الصراع بين قطر وجيرانها ينتقل إلى واشنطن لكسب التأييد الأميركي

بعدما تعثرت كل المحاولات لحل الأزمة بين قطر والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات والبحرين ومصر، ها هي هذه الدول تنقل وتحوّل صراعها إلى واشنطن لكي يكسب كل فريق دعم إدارة ترامب ووسائل الإعلام الأميركية.

معهد دول الخليج العربية: مؤسسة تدعمها الإمارات

واشنطن – محمد زين الدين

وسط أزمة إقليمية جارية وضعت المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج الأخرى مع مصر ضد دولة قطر، ظهر سباقٌ وتنافس لأسلحة العلاقات العامة الخليجية في واشنطن حيث يحاول كلٌّ من الطرفين بواسطتها جذب إدارة دونالد ترامب ووسائل الإعلام الأميركية إلى جانبه.
فى العام الفائت غمرت قطر العاصمة الأميركية بالمال لإنشاء قوة ضغط (لوبي) من طريق إستئجار العديد من الشركات الإستشارية لمساعدتها على تعزيز العلاقات مع الحكومة الأميركية وجذبها إلى جانبها في أزمة الخليج الراهنة.
وقد تُوِّج هذا التنافس في العلاقات العامة في الأسبوع الماضي بإفتتاح “الحوار الأميركي – القطري الإستراتيجي” الذي يتضمّن سلسلة سنوية من الإجتماعات الثنائية بين مسؤولين أميركيين وقطريين رفيعي المستوى في واشنطن، فضلاً عن إطلاق مركز أبحاث ودراسات قطري جديد في العاصمة الأميركية.
وقد بدأ هذا المنتدى، المُسَمّى “مُنتدى الخليج الدولي”، في الأول من شباط (فبراير) مع مأدبة غداء فى نادي الصحافة الوطني في واشنطن. وقد شارك نائب رئيس المركز الصحافي التابع للدولة القطرية في لجنة هذا الحدث، والذي كان سفير الولايات المتحدة السابق في قطر، باتريك ثيروس.
وأفادت مديرة المنتدى دانيا ظافر فضل الدين، الحاصلة على درجة ماجستير في الإقتصاد السياسي من جامعة نيويورك، وهي أصلاً من الكويت، إن المنظمة مستقلة ولا تتلقى تمويلاً مُباشراً من الحكومة القطرية ولكنها تتلقى أموالاً من منظمات تُموِّلها الحكومة.
وقال أحد المحللين المتخصصين في شؤون الشرق الاوسط الذي طلب عدم ذكر إسمه: “إن أحد الأمور الذي شاهدناه خلال العام الماضي هو إنتشار “مراكز الأبحاث والدراسات” التي من الواضح انها تُمَوَّل من قبل الحكومات التي تدفعها نحو إتجاه خاص”.
فمثلاً هناك “معهد الجزيرة العربية”، وهو مؤسسة فكرية وبحثية مدعومة من الحكومة السعودية، تأسس في العام 2017، كما أن هناك منظمة مماثلة، هي “معهد دول الخليج العربية” في واشنطن، تدعمها الحكومة الإماراتية، كان تم إطلاقها في العام 2015.
بعدما بدأت دول الخليج حملتها لعزل قطر في حزيران (يونيو) 2017، إتفقت الدولة المُحاصَرة الصغيرة مع سبع شركات ضغط (لوبي) في الولايات المتحدة ودفعت ما يقرب من 5 ملايين دولار على حملات العلاقات العامة المتعلقة بأزمة الخليج، وفقاً للسجلات المودعة بموجب قانون تسجيل وكلاء الأجانب.
وزعمت السعودية أن قطر تدعم الجماعات الإرهابية، على الرغم من أن المحللين يقولون إن الحصار هو على الأرجح محاولة من الرياض لفرض الإنضباط بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
وكانت قطر في الواقع سارت في بعض الاحيان على إيقاع طبلتها حيث إستضافت اعضاء من جماعة “الاخوان المسلمين”، ورفضت قطع العلاقات مع ايران بعدما أدّت الأزمة الكبرى بين طهران والرياض إلى إقدام غالبية دول مجلس التعاون الخليجي على قطع أو تخفيض علاقاتها مع جارتها الشمالية.
كما تنتقد المحطة الفضائية القطرية “الجزيرة” المُموَّلة من دولة قطر بشكل منتظم الآن السعودية ومصر – ولكن ليس الدوحة نفسها.
وقد يكون هذا التدفق النقدي قد أعطى مردوده في الأسبوع الفائت عندما حضر كلٌّ من وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس الحوار مع نظيريهما القطريين، حيث وقّع الجانبان عدداً من الإتفاقات الثنائية، بما فيها إتفاقات حول الطيران المدني ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية في تصريح: “إنها رسالة قوية إلى القطريين، لكنها كانت أيضاً رسالة قوية إلى الدول المُحاصِرة بأن علاقاتنا لن تتغير”.
