لا يا سيّد بينيت، لبنان ليس “حزب الله” فقط
بقلم كابي طبراني
أجرى لبنان يوم الأحد الفائت، (6 أيار (مايو) 2018)، أول إنتخابات برلمانية منذ العام 2009. وأكّدت النتائج ما قيل قبل التصويت، أي أن ما سينبثق هو برلمانٌ مُجَزَّأ، يميل إلى “حزب الله” الذي سيستفيد منه فيما هو يدخل مرحلة جديدة كفصيل أجنبي إيراني في المنطقة.
تحوّل الإنتباه على الفور إلى مدى نجاح أداء “حزب الله” وحلفائه في حركة “أمل”. ولم يكن هذا مفاجئاً، إذ أن كلا الحزبين تمتّعا بغالبية الأصوات الشيعية على مدى الانتخابات الأربع الأخيرة، وقد سمح لهما قانون الإنتخاب الجديد المُستند إلى التمثيل النسبي جلب المزيد من الحلفاء إلى المجلس النيابي، وخصوصاً من السياسيين المؤيدين لسوريا. وشجّع ذلك وزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، للتعليق على مكاسب “حزب الله” بتغريدة غريبة على “تويتر”: “حزب الله = لبنان”، التي إستعارها من تغريدة أطلقها قبل أشهر زميله وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان. وذهب بعض وسائل الإعلام إلى حدّ التأكيد على أن “حزب الله” قد “حصل على 65 مقعداً على الأقل” في البرلمان، أي بغالبية بسيطة. لكن هذا كان مُضَلِّلاً للغاية، حتى لو كان الواقع أكثر إثارة للإهتمام وربما أكثر إثارة للقلق.
جاءت فكرة أن “حزب الله” يسيطر الآن على الغالبية في البرلمان اللبناني، بعد ضم وشمل كتلة الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل، إلى عدد مقاعد “حزب الله” وحلفائه. وبينما كان العونيون متحالفين مع “حزب الله” بعد العام 2006، فإن طبيعة تلك العلاقة منذ إنتخاب عون رئيساً للجمهورية في العام 2016 قد تغيّرت. إن العلاقات ما زالت قائمة، لكن في الماضي كان العونيون ينظرون إليها كوسيلة لتأمين وصول عون إلى قصر بعبدا، أما اليوم، فإن عون يُجسّد الدولة كرئيس، وهم يعتبرون أنفسهم حراساً للدولة.
لهذا السبب سعى “حزب الله” إلى إستخدام الإنتخابات كوسيلة للتحوّط ضد إمكانية أن يتخذ العونيون خطاً أكثر إستقلالية في ما يتعلق بالحزب من ذي قبل. إن ما يقلق الحزب الشيعي هو تحالف عون الأخير مع رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يعتبره “حزب الله” خصمه الرئيسي. حصل “حزب الله” على ما يريد، لقد حصد مع حلفائه المؤيدين لسوريا بعد الإنتخابات على عدد كاف من المقاعد البرلمانية لتشكيل الثلث المعطل في الهيئة التشريعية. وهذا يعني أنهم يستطيعون منع إنتخاب أي رئيس يعارضونه، على سبيل المثال، أو يُحبِطون النصاب القانوني. وهذا يعني أيضاً أن “حزب الله” وحلفاءه يمكنهم المطالبة بتوازن مماثل في الحكومة، مما يسمح لهم بإعاقة القرارات الحكومية. لقد كان لدى “حزب الله” هذه القدرة من قبل بسبب حلفه مع العونيين، لكن الانتخابات الأخيرة تسمح له بالإحتفاظ بهذه السلطة في حال غيّر العونيون موقفهم بالنسبة إلى القضايا التي يعتبرها “حزب الله” حيوية.
الواقع أنه لا يُمكن الإنكار بأن هذا يعني أن الحزب يتمتع بنفوذ هائل في الدولة اللبنانية. ومع ذلك، فإن شعار “حزب الله = لبنان” فشل في إعتبار أن “حزب الله” عليه أن يتكيّف باستمرار مع التغيير من أجل الإحتفاظ بهيمنته في النظام. والتفاصيل مهمة عند البحث عن طرقٍ للحدّ من هامش مناورة “حزب الله”. يمتلك الحزب الوسائل للترهيب والتهديد، لكنه يعرف أيضاً أن اللجوء المستمر إلى التخويف سيحشد معارضة سريعة لأجندته في السياق الطائفي في لبنان. وهذا هو السبب في أن موقفه المُفضَّل هو العمل داخل مؤسسات الدولة عندما يكون في مقدوره القيام بذلك ، وهو ما يعني أيضاً الإستمرار في مراقبة الطرق التي يُمكن من خلالها إستخدام هذه المؤسسات بطريقة ما ضد الحزب.
في ضوء ذلك، كانت إحدى النتائج الملحوظة للإنتخابات هي توسّع كتلة حزب “القوات اللبنانية”، الذي يعارض “حزب الله” بشدة، إلى 15 نائباً، مما يجعلها واحدة من الكتل البرلمانية الكبرى. في المخطط الأكبر للأشياء قد لا يبدو ذلك كثيراً. ومع ذلك، فإن هذا يعني أن أكبر كتلتين مسيحيتين، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، تسيطران الآن على غالبية المقاعد البرلمانية المسيحية. كلاهما كانا خصمين في السابق، لكن بسبب قانون الانتخابات النسبي، لم تعد علاقتهما مدفوعة بالتوترات الناتجة من أن الفائز يأخذ كل شيء الذي كان سارياَ في القانون السابق والذي أضرّ ب”القوات اللبنانية” بشكل خاص.
يخرج الحزبان من الإنتخابات في إطار من التفويض والتوحّد حول فكرة واحدة، وهي دعم مشروع الدولة اللبنانية. يفعل العونيون ذلك لأن زعيمهم هو رئيس دولة لبنان، بينما يفعل حزب “القوات اللبنانية” ذلك لأنه يعارض تقويض “حزب الله” للدولة، ويعتقد بأن زعيمه، سمير جعجع ، قد يصبح يوماً ما رئيساً للجمهورية. إن وجود كتلة مسيحية كبيرة موحَّدة بشكل واسع حول فكرة الدفاع عن الدولة، والإيمان بأن السلطة النهائية في مسائل الحرب والسلام والأمن يجب أن تكون في أيدي الدولة، ليسا شيئاً صغيراً أو غير مهم، خصوصاً عندما تتفق غالبية السنّة والدروز مع ذلك. قد يتجاهل “حزب الله” هذا بكل صراحة، لكن قد تكون هناك تكاليف وتداعيات إذا قام بذلك، خصوصاً إذا كان الحزب يقود لبنان إلى صراعات إقليمية لا يستطيع البلد تحمّلها.
إن تقصير قراءة الانتخابات اللبنانية على “حزب الله” فقط يعني فقدان الأبعاد الكثيرة الأخرى التي ظهرت يوم الأحد (6 أيار (مايو) 2018). في الواقع، أكدت الانتخابات على وجه التحديد لماذا لبنان، في تعقيده المطلق، لا يمكن أن يساوي “حزب الله”. ومع ذلك، لا يُمكن الإنكار بأن وسائل الإعلام الأجنبية كانت تنظر فقط إلى ما كان يعنيه التصويت للحزب، وأن هذا سيكون له صدى في العواصم الأجنبية، حيث يتم النظر في مصير لبنان.
ومع ذلك، لنفترض، كما فعل نفتالي بينيت، أن “حزب الله = لبنان”، فهذا يعني حذف تلك النسبة الكبيرة من اللبنانيين، وهم على الأرجح غالبية، الذين يرفضون ببساطة أجندة الحزب. ومهما يكن، لقد أكّدت هذه الانتخابات تنوّع لبنان وأظهرت أن “حزب الله” يستطيع، في أفضل الأحوال، أن يعتمد بقوة على حوالي ثلث البرلمانيين فقط. لن تكون هناك إنتصارات مفاجئة ضد الحزب، ولا لبنان سيكون فرعاً للحزب كما يصرّ بعض الناس. سواء الآن أو في المستقبل، سيبقى العدو الأكبر ل”حزب الله” هو الدولة اللبنانية، وما أظهرته الانتخابات هو أن “حزب الله”، على نحو متناقض، يعرف أنه يجب أن يكون جزءاً من تلك الدولة ليتهرّب ويهرب منها بشكل أفضل.