الصين والنظام النقدي الدولي: هل تريد بكين حقاً تحدّي الدولار؟

عندما طالبت الصين صندوق النقد الدولي بإدخال عملتها الوطنية إلى سلة حقوق السحب الخاصة، بدأ المعلقون الإقتصاديون القول بأن بلاد ماو تسي تونغ تريد تحدّي الدولار وهيمنته على الإقتصاد العالمي. فهل هذا صحيح؟ وإلى أي حدّ يخدم دخول الرنمينبي (اليوان) إلى سلة حقوق السحب الخاصة مصالح بكين الإقتصادية؟

الرئيس الصيني شي جين بينغ: يريد تأكيد الهوية الوطنية لا مواجهة الدولار

بكين – عبد السلام فريد

في آذار (مارس) 2009، بعد أشهر قليلة على إندلاع الأزمة المالية العالمية، نشر محافظ البنك المركزي الصيني “تشو شياو تشوان” مقالاً على موقع البنك الإلكتروني إنتقد فيه النظام النقدي الدولي ل”أوجه القصور الكامنة والناجمة من إستخدام عملات وطنية قائمة على الإئتمان”، واشاد بحقوق السحب الخاصة، وهي العملة الإصطناعية التى أنشأها صندوق النقد الدولي. وقال تشو أن حقوق السحب الخاصة هي “بمثابة الضوء في النفق من أجل إصلاح النظام النقدي الدولي”.
لقد لفتت دعوة تشو إلى دور أكبر لحقوق السحب الخاصة الإنتباه في جميع أنحاء العالم. وإعتبر العديد من المراقبين ان تعليقاته تُعدّ دليلاً على إستعداد الصين للطعن فى النظام النقدي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. في الواقع، بعد سنوات عدة على ذلك، في العام 2015، حصلت الصين على إعتراف بعملتها الخاصة، الرنمينبي (اليوان)، عندما أُدخِلت وأُضيفت إلى سلة حقوق السحب الخاصة، والتي كانت تشمل في العام السابق فقط الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني البريطاني والين الياباني واليورو الأوروبي. ورأى بعض المحللين الغربيين هذا التدبير أيضاً، كدليل على إهتمام الصين بتحدّي النظام النقدي الدولي.
في الواقع، لم يكن بيان تشو في العام 2009 ثورياً كما بدا. إن تعليقاته تعكس موقف الصين القديم القائل بأن حقوق السحب الخاصة يجب أن تلعب دوراً أكبر في النظام النقدي الدولي، مما يجعلها أقل ضرراً للبلدان النامية وتخفّف بعض عدم الإستقرار الناتج من إعتمادها على العملات الوطنية كإحتياطات. ويقول هذا الموقف أكثر عن الهوية الوطنية للصين أكثر من إهتمامها بتحدّي النظام النقدي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

ظهور حقوق السحب الخاصة

إستند النظام النقدي الدولي الذي أُنشئ في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى أسعار الصرف الثابتة وروابط قوية بين الدولار والذهب. وبحلول أوائل ستينات القرن الفائت، حدّد الإقتصادي روبرت تريفين نقطة ضعف رئيسية في هذا النظام: إن البلد الذي أصدر العملة الإحتياطية العالمية (في هذه الحالة الولايات المتحدة) عليه أن يزوّد العالم بالسيولة بعملته – ولكن للقيام بذلك ، عليه أن يُعاني من عجز في ميزان المدفوعات، مما من شأنه أن يُضعف ثقة العالم في العملة. على مدى عقدٍ لاحق، أصبح ما يُسمى معضلة تريفين حقيقة معترفاً بها على نطاق واسع. ولمعالجة هذه المشكلة، أنشأ صندوق النقد الدولي في العام 1969حقوق السحب الخاصة لتكملة دور الدولار الأميركي كمصدر للسيولة الدولية؛ وفي العام 1970، خصص أول مبلغ وقدره 9.3 مليارات وحدة حقوق سحب خاصة. (إن قيمة حقوق السحب الخاصة تتقلّب مع قيمة العملات التي تستند إليها).
وكانت العملة الإصطناعية الجديدة عاملاً هامشياً في النظام النقدي الدولي، وأصبحت أكثر من ذلك مع مرور الوقت. والواقع أن حصة حقوق السحب الخاصة في فترة سبعينات إلى تسعينات القرن الفائت إنخفضت من 9 في المئة إلى ما بين 1 و2 في المئة. وبحلول السنوات الأولى من هذا القرن، بدا أن حقوق السحب الخاصة ليس لها أي دور ولا علاقة لها بالوضع وخارجة عن الموضوع في الغالب.
وقد شهد هذا الإتجاه عكساً جذرياً في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وأثنى العديد من المراقبين، مثل الإقتصادي السياسي أريك هيلينر، على تعليقات تشو التي تعيد إحياء الإهتمام إلى حقوق السحب الخاصة. ولكن هل كانت وجهات نظر تشو تمثل حقاً إنقطاعاً جذرياً عن نهج الصين السابق تجاه إصلاح النظام النقدي العالمي؟ إن التاريخ يفيدنا خلاف ذلك.

الصين تنضم إلى النادي

بحلول الوقت الذي إنضمت فيه جمهورية الصين الشعبية إلى صندوق النقد الدولي في العام 1980، كان نظام “بريتون وودز” الأصلي قد مرّ بتغيّرات مُضطربة. كانت الولايات المتحدة قد كسرت وقطعت العلاقة بين الذهب والدولار الأميركي في العام 1971، مما جعل الغرض الأصلي من حقوق السحب الخاصة موضع نقاش وجدال – أي، تكملة دور الدولار في ظل سعر صرف ثابت. وفي العام 1978، حدّد صندوق النقد الدولي هدفه لجعل حقوق السحب الخاصة عملة إحتياط رئيسية؛ وفي العام التالي، أصدر مخصصات ثانية تبلغ نحو 12 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة.
في سنواتها الأولى كعضو في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أظهرت بكين أنها وافدة جديدة متواضعة ومتعاونة. وعندما كان الأمر يتعلق بحقوق السحب الخاصة، كانت تميل إلى الإعتماد على التقارير والدراسات التي يصدرها موظفو صندوق النقد الدولي، الذين توافق إلى حد كبير على توصياتهم. ولكن على مدى السنوات التي تلت ذلك، بدأت الصين في الضغط من أجل تخصيص المزيد من حقوق السحب الخاصة، والتوزيع الأكثر إنصافاً للعملة الإصطناعية، والإستخدام الموسع والأوسع لها بشكل أعمّ.
لماذا دفعت الصين إلى هذه السياسات؟ في أوائل ثمانينات القرن الفائت، قال ممثلون صينيون في صندوق النقد الدولي إن المساعدة الإنمائية الرسمية الغربية لا تلبي الاحتياجات التمويلية المتزايدة لمعظم البلدان الفقيرة. ورأت الصين أن المزيد من مخصصات حقوق السحب الخاصة يمكن أن تُقلل من حاجة تلك البلدان إلى الإقتراض من الخارج، وتساعدها على توسيع وارداتها، وتتيح نمو إقتصاداتها. وبعد عقد من الزمن، في خطاب ألقاه في صندوق النقد الدولي في العام 1992، أدلى ممثل الصين في المنظمة، “تشي بيغين”، بحجة مماثلة. وقال تشي إن البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا الشرقية قد شهدت إنخفاضاً كبيراً في نسبة الإحتياطات من غير الذهب إلى الواردات. ومن دون سهولة الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، فقد كافحت من أجل إستعادة نسب إحتياطاتها على حساب الواردات والنمو. وقال تشي أنه سيكون من مصلحة الجميع، جعل المزيد من الموارد الرسمية مُتاحة لتلك الدول.
بعد الأزمة المالية الآسيوية في فترة 1997-1998، كان الإستثمار الأجنبي المباشر في الإقتصادات النامية يتباطأ، وإزداد العجز في ميزان المدفوعات في كثير من البلدان الفقيرة، وكانت هذه البلدان تواجه تكاليف باهظة للإقتراض في الأسواق الدولية. ولذلك دعت الصين مرة أخرى إلى تخصيص المزيد من حقوق السحب الخاصة. وجادلت بأن زيادة تخصيص حقوق السحب الخاصة ستساعد على إستقرار النظام المالي الدولي من خلال توفير ضمانات ضد أزمات السيولة بين البلدان النامية.
كان توزيع حقوق السحب الخاصة محوراً آخر للسياسة الصينية. وطبقاً لمواد إتفاقية صندوق النقد الدولي، يتم توزيع مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة وفقاً لحصص أعضاء صندوق النقد الدولي، مما يعني أن البلدان المتقدمة، التي تحتفظ بأكبر حصص، ستحصل على المزيد من حقوق السحب الخاصة من البلدان النامية. وقد إتخذت الصين موقفاً معارضاً لهذا التوزيع، وفي مناسبات عديدة دعا ممثلو بكين لدى الصندوق المنظمة الدولية إلى إعادة توزيع بعض حقوق السحب الخاصة حتى تعود بالنفع على البلدان النامية.
وبالتالي، فإن أول مُحَرِّكَين لمصلحة الصين في حقوق السحب الخاصة – السيولة والتوزيع – كانت لهما الأفضلية على ما يعتبره المراقبون اليوم جوهر السياسة الصينية: توسيع دور حقوق السحب الخاصة في النظام النقدي الدولي.
ومع ذلك، كان هذا الموضوع الثالث حاضراً منذ العام 1986. في خطاب ألقاه في صندوق النقد الدولي في ذلك العام، قال ممثل الصين، “هوانغ فانزانغ”، إنه نظراً إلى أن البلدان ذات الجدارة الإئتمانية (المتقدمة النمو بشكل عام) يُمكنها زيادة إحتياطاتها من طريق الإقتراض من السوق من دون الحاجة إلى إتخاذ تدابير مُحَدَّدة للتكيُّف، فإنها يمكنها أن تؤخر تصحيح الإختلالات التي أدّت إلى الإقتراض حتى وصلت إلى نقطة يَتَعَيّن عليها فيها إتخاذ تدابير صارمة. وأشار هوانغ أيضاً إلى أن الأسواق المالية تميل إلى المبالغة في رد الفعل، الذي يتأرجح بين الإفراط في الإقتراض والذعر. ويعني ذلك أن حقوق السحب الخاصة تنطوي على إمكانات كبيرة لتحسين إدارة السيولة الدولية: فمن خلال زيادة حصة هذه العملة الإصطناعية في الإحتياطات الدولية، ستصبح العملية المُدِرَّة للإحتياطات أقل تَقَلُبّاً، لأنها ستكون أقل إعتماداً على أسواق رأس المال الخاص.
في العام 1989، دعا ممثل الصين لدى صندوق النقد الدولي، “داي كياندينغ”، المنظمة الدولية إلى توسيع نطاق إستخدام حقوق السحب الخاصة من خلال السماح للكيانات الخاصة بإستعمالها وتوظيفها وتبسيط العمليات التي يُمكن إستخدامها من خلالها. وقال “داي” لصندوق النقد الدولي أنه في المدى الطويل “ليس هناك ضمان ثابت للإعتماد على عملة وطنية كإحتياطٍ دولي”، لذا كان من المناسب إستكشاف إستخدام حقوق السحب الخاصة كأصول إحتياطية رئيسية للنظام النقدي الدولي. وفي العام 1994، ذهب الممثل الصيني لدى صندوق النقد الدولي، “وي وينهوا”، إلى أبعد من ذلك. قال “يجب ان نبذل جهوداً ونتحرك نحو هدف جعل حقوق السحب الخاصة أصول إحتياطات رئيسية للنظام النقدي الدولي”.

تحدّي محتويات السلة

منذ العام 1980، ضمّت سلة حقوق السحب الخاصة عملات خمس دول أعضاء في صندوق النقد الدولي التي كان لديها أكبر صادرات من السلع والخدمات بين عامي 1975 و1979: الدولار الأميركي والمارك الألماني والفرنك الفرنسي والين الياباني والجنيه الإسترليني البريطاني. (تم إستبدال المارك والفرنك باليورو بعد إدخال تلك العملة). وفي ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، واصلت الصين إتباع الأسلوب والطريقة المُستخدَمَين من قبل صندوق النقد الدولي لتحديد قيمة وسعر الفائدة لحقوق السحب الخاصة.
لكن موقف الصين بدأ يتغير في السنوات التي تلت ذلك. في العام 2005، إنتقد بيانٌ قدّمته الصين إلى صندوق النقد الدولي الصندوق لإستخدامه “مؤشرات مُتَخَلِّفة” في تطوير سلة حقوق السحب الخاصة وإقترح أن تُناقش المؤسسة النمو السريع للصين كمُصدِّر. وكان التوريط واضحاً: ينبغي على صندوق النقد الدولي أن يُدرِج الرنمينبي (اليوان) في سلة حقوق السحب الخاصة. وبحلول العام 2009، بعد بيان تشو، تابع الممثلون الصينيون في صندوق النقد الدولي مرة أخرى المجادلة أنه من أجل تحسين السيولة وجاذبية حقوق السحب الخاصة كأصل إحتياطي، ينبغي على موظفي الصندوق دراسة كيفية توسيع دور وحدة حقوق السحب الخاصة، وتوسيع وإعادة تنظيم العملات في سلتها.
في العام 2010، في مراجعة وإستعراض لسلة حقوق السحب الخاصة، رفض صندوق النقد الدولي محاولة إدخال العملة الصينية. ولكن الصين لم تستسلم. وفي قمة مجموعة ال20 في سانت بطرسبورغ في العام 2013، دعا الرئيس الصيني “شي جين بينغ” مرة أخرى صندوق النقد الدولي إلى إصلاح سلة حقوق السحب الخاصة، وفي العام 2015 كثّفت الحكومة الصينية من دفعها. وأخيراً، قرر صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 قبول الرنمينبي (اليوان) في سلة حقوق السحب الخاصة، بتخصيص 10.92 في المئة من إجمالي القيمة، أقل من الدولار الأميركي واليورو، ولكن أكثر من الين والجنيه الإسترليني.

سياسات النقد في السياق

على النقيض من الإنطباعات الواسعة الإنتشار، في حينه، فإن بيان تشو في العام 2009 لم يكن خروجاً كبيراً عن مواقف الصين القديمة في ما يتعلق بحقوق السحب الخاصة أو النظام الذي يقوده الدولار. وبدلاً من ذلك، فقد شكّل إنتقاماً للأفكار التي دفعتها بكين لعقود من الزمن، وهي أن النظام النقدي الدولي مُثقَلٌ بتبعية إعتماده على أسواق رأس المال الخاص وبعض العملات الوطنية، والدولار في مقدمتها.
ما كان لافتاً في بيان تشو لم يكن مضمونه ولكن توقيته. في أواخر تسعينات القرن الفائت عندما قرر صندوق النقد الدولي تخصيص المزيد من حقوق السحب الخاصة للمرة الأولى منذ أوائل ثمانينات القرن الفائت، كان الإقتصاد الصيني سابع أكبر إقتصاد في العالم، في مرتبةٍ خلف إيطاليا. ولكن بحلول العام 2009، أصبح الناتج المحلي الإجمالي للصين ثالث أكبر ناتج محلي في العالم، بعد الولايات المتحدة واليابان. والأهم من ذلك أن الأزمة المالية العالمية، التي نشأت في الولايات المتحدة، قد وجهت ضربة قوية إلى مكانة العديد من البلدان المتقدمة النمو: فالصين وقفت وحدها تقريباً بإعتبارها المُحرّك الرئيسي المُتَبَقّي للنمو في العالم. لذا عندما كان لدى تشو ما يقوله عن إصلاح النظام النقدي الدولي، صغى العالم وسمع — على الرغم من أن الممثلين الصينيين كانوا يقولون أشياء مماثلة لفترة من الوقت، وحتى على الرغم من أن آخرين، مثل لجنة من الاقتصاديين بقيادة الإقتصادي الأميركي جوزيف ستيغليتز، كانوا يقدّمون مقترحات مماثلة بشأن حقوق السحب الخاصة.