تواجه الدوحة خصماً قوياً وجدّياً. لقد أغدقت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة موارد على حملات التأثير في العاصمة الأميركية. وبين العامين 2015 و2017، زادت الرياض عدد الوكلاء الأجانب الذين إستأجرتهم في أميركا من 25 إلى 145، وأنفقت أكثر من 18 مليون دولار على حملات الضغط (اللوبي). كما موّلت عدداً من المؤسسات الدينية الأميركية ودراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية، في حين أن قطر وصلت لاحقاً وأخيراً إلى الحلبة.
وقال جيرالد فيرشتاين مدير شؤون الخليج في معهد الشرق الاوسط في واشنطن أن “العديد من منازل الإجازات ستُبنى على خلفية الاموال التي تُنفَق على هذا الموضوع في هذه المدينة”. وقد تلقى مركز الأبحاث المذكور تبرعات كبيرة من كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن هدايا صغيرة من قطر وعُمان.
ومن جانبها، أعطت الجهود السعودية ثمارها عندما إتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في بداية الأزمة الديبلوماسية في العام الماضي، موقفاً متشدداً يدعم فيه القيادة السعودية وحملتها ضد الدوحة. لكن الآن، مع جماعات ضغط تابعة للدوحة عازمة على المواجهة وسلسلة من الخطوات الديبلوماسية السعودية الخاطئة والمتعثرة بدأ موقف إدارة ترامب يتحوّل بإتجاه قطر.
وقال جان فرانسوا سيزنيك، وهو زميل رفيع المستوى غير مقيم في المجلس الأطلسي (Atlantic Council): “من وجهة نظر العلاقات العامة البحتة، كان القطريون أكثر ذكاء من السعوديين”.
وأضاف: “إنهم يقدمون صورة أكثر إنفتاحاً، وهي صورة للانفتاح الثقافي، وهو ما لم يكن موجوداً عند السعوديين إلّا أخيراً”، مشيراً إلى الإصلاحات الأخيرة مثل محاربة الفساد والسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
كانت إدارة ترامب مهتمة في البداية بضغط القضية السعودية ضد قطر بشكل أكثر قوة، وفقاً لبعض المسؤولين الأميركيين، ولكنها أصيبت في نهاية المطاف بالإحباط من الرياض. لقد ساعدت الحالة الإنسانية المتدهورة في اليمن، وشبه إحتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري في الرياض، وحملة الفساد الفوضوية التي قادها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على رفع مستوى القلق والإحباط.
وصرح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم الكشف عن هويته أن “الفجوة بين البيت الابيض ووزارة الخارجية ضاقت بالتأكيد حيث أعتقد اننا بتنا على الصفحة نفسها”. وبعبارة أخرى، يبدو أن حملة العلاقات العامة للدوحة قد نجحت وتفعل فعلها.
وقال فيرشتاين: “إن القطريين كانت لديهم حجة أفضل على مدى السبعة إلى الثمانية أشهر الماضية، ولكن ذلك يعود إلى أن السعوديين والإماراتيين لم يكونوا فعّالين جداً في تقديم قضيتهم. في البداية، لم يتمكنوا حتى من توضيح ما هي مطالبهم”.
ومن المحتمل ان تساعد خطوات قطر على توسيع قاعدة “العيديد” الجوية للجيش الأميركي – المقر الأمامي للقيادة المركزية الاميركية أيضاً. وقال دنيس روس، وهو ديبلوماسي أميركي سابق وزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى، أن “المؤسسة العسكرية، لاسباب مفهومة، تُعطي أهمية خاصة لقاعدة “العيديد””. مضيفاً “أنها لم ترغب في القيام بأي شيء من شأنه أن يُثير التساؤل في قدرتنا على إستخدام القاعدة وتمويل قطر لها”.
لكن روس لا يزال يشك في الموقف القطري الحالي. وأضاف: “إن دعم الدوحة للقاعدة الجوية أمرٌ مهم، لكن لا ينبغي ان يكون لقيادتها بطاقة مجانية للخروج من السجن”. منتهياً: “أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر بمحاولة خلق مناخ من الرأي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى