الفرنسيين والسلطات الأوروبية”.
كما أشارت شركة التأمين الألمانية العملاقة “أليانز” وشركة النفط الدنماركية “مايرسك” إلى أنهما ستقلصان عملياتهما الإيرانية.
طاقة التكرير
قبل إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الإتفاق النووي، كانت إيران تأمل في تحديث كبير لمصافيها حتى تتمكن من تصدير المزيد من النفط الخام. في العام الماضي، وافق بنك الاستيراد والتصدير الكوري الجنوبي على تزويد إيران بقيمة 15 مليار دولار لتمويل مشروع المصفاة. وستغطي معظم الأموال أعمال الشركات الكورية “دايليم” و”دايو” و”هيونداي للهندسة والإنشاءات”.
يبدو أن هذه الخطط معرضة للخطر في أعقاب إعلان وزارة الخزانة الأميركية عمّا تصفه بالجزاءات ذات الصلة برعاية الإرهاب ضد الوكالات الإيرانية والأفراد الإيرانيين. يشعر حلفاء الولايات المتحدة بالقلق من أن هذه العقوبات المرتبطة بالإرهاب يمكن أن تُنذر بموجة من العقوبات الأكثر عمومية ضد إيران، كما حدث في الماضي.
ونظراً إلى الفترة الطويلة التي يستغرقها تطوير حقول الغاز، ستجد إيران صعوبة في منافسة المُصَدِّرين الآخرين ما لم تحصل على استثمارات لزيادة الإنتاج الآن. وأيضاً، في وقت تعمل شركات الوقود الأحفوري على تحسين قدراتها التكريرية لتعظيم أرباحها، فإذا لم تتمكن إيران من العثور على إستثمار في المصافي، فإنها سوف تتخلف عن الركب.
إن العقوبات التي واجهتها إيران خلال إدارة أوباما كانت مُدَمِّرة. لكنها قد تكون مختلفة هذه المرة. سيعتمد تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على نوعيتها ومداها وصرامتها، وإلى عدم تردد وعزم واشنطن بفرضها في مواجهة مقاومة ومعارضة عدد من الحلفاء.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.