الهوية الوطنية وسياسة حقوق السحب الخاصة للصين

إن الدعم الذي تُقدّمه الصين منذ فترة طويلة لحقوق السحب الخاصة لا يُمكن تفسيره على نحو دقيق من حيث مصالحها الإقتصادية. إن الحكومة الصينية تدعو منذ سنوات إلى تخصيص مخصصات جديدة لحقوق السحب الخاصة وتوزيعها بطريقة أكثر إنصافاً، بحجة أن تلك التغييرات ستساعد البلدان النامية على التعامل مع مشاكل ميزان المدفوعات. منذ أوائل ثمانينات إلى أوائل تسعينات القرن الفائت، عندما كانت قدرة الصين على التصدير محدودة وكانت ما زالت بلداً نامياً، كان يُمكن لهذا الموقف أن يُفيد الصين. ولكن منذ أوائل تسعينات القرن العشرين، كانت الصين مُصدّراً هائلاً، حيث كان هناك فائض في حسابها الجاري. ومن ثم يبدو أن دعمها لتوسيع نطاق حقوق السحب الخاصة قد إختلف عن مصالحها الإقتصادية الخاصة. ومن غير الواضح أيضاً كيف تُحقق الصين أهدافها الاقتصادية من خلال دعوات بكين لجعل حقوق السحب الخاصة مصدراً أكثر موثوقية وإستقراراً للسيولة الدولية، مما يجعلها في نهاية المطاف الأصول الإحتياطية الرئيسية في العالم. في الواقع، هناك سبب وجيه لبكين لكي تتجنب بأن تلعب حقوق السحب الخاصة دوراً أكبر. ذلك أن من شأن زيادة دور حقوق السحب الخاصة أن تؤدي إلى إنخفاض دور الدولار وقيمته، الأمر الذي سيُكلِّف الصين كثيراً لأنها تُعَدُّ حاملاً ومقتنياً رئيسياً لأصول الدولارات.
وهذا ليس كل شيء. لكي يدخل الرنمينبي (اليوان) سلة حقوق السحب الخاصة، فإنه يَتَعَيَّن عليه أن يفي بمعايير صندوق النقد الدولي بأنه “مُستخدَم على نطاق واسع” و “قابل للإستخدام بحرية”. وكان على الصين أن تتخذ بعض الخطوات الكبيرة نحو التحرير المالي للحصول على ذلك. وقد حذر بعض المحللين من ان هذه التعديلات الجذرية ستجلب مخاطر كبيرة للنظام المالي فى الصين. وأشار آخرون إلى أن إدراج العملة الصينية في سلة حقوق السحب الخاصة لن يُحَوِّل العملة الصينية إلى عملة إحتياط رئيسية ولن يجعل حقوق السحب الخاصة بديلاً من الدولار الأميركي.
وبعدما بدأت بكين الدفع والضغط لإدخال “اليوان” إلى سلة حقوق السحب الخاصة في العقد الأول من هذا القرن، ظل الرأي السائد في الصين حذراً. وعلى الرغم من أن البعض قال إن حقوق السحب الخاصة ستكتسب أهمية أكبر عندما تشمل عملة الصين، فإن العديد من المُعلّقين واصل الإشارة إلى حدود حقوق السحب الخاصة، وتوقّع مراقبون مؤثّرون، مثل محافظ البنك المركزي السابق “داي شيانغ لونغ”، أن مستقبل النظام النقدي الدولي سيشمل عدداً من العملات الوطنية بدلاً من العملات فوق السيادية مثل حقوق السحب الخاصة.
إذا كانت سياسة حقوق السحب الخاصة في بكين تبدو غير قابلة للتفسير في ضوء المصالح المادية للبلاد، فإن ذلك يبدو منطقياً جداً حين تؤخذ الهوية الوطنية للصين في الإعتبار. عندما إنضمت بكين إلى صندوق النقد الدولي في العام 1980، عُرِّفت بوصفها عضواً في العالم النامي، وهي متمسكة بتلك الهوية في المحافل الدولية. في الواقع، وفقاً لبحث من قبل الخبيرين السياسيين هارولد كاران جاكوبسون وميشال أوكسنبيرغ، كانت لدى المسؤولين الصينيين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على حد سواء تعليمات من بكين بعدم رفع المطالب التي يُمكن أن يُنظَر إليها على أنها مُكلِفة لأي بلدٍ نام. إن دعم وحدة حقوق السحب الخاصة كأداة للتنمية الإقتصادية ذهب جنباً إلى جنب مع تحديد وضع الصين مع الجنوب العالمي.
منذ أواخر تسعينات القرن الفائت، أخذت هوية أخرى تأخذ تدريجاً مكاناً في الخيال الصيني: وهي أن تصبح قوة عُظمى. لقد لعب أداء بكين خلال الأزمة المالية الآسيوية دوراً كبيراً. فمع إنهيار عملات الدول المجاورة فى العامين 1997 و1998، واجهت الصين ضغوطاً هائلة لخفض قيمة “اليوان”، ورفضت أن تفعل ذلك. وعلى الرغم من أن الصادرات الصينية عانت كثيراً، فقد إستقطبت بكين الثناء من جميع أنحاء العالم، مؤكّدةً تصوّرها الذاتي بأنها “قوة عُظمى مسؤولة”. ثم جاءت السنوات بعد العام 2007، عندما إستضافت الصين دورة الألعاب الأولمبية، وأرسلت أول رواد فضاء للمشي في الفضاء، وحافظت على نمو إقتصادها فيما وقعت الولايات المتحدة في أسوأ أزمة مالية منذ عقود. إن الإنضمام إلى سلة حقوق السحب الخاصة قد يحمل مخاطر مالية، لكنه وَعَدَ أيضاً بتقديم مكافأة غير ملموسة في شكل مكانة دولية. في أواخر العام 2015، عندما وافق صندوق النقد الدولي أخيراً على دخول العملة الصينية إلى سلة حقوق السحب الخاصة، تم الاحتفال بالمناسبة بحرارة في الصين. بالنسبة إلى القادة الصينيين وإلى الجمهور الصيني فان الخبر كان علامة واضحة على المكانة الدولية المتصاعدة للصين.
ومن ثم، فإن الدعوة الصينية إلى زيادة دور حقوق السحب الخاصة في النظام النقدي الدولي منذ الأزمة المالية العالمية لم تكن ثورية كما يبدو. كما أنها لا تعني بالضرورة تحدّي النظام الذي يُهيمن عليه الدولار. لقد كانت سياسة حقوق السحب الخاصة لبكين محاولة لتأكيد الهوية الوطنية للصين أكثر منها تعزيز مصالحها المادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى