روسيا تستعين بمسلميها في شمال القوقاز لدعم ديبلوماسيتها الناعمة في سوريا

بعدما صدّرت بلدان شمال القوقاز، وخصوصاً الشيشان، شبانها المُتشَدِّدين والمتطرفين الذين بطشوا بالشعبين السوري والعراقي من طريق إنخراطهم في تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ها هي روسيا تستعين بهذه الجمهوريات التابعة لها لدعم ديبلوماسيتها الناعمة وتحسين سمعتها أمام المسلمين السنّة في سوريا.

الرئيس بشار الأسد يستقبل مفتي الشيشان صلاح حجي مجييف: الروابط السورية – الشيشانية توثقت جداً

دمشق – محمد الحلبي

جذب التدخل العسكري الروسي ومعه مناورات موسكو السياسية في سوريا قدراً كبيراً من التغطية الإعلامية. ومع ذلك، تقوم روسيا أيضاً بحملة توعية مُنَسَّقة للمواطنين والمجتمع السوري من خلال مصدر فريد: مناطقها القوقازية الشمالية السنية المُسلمة. وعلى وجه الخصوص، برز رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف ومفتي الشيشان صلاح حجي مجييف كقناة رئيسية للقوة الروسية الناعمة في ما يتعلق بالشخصيات المدنية والإسلامية السورية. وتوسعت هذه الجهود الروسية شمال القوقازية للتواصل مع المجتمع السوري طوال العام 2017، ولكنها زادت بشكل كبير أخيراً، مما يشير إلى مزيد من نموها في المستقبل.
الواقع أن جهود موسكو لرفع مكانتها وتحسين سمعتها في عيون المجتمع المسلم السني في سوريا بدأت في منتصف العام 2016. وفي حزيران (يونيو) من ذلك العام، أعلنت مؤسسة أحمد قديروف (وهي منظمة خيرية مرتبطة بجمهورية الشيشان سُمّيت تيمناً بإسم والد رمضان قديروف) أنها ستوزع 120 طناً من الأغذية في جميع أنحاء سوريا. وقد تم توقيت هذه الحملة لتتزامن مع شهر رمضان، حيث قدمت السلطات الشيشانية الطعام لتناول وجبات المساء أي الإفطار . وفي الوقت نفسه تقريباً، نظّمت موسكو حملة أوسع نطاقاً من خلال جمعية الزكاة التي ترتبط بالكرملين، والتي قامت في أيار (مايو) 2016 بتكثيف الجهود لتقديم المساعدات للاجئين السوريين في لبنان.
في آب (أغسطس) 2016، أعلنت السلطات الشيشانية أن مؤسسة أحمد قديروف ستُنشئ مركزاً طبياً للاجئين في سوريا، بما يكفي لإستيعاب 38,000 مريض. ومن غير الواضح ما إذا كان المركز قد بُني أم لا. ومع نشر الشرطة العسكرية الشيشانية في حلب في كانون الأول (ديسمبر) 2016، قام قديروف بشحن 80 طناً من المساعدات الإنسانية من طريق مؤسسة أحمد قديروف في 24 كانون الأول (ديسمبر). وإستمرت شحنات المساعدات الشيشانية على نطاق واسع خلال العام 2017، بما في ذلك 10 أطنان تم تسليمها في شباط (فبراير)، وكمية غير مُحدَّدة من المعونة الغذائية التي أُرسِلت إلى عشرة آلاف أسرة سورية خلال شهر رمضان في شهر حزيران (يونيو).
أثبت الشيشان أنهم أداة مُفيدة للغاية لموسكو في التعامل مع سوريا طوال العام 2017. فقد إفتُتِحَت جهود التوعية العامة مع ضجة كبيرة فيما كانت الشرطة العسكرية الشيشانية تقوم بجولة في حلب التي إستعادها النظام أخيراً، وتقدم المساعدات للمدنيين المحليين. وقد زار المدينة مسؤولون شيشان رفيعو المستوى من بينهم المفتي الكبير مجييف والسيناتور الروسي آدم ديليمخانوف الذي غالباً ما يُعتبر ثاني أقوى رجل في الشيشان.
من جهتها قامت السلطات الدينية السورية بزيارة غروزني مرات عدة خلال العام 2017، بما فيها في أيار (مايو) وتشرين الثاني (نوفمبر)، للبناء على العلاقات التي أنشئت لأول مرة عندما حضر علماء دمشق مؤتمر غروزني حول التصوّف في آب (أغسطس) 2016. كما أرسلت دمشق شخصيات دينية إلى ماخاتشكالا، في جمهورية داغستان شرق الشيشان، لبحث جهود مكافحة التطرف التى تقوم بها السلطات المحلية. وبعيداً من الصلات الدينية، يُسهِّل الشتات العِرقِي الكبير لشمال القوقاز في بلاد الشام مثل هذه العلاقات: فقد ولد زياد سبسبي، الرجل الرئيسي لقديروف في سوريا والعراق، نفسه في أسرة شيشانية في حلب.
في حين كانت هذه الجهود كبيرة، فقد شهد الشهر الفائت زيادة كبيرة في الإتصالات السورية – الشيشانية، فضلاً عن روابط شمال قوقازية أخرى. وقد أرسلت جمهورية إنغوشيتيا، جارة الشيشان، شحنة مساعدات بقيمة 25 طناً الى سوريا في بداية كانون الثاني (يناير). وقد تم توزيع محتويات هذه الشحنة على السوريين بواسطة الشرطة العسكرية الإنغوشيتية المتمركزة في البلاد، في حين سعت السلطات الروسية إلى مزيد من التفاعل المباشر وجهاً لوجه بين جنودها المسلمين والمدنيين السوريين.
في الوقت عينه، وصلت التفاعلات الشيشانية – السورية الرسمية إلى مستوى غير مسبوق. فقد قام المفتي الكبير مجييف بزيارة الى سوريا إستمرت ثلاثة ايام في الفترة من 6 الى 8 كانون الثاني (يناير)، حيث إجتمع مع محافظ حلب وشخصيات دينية خلال جولته في المسجد الأموي الكبير حيث تستمر عملية إعادة إعماره التي يموّلها الشيشان. وفي 14 كانون الثاني (يناير)، زار وفد ديني سوري الشيشان، وإلتقى بمجييف ومؤسسات التعليم الدينية المحلية. وبعد أيام عدة، أقامت السلطات الشيشانية والسورية “إتحاد المتعلمين في الجمهورية العربية السورية”، الذي يهدف إلى تعزيز الإتصالات التعليمية بين البلدين. وجنباً إلى جنب مع الخطط الحالية لإنشاء حرم جامعة دمشق في غروزني، فإن الروابط التعليمية بين سوريا والشيشان تصل إلى مستويات مرتفعة لم تُشاهَد حتى بين دمشق وموسكو.
ويبدو أن مبادرات موسكو وجدت بعض النجاح لدى السكان المحليين. ففي منطقة الوعر في حمص، حيث أشرفت الشرطة العسكرية شمال القوقازية على إخلاء المتمردين، أفاد السكان المحليون عن دهشتهم لرؤية “جنود روس يؤدون طقوس الصلاة الإسلامية في الشارع”. وتشير تقارير أخرى إلى أن السكان المحليين في سوريا نظروا إلى العسكريين من روسيا وشمال القوقاز بشكل إيجابي إلى حد كبير، على الأقل من الناحية النسبية. ويرى المدنيون أن أنشطتهم أكثر مشروعية من تلك التي تمارسها الميليشيات المدعومة من إيران أو الموالية للنظام، والتي يرون أنها أكثر عرضة للانخراط في أعمال نهب أو سلوك إجرامي وضار آخر.
في الأشهر المقبلة، من المؤكد أن الروابط بين شمال القوقاز وجهود التواصل مع سوريا ستزداد. إن أحد التطورات المحتملة هو زيارة قدروف إلى سوريا في وقت ما في العام 2018. فخلال زيارته الخاصة إلى حلب، أفاد نائب قديروف، آدم ديليمخانوف، أن رئيس الشيشان يعتزم المجيء وزيارة البلاد. ومن المرجح أن تتزامن هذه الزيارة مع إعادة فتح المسجد الأموي المُجَدَّد في حلب. كما أن إنغوشيتيا تصارع للعب دور أكبر أيضاً، مع إقتراح الرئيس الإنغوشيتي يونس بك يفكوروف تقديم تجربة حكومته في إعادة تأهيل المسلحين خلال إجتماع مع السفير السوري في موسكو في 9 كانون الثاني (يناير). وهذا لعدم قول شيئاً عن حملة قديروف الأخيرة لإعادة الشيشان وأطفال شمال القوقاز من أعضاء “داعش” السابقين الذين قتلوا في سوريا إلى بلادهم، والتي من المؤكد أن تستمر. وبالتالي فإن السؤال ليس هو ما إذا كانت الشيشان وإنغوشيتيا وغيرهما من المناطق الإسلامية الروسية سوف تُعمّق مشاركتها في سوريا، ولكن ما هو شكل المشاركة الذي سوف تتخذه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى